الحيـاة فـي الخيريـة… المنعطـف الحاسـم

الهيني... رفعت الجلسة عجز الأم عن مجابهة الفقر وراء الاقتناع بالمكوث في مؤسسة اجتماعية يقال إن عمر الإنسان لا يقاس بعدد السنين التي مضت منه بقدر ما يقاس، بما عاشه من تجارب، وما سطر في حياته من مراحل بعضها مضيء والآخر مظلم. بين الأمل والرغبة في التحدي، عاش محمد الهيني، القاضي السابق، تجارب مثيرة بصمت حياته، بدءا من الطفولة والبعد عن حضن الأم، والاستقرار بدار للأيتام، ثم العودة إلى حضن الأسرة ومواصلة المسيرة الدراسية التي توجت باعتلاء مقعد القاضي المدافع عن الحقوق والحريات، لكن القدر شاء مرة أخرى أن يخطف منه تلك الفرحة. هي قصة كفاح يحكيها محمد الهيني، كفاح من أجل البقاء في مجتمع لا يؤمن إلا بلغة القوي، تماما مثل قانون الغاب. الحلقة الرابعة منذ كان محمد صغيرا وهو يتألم لمرارة العيش الذي تحملته الأسرة بأجمعها، تحت كنف الوالدة الصبورة. لقد فهم مبكرا أن موت الأب في مجتمع تقليدي مصيبة لا كباقي المصائب. وما يزيد الأمر مرارة هو أنه كان يرى أمه أمام عينيه تعاني الاضطهاد وويلات الشقاء من أجل لقمة عيش حاف وبرفقة فنجان شاي وزيت وخبز وعدس و"لوبيا". لقد كانت الطفولة حبلى بالأحزان وبكل الروائح والألوان، "لقد عشت طفولة كلها تقلبات في فيافي التيه، لقد كانت تجاعيد الأسرة تكبر أمام عيني. فيا ربي لمن أشكو هذا الظمأ". مهما مضى العمر بتعنت وعنجهية، فإن للقلب أوجاعا يحتفظ بها مهما طال الزمن. يتذكر سنة 1982 وبالضبط إبان شهر شتنبر حيث التحق بمؤسسة «الحاج عبد الهادي التجموعتي» لصاحبها الرجل الفاضل «المحسن التجموعتي». لم تكن ظروف البيت ملائمة لممارسة حياته كباقي أقرانه المحظوظين، فللواقع الاجتماعي وقعه الذي لا يقاوم. تحمل فراق والدته وهو في سن يحتاج فيه الحنان مثل حاجته للأوكسحين، لكن رياح الأقدار تجري بما لا تشتهيه سفن الأسرة. انتقل إلى المؤسسة الخيرية الاجتماعية والتي كانت تحضن يتامى آخرين أمثاله. «اعترف أن الوالدة لم تكن تتحمل أن يبتعد عنها طفلها نحو مؤسسة خيرية، لكن مرارة الظروف حتمت عليها السماح لي بالاستقرار في ذلك الفضاء المتيح للعيش «الكريم «، ما زلت أتذكر بقوة وجبات الغذاء التي كانت تمنح لنا، وكذلك الملبس والكسوة التي كانت تدخل إلى فؤادي بصيص فرح طالما افتقده لعلة قهر لازمني». عجز أم محمد عن مجابهة القدر وعجزها عن مواجهة ظروف العيش كانا وراء حصول القناعة لدى محمد بالمكوث بين ظهراني مؤسسة اجتماعية، على الأقل تمكنه من مقاومة الفقر المدقع وهشاشة العيش. لقد كانت تلك الحكايات الجميلة التي تحكيها له جدته بتمكن كبير في فن الحكي مرجعا يذكره ببطولات كثير من رجالات التاريخ. إنها حكايات كان لها وقع كبير على تكوين شخصيته، أحب محمد، الذي سيصبح قاضيا، عبرها والشهامة وثبات الرجال، وهو ما حاول ترجمته في الحياة المهنية، «لا أخفي مدى تأثري بالشخصية الصارمة لجدي الذي كان نموذجا لرجل محافظ صارم. كان يميل بجلاء إلى الانضباط والجدية، لقد احتفظت له بشخصية قوية لا تهوى الهزل واللامبالاة، وبالأحرى كان يهوى الانضباط والجدية في كل شيء. إن قوة شخصيته وعنادها ربما تأتت له من حرفته «معلما» متخصصا في البناء. لذلك كانت شخصيته عنيدة كعناد حرفته التي تتطلب صبرا وتحملا. لا أنكر أن شيئا من جدي ما يزال في أعماقي. لقد كان في كل مرة يذكرنا بضرورة أن نكون رجالا». «ما أجمل اللحظات التي مرت علي رغم مرارتها، أعترف كذلك أن للأولياء نصيبا من ذاكرتي. إذ كانت أمي ترافقني نحو ضريح مولاي إدريس زرهون من أجل التبرك. لقد تأثرت بمناخ التصوف وطقوس المريدين. كان التدين بريئا وبنفحة مغربية تضمن الأمن الروحي للمتدينين. لقد عرفت معنى الصلاة منذ أن كان أبي يرافقني إلى بيوت الله وأنا في الربيع الخامس، ومنذ ذلك الوقت وإلى الآن ما أزال أواظب على أداء الصلوات. وإلى اليوم أمارس القناعات نفسها وأمارس أركان الإسلام بكل التزام وأريحية. وآثار والدي وجدي واضحة في هذا المضمار". كريمة مصلي

الحيـاة فـي الخيريـة… المنعطـف الحاسـم

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

النصـب ببطاقـة الشرفـاء

نصائح للعناية بالأواني الفضية

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات