ما هي أسباب التحول من الانحراف إلى الإرهاب باسم الدين؟ لا يولد الإنسان "منحرفا"، بل يولد "صفحة بيضاء" و مهيأ للخضوع لتنشئة اجتماعية معينة، لذا فالتربية تلعب دورا حاسما في تشكيل شخصية الإنسان و ملكاته الافتراضية تتحين الفرصة للاستيقاظ كلما سنحت لها الظروف بذلك. فالتربية تمده بالوسائل الناجعة للسقوط في براثن الانحراف أو الصعود به إلى برج المواطن الصالح وتنقذه من وحشية الانحراف وظلامية الجهل وتهبه التوجيه السعيد المأمول. إن استقالة الأسرة من واجبها باعتبارها مؤسسة أولى للتربية في مجتمعنا، جعل ناشئتنا عرضة لأشكال عدة من الانحراف، لعل أبرزها التعاطي للمخدرات. فلم يكن يخطر على البال انتهاك حرمة مؤسساتنا التعليمية وجعلها هدفا لتجار المخدرات لا يثنيهم عن هذا أي وازع أخلاقي أو ديني بالمعنى الحقيقي للدين. قد يتحول هذا الانحراف الذي مس ناشئتنا إلى انحراف أكثر تطرفا و أقوى تشددا إن لم تتضافر الجهود لعلاجه أو على الأقل للحد من انتشاره لدى شبيبتنا. كيف تكون نفسية الذين يعانون هذا التحول؟ في ظل هذا الوضع المختل، يعيش شبابنا حالة أمية وترقب فينعكس هذا على نفسيته التي تتفاعل سلبا مع هذا الوضع. ففي غياب مشاريع تنموية اقتصادية اجتماعية من شأنها محاربة الهشاشة، رغم المجهودات التي تحققت بفضل المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، يلجأ شباب المدينة والبادية على السواء إلى الانطواء على ذواتهم فترة من الزمن وتنتابهم أفكار غريبة مثل فقدان الأمل في حياة كريمة وشيوع النزعات العدوانية والكراهية التي تغذيها ثقافة الأخذ بالثأر والانتقام. كما أن هذه الفئة التي تجتاز هذا التحول الصعب تتحين الفرصة الملائمة لتصريف وصب جل غضبها على من تعتقد سببا في تأزيم وضعيتها. هل الفراغ النفسي و الاجتماعي له علاقة بالموضوع؟ لا أعتقد أن نفسية المنحرف و الإرهابي فارغة، بل مملوءة بأفكار تحث على التدمير والقتل بشكل شعوري أو لا شعوري. فغريزة الموت تطغى على غريزة الحياة إن جاز لنا أن نستعير من حقل التحليل النفسي هذين المفهومين. فنفسية الشاب الذي قطع أشواطا في الانحراف وتوجه للقيام بعمليات إرهابية هنا وهناك لم تكن فارغة، بل أكاد أجزم أن هذه النفسية تخشى الفراغ فهي ميالة إلى السقوط أكثر ما هي ميالة إلى التسامي والإعلاء، فإن لم يكن اليوم فغدا. طبعا ففي وسط اجتماعي موبوء فلا نعثر بداخله إلا على عناصر من المجتمع تزرع الرعب و الهلع و تتلذذ به معتقدة عن جهل أن سلوكها ينسجم مع الدين القيم، في حين أنها غارقة في بحر الجهل المقدس.أجرت الحوار: إيمان رضيف (*) باحث في علم الاجتماع حاصل على دبلوم الدراسات العليا في علم الاجتماع ودكتوراه في الفلسفة.