الأصالة والمعاصرة يبحث عن زعيم

المؤتمر الوطني الرابع يدفع "الجرار" نحو الحسم في ثنائية من يسود ومن يحكم يدخل حزب الأصالة والمعاصرة محطة المؤتمر الوطني الرابع في ظل ظرفية استثنائية، إذ في الوقت الذي تجنب فيه الغريم، العدالة والتنمية، عقد مؤتمره بين الانتخابات المحلية والاستحقاقات التشريعية المرتقبة نهاية الصيف المقبل، سيخوض رفاق الأمين العام المنتهية ولايته مغامرة تغيير القيادة أسابيع قليلة قبل بدء الاستعدادات للانتخابات التي ستنبثق عنها حكومة 2016، سعيا منهم إلى الحسم في ثنائية من يسود ومن يحكم داخل أكبر الأحزاب المغربية من حيث عدد المقاعد في المجالس الجماعية والجهوية. الـتـوازن الصـعـب سائق جديد لـ"الجرار" في أفق تجاوز مطبات يمين "البام" ويساره ما زال حزب الأصالة والمعاصرة يعاني في رسم ملامحه المذهبية، وذلك رغم مرور سبع سنوات عن ولادة قيصرية من زواج كاثوليكي جمع بين أحزاب وسط اليمين، وشخصيات يسارية، بينها من جرب السجن على عهد الملك الراحل الحسن الثاني.ولم يتمكن حزب "الجرار" الذي حرث أرض الدوائر القروية في الانتخابات، واحتكر الرتب الأولى في 2009 و2011 و2015، من إبراز تفرده الحزبي وسط 32 حزبا، رغم أن المغاربة واعون جدا أنه لا يوجد 32 مشروعا مجتمعيا، قادرا على وضع المغاربة على سكة التقدم المنشود، الذي يعني الاستفادة من تعليم منتج، وتطبيب عصري، وحقوق تسهل عمليا ولوج سوق الشغل بيسر بعيدا عن الزبونية والمحسوبية الحزبية والنقابية، وسكن لائق، والتمتع بالحياة كما سكان الدول المتقدمة، بدلا من ترويج إسهال في الخطاب الذي يخدم مصالح المنتمين لكافة الأحزاب والنقابات، والمنظمات الحقوقية والمدنية، الذين يتسابقون لتحسين وضعهم الاعتباري في المجتمع والرقي بأنفسهم وأسرهم ماليا، ومنح الشعب مسكنات الكلام.وأصعب شيء أن تكون ولادة حزب في ظرفية تتمثل في وعي الفئات المجتمعية أنه لم يقع تحسن كبير على مستوى نمط عيشهم، ليمنحهم الأمل في تحقيق هذا المبتغى، علما أن الفوز بالرتبة الأولى في الانتخابات الجماعية والجهوية والغرف المهنية، في 2009 بعد سنة عن الولادة، أمر مثير للشك، لأن انتخابات القرب تحكمها سنوات من العمل، لكن المساعدة الرمزية لمؤسس الحزب، حسمت التوجه نحو الفوز.وفي خضم التحول السياسي الجاري لإحداث نوع من التوازن مع التيار المحافظ الجديد الذي يطلق عليه الإسلاميون، تم دعم حزب " البام" لتغطية النقص وضعف المردودية وهبوب الشيخوخة على الأحزاب التاريخية، الاستقلال والاتحاد الاشتراكي، ومن ثم تمكن الحزب من استقطاب مناضلين أطر وكفاءات رجالا ونساء، جاؤوا من جمعية الحركة لكل الديمقراطيين، ومن خارجها، لكن في آن واحد تسربت شخصيات انتهازية غنية لا أحد سألها عن مصدرها المالي، فحدث نوع من الصراع الداخلي بين اليساريين الحالمين، وأصحاب التجارة السياسية، وآخرين يؤمنون باستقرار الدولة والدفاع عن الثوابت كما هي تقليدية تمتد على قرون من الزمن، ويؤمن بها المغاربة كما هي كي تستمر وظيفة المؤسسة الملكية، في أن يحكم الملك ويسود، وليس أن يسود بدون حكم، وبطريقة رمزية على الطريقة الغربية.إن محافظة إدارة المخزن على السهر الدائم لتطبيق نظرية التوازن بين الفرقاء السياسيين في ظل حكم وتحكيم المؤسسة الملكية، انطلقت منذ فجر الاستقلال، وتعي جيدا أن هيمنة تيار حزبي واحد، في المغرب هو نهاية للنظام السياسي المغربي برمته، لذلك ساندت التيار الإسلامي، في مواجهة القوى الشيوعية واليسارية، في السبعينات والثمانينات في الجامعات والمعاهد وكل الفضاءات، ودعمت أحزابا ليبرالية أخرى أطلق عليها إدارية، لأنها اعتمدت على أطر من الإدارة لوضع المخططات الاقتصادية والمالية، لإحداث التوازن نفسه في مؤسسة البرلمان.لكن حينما تغيرت الخريطة الدولية والإقليمية، لصالح هيمنة تيار الإسلاميين، كان لا بد من دعم تيار حداثي، لإحداث التوازن نفسه، وجعل البلاد تعيش على إيقاع الصراع السياسي الانتخابي، دون اصطدام بين أبناء الشعب الواحد، إلا في الفضاء القانوني أي البرلمان وصناديق الاقتراع، والتجمعات الخطابية، وفي الشارع أحيانا عبر الأذرع النقابية التي أحيت عظامها بعد إصابتها بأعطاب الشيخوخة. مبادرة شجاعة وصف المؤسسون حزبهم بـ "المبادرة الشجاعة التي تشكـل تحولا مهمـا في المشهد الحزبي، ينم عن وعي كبير بالمسؤولية ويعطي الدليل على أن الدينامية التي تعرفها الحياة السياسية الوطنية، ماضية لا محالة في الاتجاه الصحيح"، فهم محقون في ذلك لأن ولادة هذا الحزب في العصر الحديث زعزعت كيان باقي الأحزاب، التي تحركت في كل الاتجاهات لمحاصرته، إذ تحرك الاشتراكيون لمد اليد لإسلاميي عبد الإله بنكيران، بل جلس إدريس لشكر إلى جانب مصطفى الرميد، وقررا معا إحداث تحالف في مواجهة الوافد الجديد، وكانت طريقا مهدت للشكر الاستوزار في حكومة عباس الفاسي في طبعتها الثالثة، سعيا من الاغلبية السابقة إلى إحداث توازن بين المناضلين، وبين من أطلق عليهم رجال ونساء المجتمع المدني الذين بسطوا أيديهم على الحكومة. وجرب" البام" المشاركة في حكومة عباس الفاسي، في شخص أحمد اخشيشن، وزير التعليم العالي، وهو الشخص الذي يروج أنه سيتربع على منصب الأمين العام في مؤتمر 2016، خلفا لمصطفى الباكوري، في حال عدم تقدم إلياس العماري لهذا المنصب. ضعف التنزيل تبنى "البام" تقرير الخمسينية، وتقرير هيأة الإنصاف والمصالحة، لكنه لم يترجم مضامينهما إلى برنامج ومؤشرات عملية، لأنه لم يمنح قيادته الوقت الكافي، إذ يغير الزعماء مركزيا وجهويا ومحليا، في رمشة عين كي يظهر بمظهر أنه حزب متحرك ديناميكي، يختلف عن الأحزاب التقليدية بالمغرب، مما أثر سلبا على بنيته التنظيمية، إذ انتقل من حسن بن عدي، إلى مصطفى الباكوري، مرورا بمحمد الشيخ بيد الله، كما غادرته العديد من الشخصيات من الهمة إلى خاله نرجس مرورا بأول أمين عام.ورفض حزب الجرار في البداية إنشاء منظمة نسائية وشبابية، لكنه تألقم مع الواقع المغربي وأزال ضبابية التفرد التنظيري، للمشي على طريق الأحزاب العجوزة صاحبة 80 سنة الاستقلال، و70 سنة التقدم والاشتراكية، و60 سنة الحركة الشعبية، وغيرها، ومع ذلك وقعت له حوادث سير سياسية متنوعة، وواجه وابلا من القصف السياسي، من المقربين له حزب الاستقلال، والاتحاد الاشتراكي، وعموم أحزاب الوسط والليبراليين، لأنه يحرث في أرضهم عبر استقطاب المرشحين الأوفر حظا للفوز الانتخابي، ويتمكن بسهولة من ترؤس المؤسسات الدستورية مثل مجالس الجهات والغرف المهنية، ويمكنه أن يغير توجه نقابة عمالية كي تصبح تحت إمرته، وتمنحه حق الترشح كوكيل لائحة، على حساب المؤسسين. فهذا السخاء النقابي والحزبي لـ "البام"، لا يزال يثير علامات استفهام، ويجعل خصومه السياسيين كحزب العدالة والتنمية، والتقدم والاشتراكية، وحزب الاستقلال، يعتبرونه حزبا تحكميا، فيما يرى هو أن الأحزاب الأخرى هي من تتحكم وتسعى إلى الهيمنة لوحدها، وبالأخص حزب بنكيران الأغلبي.وهذا الصراع السياسي المرتكز على توزيع التهم، يذكر المغاربة بالصراع حول المنظمات الحقوقية وجمعيات المجتمع المدني، إذ الكل يسعى إلى أن "يحفظ ذلك باسمه"، فيما يشعر المواطنون، أن الصراع ليس لا إيديولوجيا ولا سياسيا ولا صراع مشاريع مجتمعية، ولكنه صراع الحصول على امتيازات، وهذا أخطر شيء سار يلمسه المواطنون. الطريق إلى الاشتراكية عرج حزب الجرار على "أحزاب" متنوعة المشارب وأنشأ التجمع الثماني، الذي كان توجها أشبه بلعبة الخسارة المسبقة، لأن من قرر ذلك يحتاج إلى أدوات عملية لمعرفة واقع المغرب، إذ لا يكفي أن ينظر المرء، أو يستنسخ تحالفات من دول أخرى، ويسقط واقعها على المغرب لينطلق، لأنه حتما سيتجرع مرارة الهزيمة، رغم أن الحراك الشعبي أثر نوعا في صناعة الخريطة السياسية، في منح حزب العدالة والتنمية، ذي المرجعية المحافظة، الرتبة الأولى في انتخابات 2011.إن حزب الجرار يمكنه أن يصبح حزبا قويا لو غير طريقة اشتغاله التنظيمي، وأزاح المتسللين إليه، الذين ينتهزون الفرص للمحافظة على مصالحهم الشخصية، وأبعد بعض المدعين أنهم" علماء" لديهم نظريات جهنمية، وهي في الحقيقة مستوردة إما من المشرق مصر ولبنان، أو من أوروبا على طريقة جمعيات حقوقية ومدنية، وهي غير صالحة لتربة المغرب، وسيكون أفضل لو فكر بطريقة مغربية في مواجهة مشاكل المغاربة، إذ ذاك يصبح متفردا وسط الأحزاب المغربية من خلال شعار " تمغربيت".وقررحزب الأصالة والمعاصرة، المغامرة من خلال عزمه تنظيم مؤتمره العام في 22 يناير المقبل، قبل شهور على تشريعيات 2016، بوضع ربان جديد، قد يكون أحمد اخشيشن، أو إلياس العماري، والثاني أكثر قوة على تغيير توجه الحزب نحو الإعلان عن مذهبه الاشتراكي، إذاك سيحدث تحولا كبيرا داخله وفي محيطه.أحمد الأرقام

الأصالة والمعاصرة يبحث عن زعيم

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الديمقراطية ضد التوريث

"المقدمون" و"الشيوخ"... "مايد إن موروكو"

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات