الهند ضيفة شرف بـ 8 عروض تعرف بذخائرها النفيسة نساء رائدات بصمن أسماءهن بمداد ذهبي في سجل التاريخ، يستضيفهن مهرجان فاس المحتفي في دورته 22 ب"النساء المشيدات" تيمة مستمدة من حياتهن وأعمالهن، في إبحار فني بمشارب وإبداعات متعددة، استهل بحلم رصع سماء باب المكينة بنجوم أضاءته كاشفة لوحة فنية ببصمة خاصة، في انطلاقة ماراثون فني يقود جمهور الدورة، إلى فضاءات لاكتشاف عوالم فنية غالبيتها في أول حضور لفاس ومهرجانها المثبت خطوات استمراريته. إعداد: حميد الأبيض (فاس) - تصوير: أحمد العلوي المراني فسح المهرجان لجمهوره فرصة اكتشاف والاستمتاع بثراء فن الهند ضيفة شرف الدورة 22، المحتفية بهذا البلد الغني بتاريخه العريق وثقافته الواسعة، في التفاتة تعهدت إدارته بترسيخها في دورات لاحقة تأسيسا لتقليد كاشف ثقافات العالم بمنظار يسلط الضوء عليها تعريفا بها وبذخائرها النفيسة. 8 عروض برمجت "احتفاء بالهند" بباب المكينة ودار عديل وقاعة عمالة فاس والمركب الثقافي سيدي محمد بن يوسف، في سفر موسيقي هائم في ألوان تراثية وإيقاعات كلاسيكية من الزمن البعيد لما كان الموسيقيون المرموقون بالهند يستعرضون فنهم تحت قباب سلالات الراجبوت وقصور النباب المغول. عروض متوهجة يبدعها الفنانون والجليسات بكل فخر وسرور، في جلسات احتفالية عمومية خلال أعياد الداربار، لما يتجمع الأهالي بقصور الهند القديمة، للاستمتاع بتلك المعزوفات والحركات والمعارف والخبرات، ولوحات حولت باب المكينة، ليلة السبت، إلى مجلس مخلد لمجد أمراء في مملكة الموسيقى. نحو 15 عازفا منفردا وناقرا على الآلات الإيقاعية الكلاسيكية، قدموا من كل جهات الهند، إلى فاس، إذ تقاسموا الخشبة مع مغنين متوثبين من راجستان وراقصي الكاتهاك أو النجوم اللامعة، المسكونين بالجرأة، وقائدي أوركسترا الحريم، لإبداع مناظرة موسيقية جذابة في أول عرض على الصعيد العالمي.افتتاح هذا الداربار الفريد من نوعه، بصمته المغنية الشابة راغيشري داس، ابنة غارانا من إقليم بيناريس الهندي، المدهشة بجمالها وأريحيتها وصاحبة صوت يوقظ في جمهورها مشاعر الراغا، باعتبارها "نبعا موسيقيا دفاقا" وواحدة من سلالة مغنيات البيغوم المتحررات اللائي سحرن بلاطات الأمراء بجاذبيتهن. هذه الفنانة شبيهة سيديشفار ديفي وروسولان باي، التي تحيي حفلا آخر بدار عديل، جعلت قلوب حضور الفضاء تعتصر بارتجالاتها الرائعة ولمساتها المتتالية على آلة وترية، في عرض باهر بمشاركة شاشان سوبر أمانيام وراكيش شاوراسيا عازفا ناي البنسوري، مجسدين التقاليد الهندوستانية والكارناتيكية المعقدة. دور هذا الثلاثي اكتمل في الحفل بمجابهة إرشاد خان العازف على السوربهار بأسلوب قوي، وسوميك داطا رائد العزف على الصارود، وعلاء راخا كالافان المرتبط اسمه بالسارانغي، بمصاحبة صابر خان الخليفة 33 على مدرسة "فارخاباد غاران" البارزة في تلقين فن النقر على الطبلة، وابنيه عارف وعاصف.حفل مميز تخللته رقصات كلاسيكية من فن الكاتهاك بما تحويه من حركات إيقاعية ماهرة، تؤديها أربع راقصات اخترن لاستبطان روح موسيقية تعود إلى نشأة العالم، في تناغم مع ممثلي موسيقى الفولك النبلاء بأصواتهم المتسمة بالخشونة، في درر موسيقية كشف بريقها أنور خان مانغانيار وغازي بارنا.هذا الحفل سبق حضور أساتذة شباب بارعين في عزف الموسيقى الهندوستانية والكارناتية، وافدين من كالتوكا وشيناي ومومباي وجيبور وجودهبور، إلى المغرب لأول مرة، مقدمين "راغا مسائية" أزاحت أبواب المقامات الساحرة وانغمست في أجواء التأمل والانتشاء التي تسود صالونات الموسيقى الهندية. ويكتشف جمهور المهرجان في حفل بقاعة العمالة، شاشانك سوبير أمانيام وراكيش شاورسيا، ابنا سلالة ما هالينغام أو بانديت هاربيراساد، ثنائيا عازفا على انفراد في التقاليد الهندية العالمية، في عرض يعد بالكثير من التحديات، الكاشفة لدواخلهما المفعمة بالمقومات الموسيقية ذات طعم كوني.ويكشف إرشاد خان جواب أفاق، الحائز عدة جوائز عالمية، عن مهارة قوية تجذب الأسماع وتجمع بين المهارة التقنية التي لا تشوبها شائبة والإقدام على المكابدة، في معزوفات تداعب سرعة الضوء قبل أن "تتحول إلى عسل لا مثيل لحلاوته" على مسامع الجمهور المدعو لحضور حفله بقاعة العمالة.ويشكل "ملك الأشباح" ملحمة جماعية وتحفة تجريبية جذابة تتيح الغوص في لجة المعزوفات والصور، في إبداع مغربي هندي ألفه سوميك داطا ويوهانس بيراور وكورماك بيران، بمشاركة داطا في عزف منفرد وكورماك بيرن وبمشاركة الجوق الكلاسيكي المغربي بقيادة عزيز الأشهب. وسيكون لجمهور المركب الثقافي سيدي محمد بن يوسف، لقاء فريد مع الشاعرة بارفاتهي باول التي تطوف في فضاء الخشبة بذراعها الممتدة باتجاه السماء، مأخوذة بدوران ريح الفكر الطليق، تلقي بحضورها وهي تنشد شعرا صوفيا غامضا، كأنها ساحرة منبثقة من عالم آخر. ويشاركها في هذا الحفل، الفنان الشاب المهدي الناسولي البارع في الفن الكناوي، في انصهار للباولس أو المنتشون بالشوق الإلهي الراقصون بين السماء والأرض بين الانتشاء الشعري والواقع الشهواني، بشكل لا يختلفون فيه مع كناوة وأجوائهم التي تنغرس جذورها في رقصات الحال بإفريقيا الوسطى.ويستضيف المهرجان لأول مرة، "أطفال اليوم موسيقيو الغد"، في عرض أعد خصيصا للمهرجان من قبل المخرجة أوريلي شولور يصور حياة أطفال موسيقيين يعيشون في قلب صحراء راجستان الهندية ومجموعة تلاميذ من فاس، إذ يكتشف الفاسيون لأول مرة الحياة اليومية لهؤلاء الشباب "اللانغاس". الأمطار تبعثر الأوراق بعثرت التساقطات المطرية الغزيرة التي شهدتها فاس، أوراق إدارة المهرجان التي اضطرت إلى إلغاء حفلي الأحد والاثنين، بباب المكينة، إلى حين تحسن الأحوال الجوية، ما أحرجها مع زبناء الدورة الذين حجزوا تذاكر الدخول الغالية، في انتظار التفكير في إعادة برمجتهما بالفضاء نفسه أو غيره. وبدت الساحة ليلة الأحد فارغة بحركة ضعيفة بمحيطها، بعدما أجهضت الأمطار حلم حاجزي تذاكر الدخول لحضور حفل الفنانتين المغربية زهرة هندي والمالية أومو سانغاري، امرأتين قويتين تنقلان ثقافة الأسلاف بكل لطف، اعتمادا على ذاكرة الماضي الحجر الأساس لإبداعاتهما الزاخرة. وإن لم يبرمج الحفل مجددا باتفاق مع الفنانتين، فتكون إدارة المهرجان مطالبة بإرجاع ثمن التذاكر المقدر ب600 درهم، للفرد الواحد، ما سيكبدها خسارة فادحة، تقدر بملايين السنتيمات خاصة أمام ارتفاع نسبة الإقبال مع مثل هذه السهرات، إن عن طريق البيع الإلكتروني، أو المباشر بمراكز معينة.وتسببت الأمطار في إلغاء حفل مماثل كان مرتقبا تنظيمه بفضاء باب بوجلود، من إحياء مراد البوريقي ولمياء الزايدي، بعدما افتتح فنان الملحون محمد السوسي تلك السهرات المدرجة ضمن مهرجان "داخل المدينة"، كما الليلة الصوفية، التي كان منتظرا أن تحييها الطريقة الحراقية من آسفي.وعرقلت الأمطار السير العادي للمهرجان، سيما بالفضاءات المفتوحة على الهواء الطلق بباب المكينة، إلا أن ضعفها لم يلغ حفل الافتتاح الذي استعان الجمهور فيه بمظلات لدرء التساقطات التي لم تحل دون تجاوبه مع اللوحة الفنية، التي أبدعها فنانون من عدة بلدان عالمية، بينها المغرب.