استثمـار فـي الآلام

خرق سافر للقانون لتحقيق مكاسب مالية على حساب صحة المواطنين «أن تعاني مرضا معينا وتحتاج إلى العلاج داخل مصحة خاصة، عليك أن تتوفر على دفتر شيكات وسيولة غير محددة، تجنبا لأي ظرف طارئ»، هذه هي الأبجديات الأولى التي على كل مرتفق لمصحة خاصة أن يعيها جيدا. فالمرض في المغرب والاحتياج إلى المصحات الخاصة للعلاج يتطلبان أن تكون ممن يتوفرون على تغطية صحية مريحة أو على رصيد بنكي مهم، فلا وجود لقسم أبي أبقراط على الواقع، فلغة المال هي السائدة، هكذا تحكي أمينة، تعاني مرضا يستدعي إجراء عملية مستعجلة، عندما ولجت باب المصحة رفقة عائلتها، أول ما طلبت منها المكلفة بالاستقبال، هي أن تمدها بمبلغ العملية المتفق عليه مع الطبيب، على أن يكون المبلغ نقدا لأن تلك المصحة ترفض التعامل بالشيكات. استغربت أمينة وعائلتها في البداية طريقة التعامل وطالبوا التحدث إلى المسؤول لإيجاد حل لأن المبلغ المطلوب لا يمكن حمله، أو توفيره في تلك الساعة، كما أن القانون يفرض أن يتم الاعتناء بالمريضة أولا قبل السؤال عن الأجر. لم يزد حضور المسؤول الأمر إلا تعقيدا، فقد طالب بتوفير المبلغ نقدا، وإلا ضاعت فرصتها في إجراء العملية في ذلك اليوم وعليها انتظار لأيام عدة رغم خطورة حالتها.حكاية أمينة ليست سوى نقطة في بحر التعسف الذي تمارسه بعض المصحات الخاصة لأجل الربح السريع، في ضرب صارخ للقانون والأعراف المهنية المبنية عليها الرسالة الطبية النبيلة والتي دخلت صراع المضاربة في أرواح وأجساد المرضى، لتحقيق مكاسب مالية.ومن بين الحيل التي تعمد إليها بعض المصحات الخاصة أنها لا تضمن المبالغ الحقيقية التي استنزفتها من جيوب المرضى في الفواتير، مستغلة في الكثير من الحالات جهل المريض بحقوقه، بل في حالات معينة ترفض منح المريض الفواتير تحت ذرائع غير قانونية. ولا تقف تلك الحيل عند الفواتير بل تتطور في حالات معينة إلى إيهام عائلة المريض أنه مازال على قيد الحياة، بتثبيت أجهزة على جسده توحي بذلك ووضعه في غرفة الإنعاش لاستمرار استنزاف أموالهم، أو انتظار إلى أن تتم تسوية الوضعية المالية للمريض ليتم إخبارهم بعدها بدقائق أنه فارق الحياة، والملاحظ أن كل تلك التلاعبات لا يستطيع المريض أو عائلته إثباتها، ما يساعد على تكرارها في كل مرة.ورغم أن المشرع حرص على تجريم قبول شيك على سبيل الضمان، أي الشيك المؤجل وغير واجب الأداء على الفور، سواء كان له رصيد أو لم يكن له رصيد، ومعاقبة المصحات التي تفرضه على المرضى، كما نص على ذلك الفصل 544 من القانون الجنائي الذي يقول «من أصدر أو قبل شيكا بشرط ألا يصرف فورا وأن يحتفظ به كضمانة، يعاقب بالعقوبات المقررة في الفقرة الأولى في الفصل 540، على أن لا تقل الغرامة عن قيمة الشيك»، إلا أن الملاحظ أن غالبية المستشفيات خاصة في الحالات الحرجة والمستعجلة ترفض أن تستقبل المريض دون ضمانات الأداء التي غالبا ما تكون عبارة عن شيك، ولا يقف الأمر عند هذا الحد في حالات يكون الشيك ممضيا على بياض في خرق سافر للقانون الذي يفترض في تلك المصحات أن تكون حريصة على تطبيقه.ويربط عدد ممن تعرضوا لمثل تلك المعاملات اللاإنسانية التي تنهجها المصحات الخاصة، بغض الطرف الذي تمارسه الدولة اتجاهها، وعدم تفعيل سياسة المراقبة، خاصة أمام الشكايات التي تتوصل بها المصالح المعنية، فخطورة ما تقترفه تلك المصحات من عدم تقديم المساعدة لشخص في خطر، يبقى بعيدا عن العقاب رغم أن القانون الجنائي في الفصل 431 منه، يعاقب بالحبس من ثلاثة أشهر إلى خمس سنوات وغرامة من مائتين إلى ألف درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط، كل من أمسك عمدا عن تقديم مساعدة لشخص في خطر، رغم أنه كان يستطيع أن يقدم تلك المساعدة إما بتدخله الشخصي وإما بطلب الإغاثة، دون تعريض نفسه أو غيره لأي خطر. الشيء الذي يدفع إلى التساؤل عن مدى «احترام» القائمين على الشأن الصحي كرامة المواطن المغربي، ومدى «احترامهم» للقانون الذي يمنح الحق في العلاج. كريمة مصلي

استثمـار فـي الآلام

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

"الحوتة ما كا تخنزش الشواري ديما"

مصحات بأسعار فنادق خمسة نجوم

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات