دستور جيد وقوانين سيئة

لا يعد انتفاء أي أثر للمكتسبات التي جاء بها دستور 2011 في الواقع المعاش وفي مضمون القوانين التابعة له، بعد خمس سنوات من اعتماده، مفاجئا لكثير من المتابعين، إذ أنه، ومنذ الاطلاع على مذكرات مقترحات الأحزاب بشأن التعديلات الدستورية في 2011، وجد إجماع على أن الأفق الذي أرادته المؤسسة الملكية، أكبر من طموحات الأحزاب ومقدرات نخبها.ويبدو أن الناخبين الذين منحوا الأغلبية للمحافظين في نونبر 2011 ذهبوا ضحية وجود بديل وحيد في الساحة ممثلا في العدالة والتنمية، ولم يدركوا أنه مرجعيته لن تخدم التأويل الديمقراطي لدستور 2011 المسمى "دستور الحقوق"، إذ فضل الحزب تأويلا للدستور أدى إلى ما يسميه عزيز إدامين، الباحث في العلوم السياسية، "دستورا جيدا وقوانين سيئة".فإذا كان دستور 2011 يحتمل في الآن نفسه، قراءة رئاسية وأخرى برلمانية، فإن أغلبية عبد الإله بنكيران، حسب الباحث نفسه، فضلت التأويل الرئاسي، منذ أول قانون تنظيمي وضعته، والمتعلق بالتعيين في المناصب العليا، إذ في الوقت الذي احتفظ الدستور للملك بالمجالات الإستراتيجية وترك للحكومة السياسات العمومية، أصرت الحكومة على أن تعيد إلى الملك عددا من المجالات التي تخلى عنها بموجب الدستور.وقبل أن يصرح عبد الإله بنكيران، رئيس الحكومة، أنه "جا غير باش يعاون"، معتبرا كل دعوة له إلى ممارسة الصلاحيات الموسعة لرئيس الحكومة بموجب الدستور الجديد، دعوة إلى التنازع مع الملك، قام بمحاولة لإجهاض المقتضى الدستوري القاضي بأن تكون الحكومة مسؤولة أمام البرلمان، عندما حاول عرض برنامجه الحكومي على المجلس الوزاري الذي يترأسه الملك، قبل البرلمان.وشهدت السنوات الخمس التي تلت استفتاء يوليوز 2011، أيضا، تغييبا للمقاربة التشاركية وروح التوافق التي اعتمدت إبان تعديل وصياغة الدستور، إذ ظل حزب العدالة والتنمية، يتنطع بنتائج صناديق الاقتراع التي منحته التفوق متناسيا أن الولاية الحكومية والتشريعية (2012 - 2016)، هي ولاية تأسيسية وليست عادية، أي تتطلب إشراك الجميع والتوافق من أجل تنزيل الدستور.ولم يكن ذلك الخطأ، من مسؤولية حزب العدالة والتنمية وحده، إذ أن المعارضة بدورها، فضلت ما وصفه عزيز إدامين، الباحث في العلوم السياسية، بـ"صراع القيام على حساب المصلحة الفضلى للمجتمع"، والمقصود، أن المعارضة انشغلت بالتصارع والتصادم مع الحكومة بناء على ثنائية "ظلاميون/حداثيون"، على حساب الترافع من أجل التأويل الديمقراطي للدستور.ولم يكن ذلك الخطيئة الوحيدة للمعارضة، إذ سجل المراقبون عليها، ما وصفه عزيز إدامين، بـ"الاشتغال بآليات دستور 1996"، إذ لم تستثمر المكانة الجديدة التي تحظى بها في الدستور، وعدد من الآليات الجديدة من قبيل تخفيض شروط تشكيل لجان تقصي الحقائق، مقارنة بمرحلة ما قبل دستور 2011.إن الأغلبية (الحكومة) والمعارضة، تواطأتا إلى حد كبير، وأحيانا بدون وعي، في إقبار المساحات البرلمانية التي جاء بها دستور 2011، كما تقاعست في حسن تدبير الزمن التشريعي والتنزيل الأمثل لصك الحقوق في الدستور، ما يؤكد، أن القراءة التي قالت إبان الاطلاع على مقترحات الأحزاب بشأن تعديلات الدستور، أن الأفق الذي رسمه الملك في خطاب 9 مارس أكبر من طموحات الأحزاب ومقدرات نخبها، مازالت قائمة وصحيحة، وصار المغرب يعيش زمن "الدستور الجيد للنخب السيئة".امحمد خيي هدر الزمن التشريعي لقد أدى هدر الزمن التشريعي في صراعات الأغلبية والمعارضة على حساب التنزيل الديمقراطي للدستور، إلى المرور إلى منهجية "الفاست الفود" أو الأكلات السريعة، من قبل رئاسة الحكومة، إذ بسبب ضغط العامل الزمني الذي سببه التأخر والتردد وفاقمه الفصل 86 من الدستور بتنصيصه على أن "تعرض مشاريع القوانين التنظيمية المنصوص عليها في الدستور، وجوبا، قصد المصادقة عليها من قبل البرلمان، في أجل لا يتعدى مدة الولاية التشريعية الأولى التي تلي صدور الأمر بتنفيذ هذا الدستور"، صار تنزيل الدستور الجديد رهين مسار تقني وإجرائي أدى إلى خرق أحكام الدستور نفسه المتعلقة بالمقاربة التشاركية، المنصوص عليها في الفصل 12 وتمنح، سيما للمجتمع المدني المساهمة في إعداد القرارات والمشاريع.وتلك الخلاصة، تنبأت بها ملاحظات لخبراء القانون الدستوري، منذ 2012، ومنها دراسة حول الفصل 86 من الدستور، أعدها محمد كمال بلحاج، الباحث في القانون، منذ بداية الولاية الحكومية الحالية (مارس 2012)، وفيها توقع أن تعمل الحكومة والبرلمان الحاليان على "إصدار القوانين التنظيمية بالاعتماد والتركيز فقط على الزاوية التقنية والإجرائية"، في حين يفترض فيه، بالنظر لأهمية الورش التشريعي، وفي إطار العمل بأحكام الديمقراطية المواطنة والمقاربة التشاركية التي أوصى الدستور الجديد بتفعيلها، أن "تفتح نقاشات عمومية حول مواضيع ومجالات القوانين التنظيمية مع مختلف الجهات المعنية بكل قانون تنظيمي على حدة، ودون إغفال مقترحات ومبادرات المجتمع المدني".ا. خ

دستور جيد وقوانين سيئة

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الصباح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الملك يدشن أكبر قنطرة معلقة في إفريقيا

مختصرات

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات