بوفراشن: لا يمكن الجزم بأن “التصاحيب” ظاهرة اجتماعية

الباحثة في التنمية الاجتماعية وقضايا الأسرة تقول إن أغلب الدراسات تؤكد تناميها قالت حياة بوفراشن، باحثة في التنمية الاجتماعية وقضايا الأسرة إنه لا يمكن الجزم أن العلاقات العاطفية بين الشباب خارج مؤسسة الزواج أو ما يعرف ب"التصاحيب" ظاهرة اجتماعية. وأضافت أنها مجرد ممارسة موجودة في بعض الأوساط ومتواطأ على تمريرها والتغاضي عن ممارستها اجتماعيا بين الشباب. عن موضوع "التصاحيب" وتناميه في المجتمع المغربي في الآونة الأخيرة، التقت "الصباح" حياة بوفراشن وكان معها الحوار التالي: كيف ينظر المجتمع المغربي إلى ظاهرة «التصاحيب»؟العلاقات العاطفية بين الشباب خارج مؤسسة الزواج، أو كما يصطلح عليها مجتمعيا «بالتصاحيب» لا يمكن أن نجزم أنها فعلا ظاهرة اجتماعية، ولكن هي ممارسة موجودة في بعض الأوساط ومتواطأ على تمريرها والتغاضي عن ممارستها اجتماعيا بين الطلاب، وداخل فضاءات الشباب، وفي بعض المجالات المهنية بين الزملاء، ولكن تبقى مرفوضة علانية عرفيا وقانونيا من طرف الأسر وبعض المؤسسات.فالأسر تقبل ضمنيا وتسكت على علاقات ابنها الذكر، وتوصيه بشكل غير مباشر بالاحتراس من التورط في زواج غير مرغوب فيه، وفي بعض الأوساط الأكثر"انفتاحا" يتم التعارف المباشر بين الأسر وصديقات الأبناء. في حين تتعامل الأسر نفسها بمنطق الكيل بمكيالين مع ابنتها وتحاصر كل محاولة في هذا الصدد، بل وتنزل أقسى العقوبات على الفتاة إذا ما ضبطت متلبسة أو تمت إشاعة الخبر في وسطها المباشر. كيف تتعامل المجتمعات العربية مع ظاهرة "التصاحيب"؟إن المجتمعات العربية التي تنطلق من المرجعية الدينية في جل مناحي الحياة، تحرص على الحفاظ، بطبيعة الحال، على الحدود والالتزام الأخلاقي المفروض أن يتحلى بها المسلمون وأبناؤهم، إلا أن قوة الطبيعة البشرية (الرغبة في الحب، وتلبية نداء الجسد....) وإكراهات المدنية والتعقيدات السوسيواقتصادية (طول فترة العزوبة والدراسة، البطالة.....) تتحكم في مجريات الأمور، مما يجعل المجتمع يظهر بوجهين، وجه ظاهري ملتزم بتعاليم الدين ويحافظ على قوة الأعراف المجتمعية، ووجه باطني يتعامل به العرب في ما بينهن في كواليس المجتمع، يتسم بالمرونة مع متطلبات الحياة اليومية البيولوجية منها والروحية، وهو تواطؤ ضمني على المحظور، مسكوت عنه، لأنه يستجيب للواقع المعيش ويضمن التوازن النفسي والجسدي، وهي اسكيزوفرينيا مجتمعية تعيش بها في غياب البدائل. يلاحظ أن ظاهرة "التصاحيب" باتت تتنامى في السنوات الأخيرة في المجتمع المغربي، فما تعليقك على الموضوع؟أغلب الدراسات التي أجريت على قضايا الشباب بصفة عامة وعلى مساحة العلاقات العاطفية في حياتهم اليومية أفرزت الحقيقة التالية: يمكن أن نعتبر أنها تتنامى لأن ظروف الاختلاط، أولا مهيأة في الدراسة والعمل والأماكن العمومية ووسائل التنقل والسفر وهي كلها فرص للتعارف والتقارب. وثانيا لأن مدة الدراسة أصبحت طويلة ورحلة الاستقرار المهني والعائلي أطول. وثالثا وللاعتبارين السابقين تأخر سن الزواج (27 لدى الفتاة و31 لدى الفتى).وبالتالي فلابد من الرضوخ لنداء الطبيعة والفطرة، وهي البحث عن الجنس الآخر.ومع ذلك فكل هذه الممارسات، يعتبرها الشاب مراحل عابرة خلال فترة الدراسة، أو في انتظار تهييء الظروف المادية والسيكولوجية للاستقرار النهائي، غالبا ما ينتهي مع فتاة يتم البحث عليها لهذا الغرض.في حين تتعاطى معها الشابة على العموم على أنها جسر أو مقدمة، لابد منها، لغاية مأمولة تتجسد في الزواج، مع الحرص على الاحتفاظ بالعذرية.دعامتنا في هذا الطرح هي آراء الشباب، من خلال دراسة وزارة الشباب والرياضة التي قدمت بمناسبة أشغال المناظرة الوطنية يومي ثالث وعشرين ورابع وعشرين ماي الماضي، إذ ذهبت إلى أن 92 في المائة متدينون، ممارسون بشكل متفاوت للشعائر الدينية، و78 في المائة يعتبرون أن الحياة الجنسية للشاب طابوها يجب التكتم عليه، ونسبة 27 في المائة تعتقد أن للشاب حق الممارسة الجنسية خارج مؤسسة الزواج و17 في المائة فقط تقبل الزواج بشخص سبق أن عاشره جنسيا، غير أن التشدد كما أسلفت هو في اتجاه الفتاة، بحيث 9 في المائة فقط تعتبر أن للفتاة حق الممارسة قبل الزواج. وأختم لغة الأرقام هذه بحقيقة لا غبار عليها هي أن 96 في المائة من الشباب يفضلون فتاة عذراء للزواج.هذه الحقائق الرقمية تترجم لنا تشبع الشباب المغربي بالتربية المحافظة الدينية، لذلك تحفظنا على تسمية "ظاهرة"، إذ أن الظاهرة تعتبر كذلك، انطلاقا من دراسات ميدانية وخلاصات علمية. في حين أن المتوفر لدينا يؤكد أن الظاهر لا يعكس بالضرورة بواطن الأمور. كيف تفسرين ربط شباب علاقات بهدف "الكونكيبناج" وليس بهدف الزواج وتكوين أسرة؟من المسلمات التي لابد أن نتفق عليها مبدئيا هو أن الشباب العربي عامة، والمغربي على الخصوص، محافظ وملتزم بالتعاليم الدينية في قرارة نفسه، وهو المعطى الذي أفرزته الدراسة سالفة الذكر، ويؤكد بعضها بحث مؤسسة "la fondation pour l’innovation politique " في 25 دولة على 32700 بمن فيهم المغاربة والذي أفرز أن 61 في المائة منهم متشبثون بهويتهم الثقافية والدينية.أما الدراسة التي أنجزها حديثا المركز المغربي للدراسات والأبحاث المعاصر الشباب، فإنها تذهب إلى أن 79 في المائة من الشباب المغربي يشكل الدين جزءا أساسيا من حياته العامة والخاصة. الرسالة التي نود تبليغها، هو أن الشباب المغربي يظهر ما لا يبطن بخصوص موقفه من العلاقات مع الجنس الآخر، والزواج والمعاشرة الجنسية غير الشرعية، والاستسرار أو ما يصطلح عليه بالفرنسية ب»الكونكيبناج». هذا الأخير هي ممارسة تطبعها السرية التامة، ينتشر بالخصوص في المدن الكبرى غالبا بين الطلبة بعيدين عن أسرهم، وكذلك في أوساط الأطر العليا والتي تلقت دراستها في الخارج، وبالطبع فبغض النظر عن الموانع الدينية والقانونية فإن مبرراتهم في ذلك تلخص عموما في مبررين اثنين إلى ثلاثة على أكثر تقدير، وهي تهييء الظروف السيكولوجية والمادية للزواج مستقبلا والاقتصاد المادي باكتراء شقة مشتركة والتقليص من المصاريف اليومية والتعبير عن التحرر الفكري والثورية والانقلاب على الأعراف الاجتماعية وأحيانا على الموانع الدينية.ولكن المفارقة الغريبة، هو أن الشباب الذين اختاروا لأنفسهم هذا النوع من المعاشرة يحرصون على سرية الوضع، وغالبا ما يلجؤون إلى الأحياء «الراقية» في المدن الكبرى حيث طبيعة العيش وشساعة الفضاء تمنح الفرد حرية شخصية إلى حد ما في الحياة اليومية. ولعل «الأنا الأعلى الأبوية»، والرقابة الاجتماعية، والوازع الديني حاضرون بقوة، وبالتالي يتبين الخوف من الإفصاح والتكتم على العلاقات العاطفية التي تحيل مباشرة على المعاشرة الجنسية، في سياق مرفوض اجتماعيا وقانونيا، لأنها تعتبر جريمة الفساد، وتعني هذه الجريمة في القانون المغربي «كل علاقة جنسية غير مشروعة قائمة بين رجل وامرأة لا تربط بينهما علاقة الزوجية»، ومما يلاحظ في هذا الباب أن هذه الجريمة فقدت وجودها بصورة نسبية، وبالتالي أصبح لا عقاب عليها في كثير من التشريعات الأوربية وبعض التشريعات العربية (كالقانون الجزائري والقانون المصري). في حين يكون عقابها بحسب منطوق الفصل 490 هو الحبس من شهر واحد إلى سنة. أجرت الحوار: أمينة كندي

بوفراشن: لا يمكن الجزم بأن “التصاحيب” ظاهرة اجتماعية

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

حقوق المرأة والبطالة أسباب إعراض الشباب عن الزواج

الزمزمي: لا حرج في لقاء الشباب في الفضاءات العمومية

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات