المعاقون…محكورون للأبد

فضاءات الشارع والإدارات والوظائف تعري زيف القوانين والخطابات الرسمية على طول أرصفة شوارع وأزقة العاصمة الاقتصادية، تنتصب لوحات إشهارية طول ابتعادها عن الأرض لا يتعدى مترا ونصف متر، تشكل عائقا آخر من العوائق التي تمنع المرور ليس على المبصرين، بل المكفوفين الذين لا ترصد عكاكيزهم البيضاء، ما فوقهم، فيجدون رؤوسهم ترتطم بتلك الحواجز.معاناة هذه الفئة من المعاقين تشتد في المدارات وزحمة المرور، وبدون شخص آخر أو فاعل خير، قد ينتظر الكفيف ساعات دون أن تتوقف السيارات ولا الدراجات رغم تلويحه بالعصا البيضاء. إنها بكل بساطة "حكرة" من بين الكثير مما تتعرض له هذه الفئة.ليس المكفوفون وحدهم، بل باقي أصناف المعاقين تجد صعوبات في ولوج مختلف المرافق العمومية، وتضطر إلى مجاراة الأصحاء لصعود السلالم، أو الاستعانة بمن يحمل عربة عليها معاق ليصل إلى المكتب الذي يطلب خدماته. ناهيك عما تلاقيه هذه الفئات من صعوبة الإدماج في الوظائف بسبب الشروط التي تقصيهم، وأيضا بسبب انعدام المناصب التي يمكنها أن تستفيد من إمكاناتهم.ورغم أن القانون حسم في الشق المتعلق بالولوجيات، لفائدة المعاقين، إلا أنه واقعيا مازالت "الحكرة" متجلية في ضرب تلك القوانين عرض الحائط وعدم الاكتراث بها.فقد نص القانون رقم 03/10 الصادر بتنفيذه الظهير المؤرخ في 12 ماي. والخاص بالولوجيات، على مجموعة من القواعد الآمرة، التي ينبغي مراعاتها، سواء بالنسبة إلى التعمير، أو إلى باقي الميادين الأخرى.وجاء في المادة الأولى من الباب الأول أن البنايات والطرقات والفضاءات الخارجية ووسائل النقل المختلفة تعتبر سهلة الولوج، إذا أمكن للشخص المعاق دخولها والخروج منها والتحرك داخلها واستعمال مختلف مرافقها والاستفادة من جميع الخدمات المحدثة من أجلها وفق الشروط الوظيفية العادية ودون تعارض مع طبيعة الإعاقة. وأضافت المادة نفسها وسائل الاتصال تعتبر سهلة الولوج إذا أمكن للشخص المعاق حسيا الاستفادة من خدمات الإعلام والتواصل والتوثيق. وذهبت المادة 2 من القانون نفسه إلى أن البنايات المفتوحة يقصد بها المباني الإدارية والتجارية والصناعية والتعليمية والصحية، والتكوينية والتشغيلية والدينية والرياضية والثقافية والسياحية والترفيهية ومراكز التخييم، وهياكل الاستقبال وكذا المباني الخاصة بالنقل والمواصلات على اختلافها (البرية والبحرية والجوية). كما تطرقت المادة الثالثة إلى الولوج إلى وسائل النقل العمومي، من حافلات النقل الحضري والحافلات الرابطة بين المدن وسيارات الأجرة والقطارات والطائرات والبواخر.المصطفى صفر المستشفيات... معاقل الامتهان قبل ولوج باب المستشفيات "يحكر" الكثير من المغاربة. وبعد تجاوزه "يحكرون" أيضا، وخلال مدة العلاج، هذا إذا تمكنوا من الاستفادة منه، تطولهم أيضا "الحكرة". وباختصار شديد فالمستشفيات معقل "الحكرة" الممارسة على فئات عريضة من المجتمع المغربي، والتي لا تقوى على التخلص منها، مادام أن واقع مستشفياتنا المغربية يفرض ذلك. إنها معاناة يواجها الكثير من المغاربة الذين يضطرون إلى طلب العلاج من القطاع العام، وتحول ظروفهم المالية دون الاستفادة من خدمات المصحات الخاصة، يشدون الرحال إليه، وكلهم يقين، أنهم "غادي يتحكرو دون سبب"، وأن لا مجال للمفر منها. أول "حكرة" يتلقونها تكون على يد رجل أمن الخاص المسمر قرب الباب الرئيسي لابن رشد بالبيضاء، مثلا، فالرجل، الذي "يحاول تنفيذ تعليمات" على حد تأكيده، يمارس كل أنواع "الحكرة" الممكنة على الذين يتوافدون على المكان. بكلمات مستفزة يسأل مريض عن سبب زيارة المكان، وبطريق فظة، يقرأ الورقة التي يضعها المريض بين يديه، ليبرر سبب وجوده في المكان. وبأخرى أكثر استفزازا يحاول منع عائلة مريض من الولوج، لأن التعليمات التي قدمت له تمنع ذلك. الكثير من الأشخاص، أعلنوا تمردهم أمام وجهه "المعبس"، وصرخوا واضعين حد لاستفزازاته وتصرفاته غير المبررة، وهو ما يؤزم الوضع أكثر، فيستمر الرجل على تصرفه، مستخدما أساليب أخرى لاحتقار الذين أمامه، ويمنعهم بالقوة من تجاوز الباب الذي يؤمنه لأنه "حكار". الوضع خارج المستشفيات لا يختلف عن داخلها، فهناك "يحكر"، أيضا المرضى، وينتظرون بالأروقة في انتظار الطبيب الذي قد لا يأتي، ويعودون أدراجهم. "المغربي فين ما مشى محكور، ولكن في المستشفيات تكون "الحكرة" من نوع آخر". هذا ما أكده مواطن ذاق مرارة حصول قريبه على العلاج، مقابل تحمل الإهانة من بعض أفراد الطاقم الطبي، مؤكدا أن المريض "يحكر" لأنه فقير وأخبر على اللجوء إلى المستشفى العمومي عوض المصحة الخاصة، و"يحكر" لأنه لا يقدم لممرض "الرشوة" ، وتزداد "الحكرة" حدة في الوقت الذي ترفض السلطات إنصافه رغم تقديم شكايات في الموضوع. إيمان رضيف ،

المعاقون…محكورون للأبد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الصباح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

أخطاء صاحبت مشروع "طنجة الكبرى"

ثلاثة أسئلة: عنف رمزي

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات