السـياسة الجنائية واستقلال النيابة العامة

المشروع لم يتحدث عن محاسبة الوكيل العام بمحكمة النقض بصفته رئيسا للنيابة العامة (2/2) بقلم: ذ. أبو مسلم الحطاب* يبدو أن المشروع، وإن حاول أن يحدد الاختصاصات التي كانت موكولة لوزير العدل، وتم نقلها إلى الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض، بصفته رئيسا للنيابة العامة، فإن العبارات والصيغ المستعملة لذلك، ورغم إطنابها جاءت غامضة، وغير جامعة، ولا مانعة، ويتجلى ذلك واضحا في ما يلي: 1 – أن وزير العدل لم تكن له صلاحية ممارسة الطعون المتعلقة بأي دعوى مما أشير إليه في البند الثاني من المادة 3، وإنما له أن يأمر بذلك، إذا تعلق الأمر بالدعوى العمومية أو تعلق بالدعاوى المدنية، متى كانت النيابة العامة طرفا أصليا فيها، لا مجرد طرف منضم، إذ أن فاقد الشيء لا يعطيه. 2 – أن الإطناب في التشريع غير لائق، وهو ما يلاحظ في الفقرات الثلاث الأخيرة من المادة نفسها – ولهذا فقد يكون من الأولى جمع هذه الفقرات وتصييغها بصيغة واحدة، كأن يقال (مثلا): « السهر على حسن تطبيق القانون في جميع القضايا التي تدخل في اختصاصات محاكم المملكة. وله من أجل ذلك، أن يطلع هو نفسه، أو أحد نوابه، على ملفاتها، وأن يتقدم كتابة بما يراه بشأنها، كما يكون ذلك للوكلاء العامين لدى محاكم الاستئناف، ولوكلاء الملك لدى المحاكم الابتدائية، وذلك مع مراعاة مبدأ « القلم مقيد واللسان حر». 3 – أن المشروع لم يتحدث عن محاسبة الوكيل العام لدى محكمة النقض، بصفته رئيسا للنيابة العامة، عن المسؤولية التي أصبح يتحملها، وهي مسؤولية لها من الجسامة والخطورة ما يجعلها توازي أو تفوق رئيس الحكومة، وعن الجهة التي تحاسبه، لربط المسؤولية بالمحاسبة طبقا لأحكام الدستور. لكن، وأمام سكوت المشروع عن هذه المحاسبة، وإبقاء المشروع على ماهو عليه بخصوص محاسبة الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض، بصفته رئيسا للنيابة العامة، يمكن اللجوء إلى بعض قواعد القانون الخاص التي تخول للموكل (أي جلالة الملك) عزل «وكيله» في حال خروج هذا الأخير عن حدود وكالته، ربطا للحاضر بالماضي، حيث كانت النيابة العامة، في أصل نشأتها بفرنسا مجموعة من الموظفين الإداريين يعهد إليهم الملك بالدفاع عن مصالحه، وتكون إضافتهم إليه إضافة تكليف ومحاسبة، قبل أن تكون إضافة تشريف، إذ ليس من المنطق أن يكون الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض، بصفته رئيسا للنيابة العامة، متحللا من المساءلة في تحد سافر للدستور، أو أن تكون محاسبته أمام المجلس الأعلى للسلطة القضائية، لأنه عضو فيه، ولا يمكن أن يكون أي شخص خصما وحكما في آن واحد. وذلك علاوة على ما في المشروع من اضطراب في صلاحيات الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض بصفته رئيسا للنيابة العامة، بالنسبة لباقي قضاة النيابة العامة. فمرة يعبر بالسلطة والإشراف والمراقبة، ( المادة 2)، ومرة يعبر بالسلطة والإشراف (المادة 3). 4 – إذ كان المشروع قد أشار إلى أن الاختصاصات التي كان يمارسها وزير العدل، قد نقلت للوكيل العام للملك لدى محكمة النقض، بصفته رئيسا للنيابة العامة، وكان من بين اختصاصات وزير العدل، مشاركته في السياسة الجنائية، وفي تطويرها تطويرا يتلاءم مع ما يُستجد من أفعال تستوجب التجريم والعقاب، وفي المؤتمرات والملتقيات الدولية التي تعقد لتدارس السياسة الجنائية، وفي أنجع الوسائل الفعالة لمكافحة ظاهرة الإجرام: - فهل هذه الاختصاصات نقلت أيضا للوكيل العام للملك، بصفته رئيسا للنيابة العامة؟. ولذلك فقد يكون من المناسب أن تضاف هذه الصلاحيات إلى الاختصاصات التي نقلت إلى الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض، بصفته رئيسا للنيابة العامة، ومسؤولا عن تنفيذ السياسة الجنائية، وأن يؤخذ رأيه في مشاريع التشريعات الجنائية واقتراحاتها أثناء إعدادها، وقبل عرضها على البرلمان. ثم إن نقل هذه الاختصاصات إلى الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض، بصفته رئيسا للنيابة العامة، لا يتنافى مع مبدأ فصل السلط، ولا مع أحكام الدستور، بل يجد أساسه في الدستور نفسه، حيث ينص الفصل الأول منه على مايلي «...يقوم النظام الدستوري للمملكة على أساس فصل السلط وتوازنها وتعاونها». والخلاصة أنه يجب إعادة النظر في مشروع القانون رقم 17-33 المتعلق باختصاصات رئاسة النيابة العامة وقواعد تنظيمها، لاستيعاب كل الاختصاصات التي كانت موكولة لوزير العدل، وإعطاء الحلول لكل المشاكل الناجمة عن نقل هذه الاختصاصات إلى الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض رئيسا للنيابة العامة ومسؤولا عن السياسة الجنائية التي أشرنا إلى بعضها، في ضوء استقلال النيابة العامة عن وزارة العدل استقلالا يسوده التعاون، خدمة لمنظومة العدالة، ولتحقيق الأمن والأمان والطمأنينة والاستقرار، والرفاهية والكرامة، والعيش الكريم لكل المواطنين، وذلك هو الأمل المنشود. *دكتور في الحقوق رئيس غرفة سابقا لمحكمة النــقـض محام بهيأة البيـــــضاء

السـياسة الجنائية واستقلال النيابة العامة

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

إدانة سبعيني متهم بالسرقة

فيديو .. تعادل الفتح والزمالك في كأس العرب

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات