أبو حفص: الحرية تزعج

الداعية مرداس قال في ندوة إن جهنم لا تعاني أزمة سكن و"اللي بغاها مرحبا بيه" نظمت جمعية "جذور"، أخيرا، ندوة حول حرية التعبير، ضمن سلسلة ندواتها بعنوان "هاك وارا"، استضافت خلالها لنقاش الموضوع، محمد عبد الوهاب رفيقي، الفاعل الديني، المعروف بأبو حفص، والداعية وخطيب الجمعة عبد الصمد مرداس، إضافة إلى الباحث والكاتب رشيد أيلال، صاحب الكتاب المثير للجدل "صحيح البخاري... نهاية أسطورة"، الذي تعرض للمنع من التداول بحكم محكمة. "الصباح" حضرت الندوة وجاءت لكم بهذه الورقة: إنجاز: نورا الفواري دعا محمد عبد الوهاب رفيقي، الفاعل الديني والفكري، إلى ممارسة الفرد حريته المطلقة داخل المجتمع، شرط أن لا يمس حرية الآخر، وأن لا يكون في هذه الممارسة اعتداء على الآخر أو عنف أو كراهية أو سب أو شتم، مشيرا إلى أنه لا حق لأي جهة، سواء كانت مجتمعا أو دولة، في منع الفرد من التعبير عن قناعاته الشخصية أو الحجر عليه، معتبرا أن منح الحرية وسيلة من وسائل ترقية المجتمع والأفراد، تورث لديهم حس المسؤولية، في حين أن قمعها وكبحها تؤدي، بالعكس، إلى نتائج وخيمة من أبرز مظاهرها، الواقع المتخلف الذي تعيشه بعض البلدان التي ما زالت تقمع فيها الحريات، أو التي لا يزال مفهوم الحرية فيها غامضا، مثلما هو الحال في وضع المغرب. الحرية والثوابت وتساءل رفيقي، في سياق مداخلته بندوة جمعية "جذور"، حول حرية التعبير في الإسلام، قائلا "عن أي إسلام نتكلم؟ وأي قراءة للإسلام فعلا تتطابق مع الحرية؟"، متحدثا عن الثوابت في الإسلام، التي اعتبرها مشكلا حقيقيا، إذ ما المقصود منها؟ ومن يحددها؟ وهل الثابت لديك هو ثابت بالضرورة عندي؟ وهل تدخل الأحاديث في إطار الثابت أم لا؟ وهل ما يقال عنه إجماع هو الثابت؟ وهي الأسئلة التي وجهها إلى عبد الصمد مرداس، الداعية الديني، الذي كان مشاركا في الندوة أيضا، لافتا الانتباه إلى مسألة الاجتهاد ومدى تعايش الإسلام وشيوخه مع المجتهدين الذين يعبّرون عن رأي مخالف. وأكد الشيخ السلفي المعروف بأبو حفص، الذي راجع أفكاره خلال مدة اعتقاله على خلفية الأحداث الإرهابية التي عرفها المغرب قبل سنوات، ليصبح اليوم واحدا من أكثر الشيوخ إثارة للجدل بسبب تصريحاته وآرائه التي دعت بعض المتطرفين والغلاة إلى تكفيره، أن الإشكال اليوم هو مع بعض من تزعجهم أجواء الحرية في المغرب، التي ما زالت في حاجة إلى أن تتسع رقعتها، لأنهم يرون في الاجتهادات والأقوال والتصريحات التي تخالف رؤيتهم، مناوئة للدين. الحرية أهم من الشريعة من جهته، لم يقدم الداعية عبد الصمد مرداس، جوابا شافيا عن سؤال رفيقي حول الثوابت وحدود حرية التعبير في الإسلام، معتبرا سؤاله "فاسدا" وفخا أراد أن ينصبه له، واكتفى بالحديث عن الحرية في الإسلام، في إطار العموميات دون أن يدخل في التفاصيل، لأن الموضوع، حسب قوله، شائك نظرا إلى العديد من الاعتبارات، التي من شأن التوغل فيها أن يؤدي إلى خلافات، خاصة أن كل واحد يفهم الحرية حسب مرجعيته وتفكيره. وقال مرداس، في معرض مداخلته، إنه يؤمن أن الإسلام ليست له خصوصيات. بل هو رسالة كونية وعالمية ووحي من الله إلى البشرية كلها. وأضاف "نحن أمة الرسالة والبلاغ والبيان والفصاحة. الإسلام دين يدعو إلى الحرية. بل الحرية في الإسلام أهم من الحياة نفسها وأهم من الشريعة نفسها. إنسانية الإنسان لا تتحقق إلا بحريته. فإذا نزعتها منه يبقى مجرد شبح. لا يمكن أن يتم تكليف الإنسان وهو ليس حرا. الحرية مسموح بها في آيات القرآن ونصوص الحديث". المتغيرات فيها اجتهاد وإذا كان رفيقي دافع، في معرض حديثه، عن الحرية المطلقة، فإن مرداس وضع لها قيودا وشروطا. إذ قال "لا يجب أن تكون الحرية مطلقة كما يفهمها البعض. لا يوجد شيء مطلق على الإطلاق في هذه الدنيا. الحرية المطلقة هي لله عز وجل. الحريات يجب أن تكون كلها مقيدة. حين تجد في طريقك لافتات تقول لك أن لا تذهب من هذه الطريق لأنها خطرة، هل تكون حدّت من حريتك أم حرصت على سلامتك؟ الإسلام فتح جميع مداخل الحرية وسمح للفرد أن يقول ما يريد ويعبّر كما يريد لكن في ظل وجود مقومات مجتمع ينبغي احترامها للحفاظ على أمنه. هناك ثوابت. أما المتغيرات، ففيها اجتهاد ونظر". واسترسل مرداس في الحديث عن مفهومه للحرية في الإسلام قائلا "الإسلام الذي أومن به ليس هو الإسلام الذي يؤمن به الآخر. الإسلام الذي أومن به ينطلق من فكرة أن لهذا الكون خالقا مسيرا ومدبرا له. لا أومن بما قاله أرسطو إن الله خلق الكون وجعله يسير نفسه بنفسه، كما لا أومن بما جاء في الإنجيل من أن ما لقيصر لقيصر وما لله لله. لا أومن بالوثنية والمفارقة والازدواجية. هذه أرضيتي التي أنطلق منها. الله أنزل إلينا القرآن وجعله منهج حياة. السؤال المطروح هو هل يريد البعض أن نبتعد عن النصوص ونسير هذه الحياة بأنفسنا؟". وللتعبير بشكل أوضح عن فكرته، ضرب مرداس مثالا بالتلفزة أو الثلاجة التي حين تشتريها، تجد معها كاتالوغ فيه تعليمات. وحين تتعرض لعطب نرسلها إلى تقني متخصص في إصلاحها وليس إلى جزار أو ميكانيكي، وهو المثال الذي رفضه رفيقي، معتبرا أنه يتحدث عن جماد لا تفكير له، في حين أن الله خلق الإنسان وكرّمه بالعقل. تنقيح التراث ليس عيبا وحول مدى تسامح الإسلام مع المرتدين والذين يرغبون في تغيير دينهم، اعتبر مرداس أن الإسلام لا يكره أحدا على الدخول إليه. وأن من أراد أن يبدل دينه فهو حر. مضيفا "جهنم ليست فيها أزمة مساكن. وشعارنا هل من مزيد. اللي بغاها مرحبا بيه". أما عن باب الاجتهاد، فاعتبر أنه مفتوح دائما، شريطة أن يكون المجتهد متوفرا على الآليات العلمية التي تخوله ذلك. وقال "اجتهد علماء كثيرون عبر التاريخ دون أن يتكلم أحد. أما أن يأتي أشخاص لا يفرقون بين الأشياء ولا يملكون الكفاءة المطلوبة من أجل تقديم اجتهاداتهم، فذلك غير مرغوب فيه". كما أكد أنه متفق مع ضرورة مناقشة التراث الإسلامي وإزالة بعض منه، لكن ليس كله. وقال في السياق نفسه "تراثنا ليس عيبا أو مشوها كله. توجد فيه بعض الأفكار النشاز. التجديد والتنقيح من أهل الاختصاص والمجتهدين والمفكرين والعلماء ليس عيبا، بل هو مرحب به. لا يجب أن نتمسك بتأويل وفهم قديم لا يناسب عصرنا في حين أن هناك بدائل حديثة. الإسلام ليس ثابتا كله. هناك بعض الثوابت التي لا تتعدى 5 أو 6، يذكرها العلماء، تتعلق بالقيم العقائدية والأخلاقية والمقاصد الشرعية والأدلة القطعية، لتبقى المجالات الأخرى متسعة وباب الاجتهاد فيها مفتوح على مصراعيه". البخاري ليس مقدسا وفي مناقشته لما جاء به الباحث رشيد أيلال، في كتابه "صحيح البخاري... نهاية أسطورة"، والذي كان من المشاركين في الندوة أيضا للحديث عن منع مؤلفه المثير للجدل، قال مرداس متسائلا "انتهت أسطورة البخاري. فما هو البديل إذن؟ هل نزيل الأحاديث ونحن نعلم أن الكثير من الأحكام الشرعية لم يأت فيها بيان إلا في السنة؟"، مؤكدا أن ما من عالم قط قال إن البخاري مقدس أو إنه من الثوابت. وأضاف "البخاري انتقد في زمانه من العلماء. وكتبت كتب وأنجزت رسائل دكتوراه وقيل كلام كثير فيه، لكن من أناس متخصصين يعرفون ما يقولون ويفهمون في الجرح والتعديل وعلوم الحديث". وأضاف "أنا متخصص ولدي دكتوراه في الشريعة الإسلامية ولا أجرؤ على الحديث في مثل هذا الموضوع الذي يحتاج مني إلى أدوات وتقنيات. إنه بحر. أتفق أن التراث الإسلامي خدم السند ولم يخدم المتن. لكن أن نلغي جملة وتفصيلا كل هذا الجهد الإنساني، فأين البديل؟ واعتبر مرداس أن المنع نوع من التضخيم للأمور. وقال "المشكل في الإسلاميين الذين يعطون الأشياء أكبر من حجمها. صنعوا ذلك في كتاب آيات شيطانية لسلمان رشدي وأثاروا ضجة حوله في حين أن الكتاب لا يستحق. طبع منه في البداية 5000 نسخة فقط قبل أن يطبع بعد ذلك عشرات المرات". "صحيح البخاري" يخالف القرآن وفي الوقت الذي قلّل رفيقي من شأن التخصص في الدين، معتبرا أن القرآن أرسل للناس أجمعين ويسّر الله فهمه، ولا يحتاج إلى وسيط من أجل تفسير معانيه وأحكامه، في رد على مرداس الذي نادى بضرورة أن يكون الشخص مؤهلا في "علم الحديث" قبل أن يجتهد، ردّ رشيد أيلال، في مداخلته، قائلا "عنداك تسمعو التخصص وتخلعو. أفتخر أنني لم أتجاوز المستوى الإعدادي في الدراسة، لكني كتبت كتابا أحرجهم"، معتبرا "صحيح البخاري... نهاية أسطورة"، دعوة من أجل الاستفادة من العلوم العصرية للتأكد من الأحاديث وصحة نسبتها إلى نبي الإسلام، ومعرفة حياة الرسول الحقيقية، خاصة أن ما جاء في الأحاديث الواردة في "صحيح البخاري" يخالف القرآن نفسه والعلم والفكر والعقل السليم. وقال "نحن لسنا إزاء كلام لرسول الله، بل فهم معين لكلامه"، رافضا اعتبار الحديث "علما"، بل تراثا مليئا بالعيوب. أحاديث لا يقبلها العقل وشرح أيلال قائلا إن الذهلي نفسه، أحد أئمة رواة الحديث، جرّح في البخاري وحرّم الأخذ عنه ونفاه من البلدة التي كان قاضيا فيها واتهمه بالتدليس. فعن أي علم يتحدثون؟ يقول أيلال، مضيفا "الإيديولوجيا كانت حاضرة في توثيق الرجال واتهامهم. إذا كان مسلم، وهو تلميذ البخاري، لم يرو عن البخاري حديثا واحدا، فهل البخاري فعلا هو من ألف هذا الكتاب؟ هناك كتب كثيرة تتحدث عن أن البخاري لم يكمل كتابه أصلا. هناك أحاديث في صحيح البخاري لا يقبلها العقل. كما أن أول مخطوطة لصحيح البخاري ظهرت بعد وفاته ب6 أجيال. صحيح البخاري ألف بعد وفاة البخاري نفسه بأكثر من 100 سنة". واستدل أيلال بمضمون الآية القرآنية "اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا"، للدفاع عن رأيه، معتبرا أنها دلت على أن الدين أصبح كاملا حين نزولها ولم يكن في حاجة إلى البخاري أو مسلم، كما أن السنة لم تكن تحتاج إلى تدوين، فحين صلى الرسول صلى وراءه الصحابة وأبناءهم وأخذ عنهم أبناء أبنائهم. فهل كان ذلك يحتاج إلى تدوين؟ أفعال الرسول الكريم تناقلتها الأجيال بالتواتر العملي. ولم تكن في حاجة إلى أحاديث خرجت بعد وفاة الرسول بسنوات طويلة . وختم متسائلا "ماذا كان يفعل المسلمون طيلة أزيد من مائة سنة التي لم تدوّن فيها السنة؟".

أبو حفص: الحرية تزعج

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الصحـراء تُشهـد العالـم

الأساتذة المتعاقدون يطالبون بالإدماج

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات