عدالة انتقامية

لأنه وزير العدل، فقد قرر أن يقمع الحريات، مستخدما سلطته الحكومية والحزبية والسياسية، في مقاضاة «الصباح»، فقط لأنها نشرت خبر انتقامه من القضاة قبل رحيله عن جهاز القضاء. طبعا، لا نحتاج أن نذكر وزير العدل والحريات أن ثقتنا في العدالة كبيرة، ومتأكدون أن فيها رجالا عاهدوا أنفسهم على الحق لو أقسموا الله لأبرّهم. لا حاجة لنا للتذكير بكم القضايا والمحاكمات التي أرادت إسكاتنا عن نقل الخبر وقول الحقيقة للمغاربة، فلم تزدنا إلا إصرارا وقدما نحو الأمام. لا حاجة لنا بتذكير وزير العدل أنه إذا قرر نقل معركة الانتقام من القضاة إلى الجسم الصحافي، فإننا لسنا لقمة سائغة ولا سلطة علينا إلا الضمير المهني. نعم، لقد مارس وزير العدل سياسة ترهيب القضاة، وفي عهده اختلت العدالة وضاعت حقوق الناس، وحتى إصلاح القضاء الذي شكل ورشا ملكيا بامتياز، فقد كاد أن يصل إلى الباب المسدود بسبب سياسة «التحكم» التي مارسها وزير العدل، وأراد تارة أن يقزّم دور القضاة في الاستشارة وبلورة مشروع الإصلاح، وتارة أن يبحث لنفسه عن موقع قدم داخل المجلس الأعلى للسلطة القضائية، وتارة أخرى أن يلغم القوانين. في عهد الوزير الرميد، لم نعد ننشد العدل، لأنه مستحيل، بل نطالب بتوزيع الظلم بطريقة عادلة فقط، ففي ولايته انتحر القضاة وشردت أسرهم، وعزل نحو 29 قاضيا، بدعوى محاربة الفساد، وهم منه براء، وفي عهده، عزل قاض فقط لأنه عبر عن رأيه. واليوم، وهو على أبواب ختام ولايته الحكومية، يريد أن يكمل ما تبقى من الحساب قبل أن يرحل، يريد وزير العدل أن يخسر الحريات باسم القانون، وهو الذي وضعت السياسة والصدفة الانتخابية بين يديه كل السلط، فجعل من نفسه حكما وخصما في الآن نفسه، يمسك بيد سيف العدالة، يقطع به ألسنة كل من اختلفوا معه، بدءا بالقضاة وانتهاء إلى الصحافة. طبعا، لا نخاف المثول أمام القضاء، لكننا لن نمثل أمام عدالة يتحكم فيها السياسي، ويتدخل فيها الحزبي من المحسوبين على العدالة والتنمية، وتلك قصة أخرى تهم ما يعانيه القضاة كل يوم سنعود إليها لاحقا. لقد قلنا في مقالتنا على صدر «الصباح»، إن وزير العدل ينتقم من القضاة، وفصلنا في حيثيات الخبر بالتنبيه إلى مخاطر تحركات الرميد لعقد دورة للمجلس الأعلى للقضاء، خارج القوانين، ووقف الخبر عند الإخبار، إلا أن وزير العدل قرأ في ذلك استهدافا له، ونحن لا نتحمل مسؤولية سوء الفهم الذي وقع فيه. مقاضاتنا شرف لنا، لأن التكليف الذي نحمله على أنفسنا منذ اختيارنا هذه التجربة الإعلامية، مصدره القارئ الذي يبحث عن حقه في المعلومة. وقد جرب وزير العدل الراحل، الطيب الناصري، أن يسكتنا فما زدنا إلا تكلما، وجرنا الوزير نجيب بوليف إلى مخفر الشرطة بالرباط، فما زادنا إلا صلابة على الموقف، واليوم ينضاف مصطفى الرميد إلى قائمة دعاوى الشرف، و«عند الفورة يبان لحساب».

عدالة انتقامية

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

اعتقال نصاب يهجر الفتيات للسعودية

قفشات بـ "الشينوية"

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات