دراسة: موقف المغرب من المحكمة الجنائية الدولية (الحلقة الرابعة)

لم يتطرق نظام روما لإشكالية العفو إلا بصفة غير مباشرة وقعت المملكة المغربية على نظام روما المؤسس للمحكمة الجنائية الدولية يوم 20 شتنبر 2000، إلا أنها لم تصادق عليه حتى اليوم رغم توصية هيأة الإصلاح والمصالحة في هذا الشأن. فهل حصانة الملك ـ الذي يضطلع بكل هذه الصلاحيات والمهام الجسيمة -تمثل أحد المبادئ الأساسية للنظام السياسي المغربي- على غرار ما قرره مجلس الدولة الإسباني بخصوص حصانة الملك لديهم ـ أم أنها تخضع لمبدأ سمو الاتفاقيات الدولية على التشريعات الوطنية الذي أورده تصدير الدستور الجديد، وتنسجم مع التقيد المطلق بمقضيات المادة 27 من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، التي تطرح جانبا مسألة الحصانة على غرار اتفاقيات جونيف الأربعة لسنة 1949، واتفاقية 1948 الخاصة بحظر الإبادة الجماعية، كلها معاهدات صادق عليها المغرب، أم إن الحصانة مجرد احتراز وظيفي يمتد فقط إلى ممارسة المهام الرسمية، وأن كل ما يخرج عن هذا النطاق الضيق غير مكفول بها.ولا أعتقد أننا بصدد مجرد جدل فكري فالملك بصفاته وصلاحياته ومهامه المتعددة منزه عن كل فعل يضعه موضع المسائلة، إلا أنه يضطلع بمهام سياسية دولية مهددة باستمرار بخطر الهيمنة والتدخلات الخارجية في شؤون المغرب الداخلية.وللأسف فإن واضعي الدستور الجديد لم يهتموا بإبراز الحصانة الملكية كمبدأ أساسي للنظام السياسي المغربي، لا يمكن أن تعتريه المواثيق الدولية.والمخرج القانوني الوحيد لمعالجة هذا القصور في نظرنا هو أن يتضمن القانون التنظيمي للمحكمة الدستورية المرتقب،الذي سَيُفَصّل الاختصاصات المسندة لهذه المحكمة مقتضا يعطى لهذه المؤسسة صلاحية إبراز المبادئ الأساسية للنظام السياسي المغربي المؤسّسة للهوية والسيادة الوطنيتين. وحتى في هذه الحالة نقف أمام عائق قانوني دولي يتجلى في المادة 27 من اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات الدولية المبرمة في 23/5/1969 والتي صادق عليها المغرب، التي لا تجيز أن يستند أحد الأطراف إلى مقتضيات قانونه الداخلي لتبرير عدم تنفيذ معاهده دولية.وإن كان الدستور الجديد قد حسم على ما يبدو الأمر بالنسبة للحصانة البرلمانية والامتياز القضائي الذي كان يتمتع به الوزراء في الدستور القديم، بأن حصر الفصل 64 الحصانة البرلمانية في إبداء البرلماني برأي أو قيامه بتصويت خلال مزاولته لمهامه، فيما ألغى الفصل 94 المحكمة العليا وأحال أعضاء الحكومة فيما يخص مسؤوليتهم الجنائية على المحاكم العادية للمملكة.فإن الجانب السياسي المرتبط بممارسة البرلماني أو عضو الحكومة لمهامه ما يزال قائما، ويخضع كذلك لمنطق التدخلات الخارجية في شؤون المغرب الداخلية.ومن تم فإن إشكالية الحصانة تعد من أبرز عناصر المعادلة المطروحة للنقاش.4) إشكالية العفــو:لم يتطرق نظام روما لإشكالية العفو إلا بصفة غير مباشرة وفي مادة فريدة هي المادة 110 التي لا تسمح للدولة التي تنفد فيها العقوبة الصادرة عن المحكمة الجنائية الدولية، أن تفرج عن الشخص المعتقل لديها قبل انقضاء مدة العقوبة.وللمحكمة وحدها حق التخفيف من العقوبة، ولا يتسنى لها ذلك إلا بعد أن يقضى الشخص المحكوم عليه وجوبا ثلثي مدة العقوبة أو 25 سنة في حالة الحكم بالسجن المؤبد، وبعد تأكدها من توافر عامل أو أكثر من العوامل المحددة في المادة110 المذكورة.مقتضيات نظام روما تتعارض إذن مع حق العفو الخاص الذي يمارسه الملك كحق دستوري راسخ، تضمنته جميع دساتير المملكة، وقبلها ظهير 6 فبراير 1958 المعدل في 8 أكتوبر 1977. كما تتعارض مع سلطة البرلمان التشريعية بإقرار العفو العام.وفي هذا الصدد خلص المجلس الدستوري الفرنسي إلى أن فرنسا يمكن أن تجد نفسها مطالبة بأن تلقى القبض على شخص ما وتقدمه للمحكمة الجنائية الدولية بسبب وقائع يشملها العفو، وبالتالي فإن أحكام المادة 110 تتعارض مع الشروط الضرورية لممارسة السيادة الوطنية ، ويجب تعديل الدستور لمحو هذا التعارض.ومن جهته، اتخذ مجلس الدولة البلجيكي موقفا مغايرا معتبرا أن العفو الملكي له طابع إقليمي، أي أن الملك لا يستطيع ممارسته سوى بالنسبة للعقوبات التي تصدرها المحاكم البلجيكية، وأن أحكام المادة 110 لا تتعارض لهذا السبب مع الدستور البلجيكي.إلا أن منطق مجلس الدولة البلجيكي لا يصمد أمام المناقشة والتحليل، إذ يمكن أن يمارس ملك بلجيكا حق العفو إزاء مواطن بلجيكي أدانته المحاكم البلجيكية من أجل إحدى الجرائم المذكورة في المادة 5 من نظام روما، وأن تعتبر المحكمة الجنائية الدولية أن الإجراء اتخذ بغرض حماية الشخص المعنى من المسؤولية الجنائية، الأمر الذي يفسح المجال للقول بتوافر عدم الرغبة في محاكمته من طرف القضاء البلجيكي، وتخويل الاختصاص بشأنه إلى المحكمة الجنائية الدولية عملا بالفقرة 2 – أ من المادة 17 والفقرة 3 من المادة 20 لنظام روما، لتعارض قرار العفو مع أصول المحاكمة المتعارف عليها بموجب القانون الدولي والتي تضع في أولوياتها مبادئ المساواة التامة أمام العدالة وعدم الإفلات من العقاب. بقلم: محمد بن عبد الصادق: (محام بهيأة البيضاء)

دراسة: موقف المغرب من المحكمة الجنائية الدولية (الحلقة الرابعة)

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الصباح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الصالون العربي للفن المعاصر ينظم دورته الأولى

تطورات جديدة في ملف ابن عمدة فاس

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات