الصويرة تتحسس جذورها الإفريقية

مهرجان "كناوة" لم ينتعش إلا في ثالث أيامه معلنا أن في العمر بقية كان على مهرجان “كناوة” انتظار يومه الثالث ليتأكد للجميع أن في المهرجان بقية وأن لموسيقى “كناوة” عشاقها الذين وإن تخلفوا عن الحضور بالكثافة المعهودة خلال اليوم الأول فقد بدأت، تدريجيا، أعدادهم ترتفع ابتداء من اليوم الثاني، وغير ثالث أيام المهرجان وجه المدينة التي تظل طيلة أيام السنة مستكينة لهدوئها، لتجد نفسها تسارع الزمن وتضيق عن نفسها بزوارها الذين تلفظهم على رمال شاطئها، أو تبثهم على منصات الفرجة. كل شيء في مدينة الصويرة خلال أيام المهرجان الأربعة، يشي بأن أشياء كثيرة تتغير وقد تنقلب رأسا على عقب، فالمدينة التي عرفت عنها استكانتها لإيقاع الزمن البطيء، صارت ترتدي مع مهرجان كناوة حلة أخرى تجعل للإحساس بالزمن طعما آخر مغايرا وأكثر تسارعا. التغير يبدو لمن اعتاد زيارة المدينة خلال الأيام العادية، منذ الوهلة الأولى إذ على مدخل المدينة وعند النقطة التي يسميها الصويريون “بركة محمد” يبدو للداخل مشهد السيارات المتدافعة نحو وسط المدينة، وكذا منظر شباب في مقتبل العمر يحملون في أياديهم مفاتيح يلوحون بها لراكبي السيارات في إشارة منهم إلى أن تلك المفاتيح هي لشقق من أجل الكراء.“كراء الشقق” إذن هو النشاط الأول الذي ينتعش في ظل المهرجان، في ظل محدودية بنية الاستقبال بمدينة الرياح، فضلا عن أن الأفواج البشرية التي اعتادت أن تحج إلى المدينة خلال أيام المهرجان، قد يعادل سكانها، ما يجعل التفكير في مسألة الإيواء تكون على رأس اهتمامات زوار مدينة الصويرة خلال أيام المهرجان، فتلجأ فئة عريضة من الصويريين إلى كراء شققهم أو اقتسامها مع الزوار إن اقتضى الأمر ذلك، ولايقل ثمن أرخص شقة، خلال أيام المهرجان، عن 300 درهم.حلل “تاكناويت”على امتداد الشريط الساحلي لمدينة الصويرة، والذي يبتدئ عند مدخلها ويفضي إلى المدينة العتيقة عند أبوابها الغربية، يبدو منظر السيارات مرتفعة العدد مثيرا، خاصة أن المدينة من فرط هدوئها وقلة حركة الجولان والسير فيها لا تتوفر حتى على الشارات الضوئية، لكن مع “مهرجان كناوة” كل شيء يصير نسبيا.على يسار “الكورنيش” ومباشرة على الرمال انتصبت منصة الشاطئ التي كانت هذه السنة على موعد مع مجموعة من السهرات أغلبها حفلات مزج بين معلمي كناوة والموسيقى الشبابية، وهي ثاني منصة رئيسية بعد منصة ساحة مولاي الحسن، قرب ميناء المدينة، فضلا عن الفضاءات الأخرى التي وإن تقلصت، مقارنة مع الدورات السابقة، فإن ذلك لم يحل دون أن ترفل المدينة في حلل “تاكناويت” الزاهية، وتتردد أنغام هذه الموسيقى في كل أرجائها.“الصويرة المروية”“اللي عشق كناوة الصويرة كلها مروية” عبارة أطلقها المعلم حميد القصري، خلال سهرته التي جمعته بالمجموعة الأفغانية الإيرانية “بيتوين وورلدز” على منصة برج “باب مراكش”، كانت (العبارة) كافية لتحرك الجمهور الحاضر الذي أمّن على جملة القصري وهو يعرف أن المدينة كلها فعلا تفجرت ينابيعها أنغاما “بونتاتونيكية”.ظلت الصويرة تضبط حركات أنفاسها، خلال أيام مهرجانها الأربعة، على إيقاع، فنهارها امتزج بليلها حتى إنه لم يعد بالإمكان التمييز بينهما إلا برفع الراس نحو السماء للتأكد من ذلك. صوت “القراقب” ونبض “السنتير” يتردد في كل ثنايا المدينة وتفاصيلها، إن لم يكن على المنصات المخصصة خلال المهرجان، ففي كل المحلات التجارية والمقاهي، حتى الملاهي الليلية ضبطت ساعاتها على موسيقى كناوة، ولاشيء غيرها.أما الأزقة والدروب فتضج بآلاف العابرين الذين قصدوا المدينة، شباب في مقتبل العمر منهم من أطلق ضفائر “مجدولة” على طريقة بوب مارلي، والبعض الآخر يرتدي قمصانا تحمل شعار المهرجان أو شعارات أخرى تنتمي إلى فصيلة الدعوة إلى شريعة الهيبيزم أي “السلام والحب”، أو مزينة بنبتة “الماريخوانا”، فضلا عن السياح الأجانب الذين يتحركون في أرجاء المدينة بعضهم لا يقاوم سحر أنغام “كناوة” المنبعثة من كل جنبات المدينة، فيستسلم لها ولا يتردد في الرقص على أنغامها في قارعة الطريق.كناوة.. موسيقى كل العالمموسيقى كناوة الشهيرة بإيقاعاتها القوية ومعانيها المثقلة بالحكايات والأساطير والعبارات المتقطعة المبهمة، والتي تتداخل فيها المكونات الإثنية الإفريقية والأمازيغية والعربية، برهنت على أنها فعلا “موسيقى لكل العالم” رغم ما يقال عن تركيبها الموسيقي البسيط.فعلى امتداد دورات مهرجان “كناوة” الأربع عشرة، عاشت هذه الموسيقى مئات لحظات المزج بينها وبين مختلف الأنواع الموسيقية من كل أرجاء العالم، فكان التوافق إلى حد كبير بشكل يمكن تشبيهها بالماء الذي يأخذ شكل الإناء الذي يوضع فيه. فخلال هذه السنة جاورت موسيقى كناوة كلا من الموسيقى الأفغانية والهندية والإيرانية والأرمينية والجاز والراب والهيب هوب، كما انفتحت خلال حفلات المزج على آلات موسيقية غير مألوفة فيها منها “الأرمونيوم” الأفغانية والساكسفون والبيانو وغيرها، فكانت النتائج مبهرة مما مكن من خلق فرجة لا يمكن أن يخلقها إلا فن “كناوة”."كناوة أول ستارز" يحفظون لمهرجان كناوة هيبتهأسدل الستار، مساء الأحد الماضي، على فعاليات الدورة 14 من مهرجان كناوة موسيقى العالم، بتنظيم حفل باذخ اختير له اسم «كناوة أول ستارز» جمع نخبة من أشهر معلمي كناوة، خاصة الذين تألقوا خلال الدورة الأخيرة.واعتلى منصة مولاي الحسن كل من عبد الكبير مرشان ومحمود غينيا وحسن بوسو ومحمد غويو، مرفوقين ب12 راقصا وست مجموعات صوتية تردد خلفهم أشهر أغنيات المتن الكناوي بشكل جعل الساحة تضج بالحركية والنشاط الذي سرى في أوساط الجماهير الغفيرة التي حجت خلال آخر أيام المهرجان.واستطاع «المعلمين» الأربعة أن يحفظوا ماء وجه الدورة الرابعة عشرة لمهرجان كناوة، بعد أن ساد الاعتقاد بأنها مستواها كان أقل من المتوسط مقارنة مع الدورات السابقة.وعرف المنصة ذاتها، ليلة السبت الماضي، إحياء حفل للنجم المالي «ساليف كيتا» الذي استطاع بدوره أن يحرك «سواكن» جمهور المهرجان، الذي أبدى تفاعلا خاصا مع الإيقاعات الإفريقية التي تحبل بها أغاني كيتا.وقدم النجم المالي عددا من أشهر أغانيه، وبرهن للحاضرين على أن هناك جذورا مشتركة بين موسيقى إفريقيا العميقة وموسيقى كناوة، وكيف لا وهذه الأخيرة ارتبطت تاريخيا بحلول العبيد القادمين مع القوافل التجارية من «تومبوكتو» المالية إلى الصويرة منذ قرون.كما شهدت منصة برج باب مراكش سهرة أخرى أحياها المعلم حميد القصري رفقة المجموعة الأفغانية الإيرانية «بيتوين وورلدز»، وكشفت هي الأخرى على مدى قدرة موسيقى كناوة على التأقلم حتى مع الموسيقى الأسيوية.كما تواصلت بزاوية «سيدي بلال» إلى غاية الساعات الأولى من صباح الأحد الماضي، «ليلة كناوية» بكل مستلزمات طقوسها، حضرها جمهور نخبوي اختار التوغل في عمق أزقة المدينة العتيقة للصويرة حيث يوجد المقر التاريخي لهذه الزاوية التي تعبر أعرق معقل لفن كناوة بالمدينة. عزيز المجدوب

الصويرة تتحسس جذورها الإفريقية

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

55 ألف مشارك في مسيرة تأييد الدستور بمراكش

أوبري تعلن ترشحها للانتخابات الرئاسية الفرنسية

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات