العقوبات البديلة لا تحتاج للتنصيص القانوني

الراجي أكد أن هناك تضخما للسلطة التقديرية للنيابة العامة وقضاء التحقيق في اللجوء للاعتقال الاحتياطي أجرى الحوار: مصطفى لطفي دعا الحسين الراجي، رئيس نقابة المحامين بالمغرب إلى التسريع بتفعيل العقوبات البديلة لتفادي الاكتظاظ بالسجون نتيجة التطبيق الصارم للاعتقال الاحتياطي من قبل النيابة العامة وقضاة التحقيق، سيما أنه لم يعد حلا لردع الجريمة، ما دام أن العديد من المتهمين، يجدون فيه ملجأ للهروب من أوضاع أسرية أو اجتماعية أو اقتصادية، تبدو معها ظروف الاعتقال بالنسبة إليهم أهون وأرحم. هل يمكن الحديث عن فشل الاعتقال الاحتياطي رغم أنه رمز للعدالة؟< الحديث عن الاكتظاظ بالسجون، عاد إلى الواجهة أخيرا، بعدما تأكدت محدودية كل المبادرات الرامية إلى ترشيد الاعتقال الاحتياطي. وتشكل المذكرات والمنشورات الصادرة عن وزارة العدل والحريات وتصريحات الوزير نفسه، وكذلك المعطيات التي تقدم بها مدير الشؤون الجنائية والعفو إقرارا رسميا بتضخم السلطة التقديرية للنيابة العامة وقضاء التحقيق في اللجوء للاعتقال الاحتياطي، دون أدنى عناء لتبريره، كما يعتبر فشلا واضحا للسياسة الجنائية المعلنة والتي لم تعد تستوعبها النصوص القانونية الحالية ذات الصلة بالموضوع.وهنا أطرح سؤالا، هل يحتاج ترشيد الاعتقال الاحتياطي لكل هذا الجهد و لتخصيص «ميزانيات للتفكير»؟، والحال أن نسبة الجريمة وحدتها في ارتفاع مستمرين وبشكل غير مسبوق، ما جعل الاعتقال الاحتياطي يتربع على عرش كل الحلول الممكنة لحماية المجتمع من مخاطر الجريمة. هناك انتقادات عديدة للاعتقال الاحتياطي، منها أنه ضرب للحرية ما رأيك؟ فعلا، فالأرقام المهولة والمتصاعدة للاعتقال الاحتياطي، تجعل الكل يطرح تساؤلات حول مفهوم الحرية في حد ذاته، والتي لم تعد تشكل هاجسا لفئات عريضة من المجتمع المغربي من منطلق ثقافة بدأ يكرسها اللجوء المتزايد للاعتقال مفادها أنه مرادف للعدالة، سواء لدرء الشبهات عن الجهات التي تأمر به، أو من باب ممارسة مهنية متسمة بضعف التخليق وسط فضاء العدالة. والمحصلة الخطيرة لكل ذلك أن الاعتقال لم يعد يحتفظ بأسباب تشريعه، مادامت نسبة أخرى من المخالفين للقانون يجدون فيه ملجأ للهروب من أوضاع أسرية أو اجتماعية أو اقتصادية، تبدو معها ظروف الاعتقال بالنسبة لهم أهون و وأرحم. هل تتفق مع من يؤكد أن الاعتقال الاحتياطي فقد وظيفته في المجتمع وهي الزجر والحد من الجريمة؟ أود أن أشير إلى نقطة في غاية الأهمية، أنه حينما تدير النصوص القانونية ظهرها لواقع شرعت أصلا للتأثير فيه ولتحسينه، فإن السياسات الجنائية تصبح مجرد خطابات سياسية مجردة من أية فعالية أو مصداقية، والوثيقة الأخيرة الصادرة عن وزارة العدل و الحريات خير شاهد على الارتباك الحاصل في موضوع الاعتقال الاحتياطي، فبعدما أعلن الدستور المغربي عن مجموعة من المبادئ المؤطرة للعدالة وفقا لمعايير متعارف عليها دوليا في مقدمتها قرينة البراءة، و بعدما انتهى مسلسل الحوار الوطني لإصلاح منظومة العدالة مخلفا مجموعة من الإجراءات لم تعرف طريقها للتطبيق الجيد لحد الآن، وبعدما أقبرت توصيات هيأة الإنصاف والمصالحة بشكل أو بآخر، بعد ذلك كله، هاهي مبادرة جديدة لوزارة العدل والحريات، تقترح خريطة طريق مشكلة من 12 مقترحا لاحتواء معضلة الاعتقال الاحتياطي، وهي مقترحات لم أجد لمعظمها أي أثر في ميثاق إصلاح منظومة العدالة ولا في روح الدستور. فبدلا من إصلاح السياسة العقابية، فضل القائمون على شأن العدالة بالمغرب اللجوء لتقنية المنشورات والمذكرات كما لو أننا نعيش حالة استثناء تنعدم فيها أي مؤسسة للتشريع. في نظرك ما هو الحل لتجاوز هذا الإشكال؟ من هذا المنطلق، أصبح لازما الإسراع بتنزيل المبادئ الدستورية، وإصدار القوانين التنظيمية، وإخراج مسطرة جنائية و قانون جنائي جديدين للوجود من أجل ترشيد الاعتقال الاحتياطي، وفسح المجال للعقوبات البديلة من أجل التخفيف من حالات الاكتظاظ التي تسيء لسمعة العدالة و للمؤسسات السجنية، وتجعل المغرب يقبع في مؤخرة تصنيفات تقارير المنظمات الدولية في هذا المجال. عقوبات بديلة معظم التشريعات في العالم تتجه نحو إقرار عقوبات بديلة للعقوبات السالبة للحرية، تحقيقا للردع و تفاديا لسلبيات العقوبات السجنية ونتائجها، بما فيها الاكتظاظ وارتفاع نسبة العود و توفير تكاليف إيواء وإطعام النزلاء التي تستنزف ميزانيات يمكن تحويلها لقطاعات في أمس الحاجة لها كالتعليم والصحة. وهكذا التجأت التشريعات لعقوبات لم تعد في قاموسنا القانوني رغم نجاعتها كالعمل لفائدة المنفعة العامة والغرامات المرتفعة المضمونة التنفيذ أو تعليق العقوبة مع الوضع تحت اللاختبار، وهي حلول انخرطت فيها حتى بعض دول المنطقة كتونس منذ السنة القضائية 2002 ـ 2003.صحيح أن الأجوبة الأخيرة لوزير العدل والحريات سواء للنواب أو الإعلاميين، تتجه في سياق الانفتاح على العقوبات البديلة أعلاه، ولكن الأكيد كذلك أن الأمر لا يتطلب فقط مجرد التنصيص القانوني على هذه العقوبات، وإنما يتجاوزه بكثير ويستوجب خلق مناخ وثقافة يجعلان من تلك العقوبات البديلة نفسها تبلغ مقاصدها وإلا أصبحت هي الأخرى، شأنها شأن الاعتقال الاحتياطي، عاجزة عن حماية المجتمع من آفات الجريمة، وهو ما يضع الإرادة السياسية في مجال العدالة موضع تساؤل.

العقوبات البديلة لا تحتاج للتنصيص القانوني

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

النقض تلغي انتخاب رئيس جماعة الشلالات

الأخطبوط يفجر القلاقل بالصحراء

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات