رهاب الخسارة الذي يتملك الحزب وراء إنزال الوزراء وتوريث الدوائر الانتخابية يمارس العدالة والتنمية طقوسا انتخابية غريبة، تهدف بالأساس إلى توريث الدوائر الانتخابية بترشيح الوجوه نفسها بما لا يسمح بتداول النخب داخل البرلمان. ورغم ادعاءات المعايير واجتماعات اللجان وتجمعات الأقاليم، فإن الآمر الناهي في تزكية المرشحين وكلاء للوائح بالدوائر الانتخابية، هو منطق التوريث وتعيين الأسماء نفسها في الدوائر نفسها، وكأن الحزب عاقر لا يلد أطرا ولا يرشح إلا الوجوه التي ألف الناس كلامها، وتعودوا على اختفائهم مباشرة بعد انتخابهم، وما أن يعودوا إلى الظهور مرة أخرى حتى يعلنون فائزين، وكأن شعبا آخر هذا الذي يصوت لهم يوم الاقتراع! عشية الانتخابات تفجرت حرب اللوائح داخل العدالة والتنمية، وبدأت موجات الانشقاق والتمرد تخرج إلى العلن، والسبب أن عددا من المناضلين والمتعاطفين مع الحزب تبين لهم الرشد من الغي، وبدا واضحا أمامهم أن ادعاءات الديمقراطية الداخلية ودروس الحق في الاختلاف لا تجد إلى الحزب سبيلا، وتصطدم بخصوصية الديمقراطية المغربية التي تنتصر للولاء الحزبي والقرابة من مركز القرار، على حساب تفعيل آليات التصويت والانتقاء الحر لوكلاء اللوائح. تحدث الدسائس في الكثير من المقرات، في الدار البيضاء ومراكش والجديدة وآسفي وفاس، وغيرها من المدن الكبرى التي سرقت فيها قيادة العدالة والتنمية إرادة الناخبين الصغار في المجالس والمقرات، وفرضت عليهم وكلاء لوائح قضوا أكثر من ولاية تشريعية ويطمحون إلى ولاية رابعة بمجلس النواب، كما دفعت قيادة الحزب بكل الوزراء إلى المعركة الانتخابية، بإدراك مسبق أن المعركة ستكون قوية هذه المرة. يكشف الدخان المنبعث من مقرات العدالة والتنمية، بسبب حرب التزكيات، أن الحزب يعلن النفير العام من أجل هذه الانتخابات، ويخوضها بمنطق حرب أكثر منها تمرين ديمقراطي وفرصة للتداول على السلطة، فالرغبة في الفوز في الانتخابات تدفع الحزب إلى الممارسة نفسها التي ألفناها داخل الأحزاب السياسية التقليدية، من خلال الممارسات نفسها والنهج نفسه الذي تعودته. وقد يكون لدخول "الأعيان" من محترفي الانتخابات أثر على ما رشح من خلافات داخل العدالة والتنمية، كما قد يكون لهيمنة تيار داخل الحزب على حساب آخر، دور في انشقاق البعض والاحتجاج العلني للبعض الآخر ضد ترشيح الوجوه نفسها، في الدوائر نفسها، ولأجل المناصب نفسها، فقط لأن "الحرب" تقتضي أن يستدعي الحزب مرشحين أقوياء، بنفوذهم الوزاري أو القبلي أو الحزبي، أما الممارسة الديمقراطية واحترام معايير الترشيح التي صاغتها لجنة الانتخابات، فإن تأجيلها ضرورة شرعية من باب جلب المصالح الانتخابية ودرء مفاسد الخسارة. إن فكرة توريث الدوائر الانتخابية التي تهيمن على اختيارات العدالة والتنمية لمرشحيها لاستحقاقات سابع أكتوبر المقبل، لا تقتصر على ترشيح الشخص نفسه في الدوائر نفسها، بل تهم أيضا ترشيح رموز الحزب في أكثر من دائرة انتخابية، وهو الأمر الذي ينطبق على كثير من قيادات الحزب، مثل الوزير لحسن الداودي، الذي ترشح بفاس ثم ببني ملال، وسعد الدين العثماني، الذي فاز في الدار البيضاء ثم انسحب إلى المحمدية، وغيرهم كثير يتنقلون بين دائرة وأخرى، بما يحرم الناخبين من فرصة محاسبتهم في كل انتخابات، في حكاية هروب مستمر. إحسان الحافظي