الديمقراطية المغربية على المحك

الدولة والأحزاب في امتحان قناعة المواطن بالعمل السياسي وثقته بالفاعلين فيه تضع صناديق الاقتراع، اليوم (الجمعة)، الدولة والأحزاب أمام امتحان المشاركة السياسية، وذلك في محاولة للبحث عن جواب مقنع لواحد من أكثر الأسئلة التي تطفو على السطح كلما حل موعد الانتخابات، التي أصبحت تشكل هاجسا محوريا لدى السلطات المشرفة وكذا لدى الفاعلين والهيآت السياسية. ويجمع المتتبعون على أن مرد هذا الانشغال الكبير بنسبة مشاركة الكتلة الناخبة ومستواها في هذه الاستحقاقات البرلمانية سواء لدى الأحزاب السياسية ومرشحيها أو لدى المراقبين أنها ستكون هي المحدد والجواب عن مدى صدق وصواب ما وصل إليه المسلسل الديموقراطي بالمغرب، كما تكشف مدى قناعة المواطن بالعمل السياسي وثقته في الفاعلين فيه. ولا شك أن نسبة المشاركة في أي استحقاقات انتخابية، تظل من المؤشرات الأساسية التي يقيس بها المتتبعون والمراقبون وكذا الدولة مدى تقبل ووعي المواطن بأهمية الممارسة السياسية التي تعد الانتخابات أحد أبرز صور تكريسها وكذا مدى استعداده لدعم هذه الممارسة والانخراط فيها والدفاع عنها باعتبارها آلية لا محيد عنها لتنمية وتطور المجتمع. ويتفق أصحاب الاختصاص الدارسون للشأن الانتخابي بالمغرب على أن نسبة المشاركة في الانتخابات التشريعية الجارية تحكمها عدة ضوابط لابد من توفرها في العمل السياسي منها الثقة التي يجب أن تسود لدى المواطن بأهمية ونجاعة المسلسل الديموقراطي وانعكاساته الإيجابية على واقعه ونمط حياته وكذا مصداقية ومعقولية الفاعل السياسي المشارك في هذا المسلسل والذي يجب أن يعكس من خلال ممارساته وعمله السياسي وعيه ومسؤوليته في تدبير الشأن العام لمدة محددة نيابة عن الشعب، إلى جانب التزام السلطات والدولة بقيم ومبادئ النزاهة والشفافية وتكريسها في تدبير مرتكزات وآليات هذا المسلسل. وإذا كانت الانتخابات في الأنظمة الديموقراطية هي الأساس الذي تنبني عليه دولة الحق والقانون، فإن الحق في المشاركة السياسية باعتباره واحدا من حقوق الإنسان السياسية يشكل بوابة لممارسة مجموعة من الحقوق والحريات الأخرى كما نصت عليه مختلف العهود والمواثيق الدولية المرتبطة بحقوق الإنسان الكونية، ما يكرس مقولة إن الانتخابات تشكل حجر الأساس في بناء دولة القانون وهي شرط ضروري للديمقراطية وحقوق الإنسان كما أنها أساس لمبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة وبالتالي فهي تشكل جوهر مبدأ تقرير المصير عن طريق صناديق الاقتراع. وما يجعل العملية الانتخابية بتلك الحساسية الكبرى، أن المشاركة السياسية المكثفة تجعل من الاقتراع العام معبرا حقيقيا عن الإرادة العامة، وبالتالي هي شرط من شروط المواطنة الحقة، حيث ينبغي أن يتمتع المواطنات والمواطنون بحقوقهم وأن يتحملوا الالتزامات والواجبات الملقاة على عاتقهم، الأمر يدفع في اتجاه التشديد على أن المشاركة تعد أول الواجبات الأساسية التي ينبغي أن يلتزم بها جميع من تتوفر فيهم شروط المشاركة، خاصة أن كلمة الصناديق تعد عاملا أساسيا في حسم اختيار البرامج الانتخابية، التي تشكل أساس البرامج الحكومية والسياسات العمومية ذات الارتباط بحاجيات المواطنات والمواطنين في مختلف المجالات الاقتصادية والاجتماعية كالصحة والتعليم والشغل والثقافة والاقتصاد والبيئة وغيرها. لكن ضعف المشاركة سيفشل وقع الانتخابات سلاحا بيد الناخبات والناخبين لمحاسبة المنتخبين وذلك بمنحهم الثقة من جديد أو سحبها منهم، وبالتالي فهي تكرس بذلك التفعيل الحقيقي لمبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة المنصوص عليها دستوريا، لذلك وجب النهوض بالمشاركة لأنها الطريق إلى التنمية السياسية، وذلك بالنظر إلى مزايا المشاركة الواعية والبناءة والإيجابية . وفي الاتجاه نفسه أكد "مركز جنوب شمال للحوار الثقافي والدراسات" أن نتائج الأبحاث الميدانية إذا كانت قد أظهرت أن الأسباب الأساسية لما يسمى "العزوف السياسي" تتمثل في انعدام الثقة في المؤسسات السياسية وضعف الأداء السياسي للبرلمان والحكومة فإن من حسنات الديمقراطية أن الناس بإمكانهم إحداث التغيير إذا هم صوتوا وشاركوا بكثافة في الاستحقاقات الانتخابية، معتبرا أن هذا التغيير قد لا يحدث بالسرعة التي يريدون وقد لا يكون المرشحون مثاليين دائما ولكن ورغم كل ذلك فبإمكان الناخبين من خلال مشاركتهم في التصويت أن يرسموا مستقبل بلدهم وفق رغباتهم والقيم والمبادئ التي يؤمنون بها ويدافعون عن حامليها. وسجل المركز أن الطريقة الوحيدة التي يمكن للمواطنين من خلالها معالجة عدم المساواة التي يشعر بها العديد منهم، وبالتالي إحداث التغيير المنشود هو التصويت والمشاركة الفاعلة في الانتخابات، مشيرا إلى أن المواطن الذي يبقى في البيت بدلا من الذهاب إلى صناديق الاقتراع من أجل التصويت لصالح المرشح الذي يفضله، هو مجرد شخص يعزز الوضع الراهن ويعطي الفرصة للمرشح الطالح، على اعتبار أن الناس إذا كانوا يرغبون في التأثير على مستقبل بلدهم فيجب عليهم القيام بدورهم في انتخاب المرشح الأنسب أو أقلهم ضررا، مضيفا أن المراقبين والمحللين يمكنهم أن يجادلوا بأن التصويت يتطلب بعض الجهد والتحفيز من أجل إقناع أولئك الذين لا يعلمون أو لا يهتمون بالسياسة. لا ديمقراطية بدون ديمقراطيين لا تنطبق حجة عدم التحفيز حسب مركز جنوب شمال للحوار الثقافي والدراسات، إلا على بعض الذين لا يصوتون، وذلك بالنظر إلى أن نسبة كبيرة منهم تتشكل من الأطر والنخبة المتعلمة التي تتابع الأخبار وتهتم بالسياسة الوطنية ولكنها تمكث في البيوت يوم الاقتراع معتقدين أن أصواتهم "لا تهم"، في حين أن الحقيقة غير ذلك تماما، محملا الأحزاب السياسية والنخبة المثقفة وجمعيات المجتمع المدني مسؤولية العزوف، داعيا إلى بذل مجهودات مضاعفة من أجل تحفيز العازفين حتى يعودوا إلى ممارسة حقوقهم السياسية الأساسية وحتى ينفتح ويتوسع النقاش العمومي بالبلاد في إطار تنظيم الانتخابات البرلمانية، في أفق بناء نظام سياسي بقاعدة شعبية متينة تدفع المسار الديمقراطي إلى الأمام. ياسين قُطيب

الديمقراطية المغربية على المحك

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

تشريعيات 7 أكتوبر ... قواعد اللعبة

التصويت... إذا الشعب يوما أراد

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات