لا يعذر أحد بجهله القانون

دهاء متقاضين هم متقاضون ليسوا مثل الآخرين، استطاعوا أن يبصموا جلسات محاكماتهم بنكهة خاصة اختلط فيها المكر والذكاء، لأجل الدفاع عن حقوقهم بشتى الوسائل، كما تمكنوا من شد الانتباه إليهم، رغم أنهم لم يسبق لهم أن ولجوا المدرسة أو تعلموا أبجديات القراءة أو الكتابة، إلا أن ذكاءهم الفطري تفوق في حالات عدة ، وظلت قاعات المحاكم وذاكرة قضاة ومحامين وباقي ممتهني العدالة شاهدة عليها. في هذه الحلقات نسرد بعضا من تلك النماذج. "لا يعذر أحد بجهله القانون" كثيرا ما يتم الاستشهاد بها في قضايا معينة، إذ يتطلب من الشخص أن يكون على إلمام ولو بسيط بأبجديات القانون، حتى لا يرتكب جرائم أو مخالفات أو أي يضيع حقه بسبب ذلك الجهل. هذا ليس تفسير قاض أو محام أو دكتور قانون وإنما هو جواب لبدوية في الستين من عمرها، عندما سألها ممثل النيابة العامة حول المنسوب إليها بشأن شكاية لشقيقها يتهمها فيها بالنصب وخيانة الأمانة، مدعيا أنها سطت على حقه في الإرث الذي تركه والدهما، على اعتبار أنه لا يعيش معها في البادية وقد ترك لها حق التصرف فيه إلا أنه اكتشف أنها استولت على جزء منه، مدعية أن والدهما أوصى لها بثلث التركة على شكل هبة.وقف ممثل الحق العام كثيرا عند عبارة "لا يعذر أحد بجهله القانون" وسألها ما علاقة ذلك، بموضوع الشكاية والتهمة الموجهة لها، فأجابته بوثوق أن الفصل الأول من القانون الجنائي ينص ألا أحد يعذر بجهله القانون، وهي قاعدة عامة، على جميع المواطنين أن يعوها جيدا في معاملاتهم، مشيرة إلى أن الشكاية لا تستند على أي دليل مادي في اتهامها بالنصب وخيانة الأمانة وأنها تحتفظ في حقها في مقاضاته بعد حفظها . استغرب القاضي كثيرا من الجرأة التي تحدثت بها امرأة من البادية، والتي يبدو أنها لم تلج المؤسسة التعليمية من قبل، فكيف لها أن تكون على إلمام تام بتلك المعرفة القانونية، وفي محاولة لاستفزازها سألها القاضي عن سندها القانوني في عدم جدية الشكاية الموجهة ضدها، فأخبرته أن والدها المتوفى منذ خمس سنوات سبق أن وهب لها ثلث تركته نظير رعايته وجزاء لها على بقائها بجانبه، وأنها عمدت إلى تسجيل تلك الهبة في المحافظة العقارية منذ أزيد من سبع سنوات أي قبل وفاة الوالد أزيد بسنتين، مما يفند حسبها إمكانية القول إنها استغلت مرضه لترغمه على منحها ثلث التركة كما ينص على ذلك القانون، كما أنها سبق لها أن أشعرت شقيقها بالموضوع، بمجرد أن رغب والدها في منحها تلك الهبة وهو ما لم يعارضه ساعتها. ومدت المحكمة بنسخ مصادق عليها من عقد الهبة ومن شهادة وفاة الوالد وبلائحة الشهود الذين حضروا الواقعة. المعلومات القانونية التي تتوفر عليها تلك المرأة دفعت فضول القاضي إلى محاولة معرفة كيف حصلت عليها، فسألها هل استشارت في الواقعة أي محام من قبل، فكان ردها بالنفي، مشيرة إلى أن الأبجديات القانونية التي تعرفها ورثتها عن والدها الذي كان كثيرا ما يلقنها لها لكي لا يضيع حقها بين الناس، وأنه كان دائما يقول لها إن المعرفة ليست بالقراءة والكتابة ولكن باستخلاص العبر من تجارب الآخرين، كمال أنه كان يفوض لها تمثيله في بعض النزاعات التي تقع مع بعض جيرانهم بالدوار، وأن كثرة حضورها للمحكمة استطاعت من خلاله أن تحصل على تلك الخبرة في شأن عدد من القضايا، كما أنها كان تحفظ في بعض الحالات مرافعات المحامين عن ظهر قلب وتحفظ معها حتى الفصول.كريمة مصلي

لا يعذر أحد بجهله القانون

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

حازب… الأصالة والمعاصرة

خواطر ليريس

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات