أبي ما زال حيا

دهاء متقاضين هم متقاضون ليسوا مثل الآخرين، استطاعوا أن يبصموا جلسات محاكاتهم بنكهة خاصة اختلط فيها المكر والذكاء، لأجل الدفاع عن حقوقهم بشتى الوسائل، كما تمكنوا من شد الانتباه إليهم، رغم أنهم لم يسبق لهم أن ولجوا المدرسة أو تعلموا أبجديات القراءة أو الكتابة، إلا أن ذكائهم الفطري تفوق في حالات عدة ، وظلت قاعات المحاكم وذاكرة قضاة ومحامين وباقي ممتهني العدالة شاهدة عليها. في هذه الحلقات نسرد بعض لتلك النماذج. "أبي مازال على قيد الحياة"، عبارة استوقفت القاضي الذي ينظر في نزاع عقاري بين شقيقين، المدعي يؤكد أن والده توفي وأن شقيقه استولى على نصيبه من الإرث، أما الثاني فيؤكد أن والده ما زال على قيد الحياة، استغرب القاضي من رد المشتكى به، وإصراره على القول إن والده مازال على قيد الحياة، إنه لم يستول على نصيب أخيه من إرث لا يمكن أن يكون إلا بعد وفاة الوالد.ساورت شكوك القاضي على اعتبار أن سن المشتكي والمشتكى به كبير جدا ما يؤكد أن والدهما توفي، وعلى خلاف ذلك لما يصر المشتكي على وفاة والده، والمشتكى به يصر على أن والده ما زال حيا، وما زاد الملف غموضا تصريحه أمام المحكمة أنه التقاه صباح اليوم نفسه، وإن كان ما جاء على لسانه صحيحا فإن المشتكي والقضية يمكن أن تأخذ منحى آخر غير النزاع المدني، فالرجل على هيأة من الوقار تبعد عنه أي شك، والشيء نفسه بالنسبة للمشتكي، ما يعني أن هناك حلقة مفقودة في الموضوع، ويجب البحث عنها، توقف القاضي برهة وشرع في تفحص أوراق الملف التي أمامه والتي تخص العقار موضوع النزاع، فاستأثر انتباهه انعدام وجود رسم إراثة ما يزكي طرح أن الوالد مازال على قيد الحياة ولو ورقيا، وبعد البحث والتقصي تبين أن العقار موضوع النزاع محفظ وما زال في اسم الوالد المتوفى، ولم يتم بعد إحداث رسم الإراثة، أي كما يقال يجب "أن يقتل في الأوراق" قبل الحديث عن الإرث، أعجب القاضي كثيرا بذكاء المشتكى به الذي فطن إلى الإجراءات التي كان يتوجب إعمالها قبل المطالبة بالإرث، والتي كان على المشتكي إعمالها قبل أن يتهمه بالاستحواذ على نصيبه من الإرث، الإعجاب نفسه لقي ممن كانوا يتابعون الملف إذ أسر أحدهم أن مثل هذه الجزئيات وإن كانت بسيطة إلا أنها تكون حاسمة في ملفات عدة، لأن العلم بأبجديات القانون ليس في متناول الجميع خاصة أمثال المشتكى به الذي لم تطأ قدماه المدرسة، وفي المقابل كانت مدرسة الحياة والممارسة اليومية كفيلة بتعليمه الشيء الكثير، وجاء الحكم منصفا للمشتكى به إذ أزال عليه تهمة الاستيلاء على نصيب أخيه من الإرث، وظلت تلك الجملة أبي ما زال على قيد الحياة ترن في أذن القاضي الذي اكتشف أن معرفة الأبجديات القانونية مهمة بالنسبة لكل شخص وأن حالة المشتكى به أبانت له بالواضح أنه بالفعل "لا يعذر أحد بجهله القانون".كريمة مصلي

أبي ما زال حيا

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

أزمة اللجنة الأولمبية تصل البرلمان

المؤبد لحلاق بمراكش متهم بالقتل العمد

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات