شبكة احتيال منظمة تستهدف المعاهد الخاصة للنصب على الراغبين في الهجرة إلى أوربا تحولت أكادير تلك المدينة الهادئة النابضة بالحياة إلى مسرح لعمليات احتيال محكمة تستهدف الشباب الحالمين بمستقبل أفضل وراء البحار. في دهاليز هذه المدينة، تنشط شبكات من الشركات الوهمية التي تبيع الوهم بأغلفة رسمية، مستغلة طموح طالبي الهجرة عبر عقود عمل زائفة وتأشيرات مزورة، مقابل مبالغ مالية طائلة تتجاوز 300 ألف درهم. وما يزيد المشهد تعقيدا، تورط معاهد تكوين خاصة في إنتاج شهادات في اللغة ودبلومات مزيفة، تستخدم لاستكمال ملفات الهجرة، مما يجعل الضحايا في مواجهة مصير مجهول. هكذا، تتحول آمال الشباب إلى سراب، ويحكم عليهم بالسقوط في شرك الاحتيال، بينما تغيب الرقابة الصارمة عن هذه الممارسات التي تستنزف أحلام أجيال بأكملها. أصبحت في السنوات الأخيرة أكادير معقلا تعليميا يضم أكثر من 180 مسلكا أكاديميا، وتستقطب أكثر من 120 ألف طالب من خمس جهات مغربية. هذا التدفق الكبير من الشباب الطامحين إلى تحقيق طموحاتهم التعليمية والمهنية، أصبح نقطة جذب لشبكات الاحتيال والنصب التي تترصدهم، فبين معاهد اللغات الكثيرة، ومعاهد الصحة والمعلوميات والفندقة، تنشط شركات وهمية تستغل الثغرات القانونية والإجراءات الغامضة لاصطياد هؤلاء الشباب، وتغريهم بعقود عمل مزيفة أو وعود بالهجرة إلى ألمانيا والبرتغال وإسبانيا وكندا، ما يضعهم في فخ خطير من النصب والابتزاز، ويعرضهم لخسائر مادية جسيمة قد تدمر أحلامهم المستقبلية. تحقيقات قضائية تعيش أكادير في هذه الأسابيع على وقع تحقيقات قضائية في ملف النصب على طالبي الهجرة إلى أوربا بواسطة عقود عمل مع شركات وهمية، وتواصل المصلحة الولائية للشرطة القضائية بولاية أمن أكادير الاستماع إلى الضحايا والمتورطين، واستدعاء جميع الأطراف المرتبطة بهذه القضايا، رغم أن أصحاب الشركات الوهمية يستغلون الضحايا ويفرون خارج المغرب بمبالغ ضخمة. وكشفت تحقيقات الضابطة القضائية أن تلك الشركات الوهمية استغلت معاهد خاصة للتكوين بأكادير في إنجاز شهادات مزورة، إذ وزعت عشرات الشهادات عن تكوينات وهمية في تخصصات تقنية عملية مثل التمريض والهندسة الكهربائية والسباكة وغيرها، جرى استخدامها في ملفات طلبات الحصول على تأشيرات للهجرة إلى أوروبا، بعد اكتشاف الضحايا تعرضهم للنصب من قبل شبكة منظمة تنشط بين البرتغال والمغرب وفرنسا، حاول مسير المعهد إقناع حائزي الشهادات بإرجاعها مقابل إعادة مبالغ الشراء إليهم، التي لم تتجاوز 10 آلاف درهم، وأوضح أن المعني بالأمر اضطر إلى تقديم شيكات ضمانا لثني بعض الضحايا عن تقديم شكاوى ضده إلى النيابة العامة والمصالح الأمنية المختصة، بعدما شكل ضلعا مهما ضمن الشبكة المذكورة. ضحايا بالمئات ضمت قائمة ضحايا النصب على طالبي الهجرة إلى أوربا بواسطة عقود عمل مع شركات وهمية، طلبة، مهندسين، تجارا، ممرضات وأطرا بنكية، بعضهم قدم طلبات تأشيرة جماعية لاصطحاب أسرهم، فيما تم إقناعهم بدفع قيمة العقود عبر أقساط، حسب وتيرة معالجة الملف عبر المحامي البرتغالي، الذي يفترض أن يكون ضمانة قانونية ووسيطا بين الشركات المشغلة والأجراء الوافدين من المغرب. وأوضحت المصادر أن هؤلاء الضحايا لم يحولوا أي مبالغ إلى مخاطبهم، المهاجر المغربي ووسطائه، عبر وكالات تحويل الأموال أو البنوك، بل اكتفوا بالأداء نقدا لدى والدته وشقيقه وأشخاص آخرين، وبعدها، قطع هؤلاء اتصالاتهم بعدد كبير من المرشحين للهجرة. كما أن صاحبة مركز لخدمات الوساطة في الدراسة بالخارج بأكادير وجدت نفسها ضحية نصب واحتيال، وقدمت شكاية ضد شبكة تضم مهاجرا مغربيا ومحاميا برتغاليا وشركاء له في المغرب بتهم النصب والاحتيال، بعدما اكتشفت أن المشتكى بهم أسسوا شركة باسمها في البرتغال دون علمها، وجرى استغلالها في النصب على طالبي الهجرة. "النوار" لتهريب العملة اتخذت التحقيقات الجارية منعطفا جديدا، حيث ظهرت مؤشرات على عمليات تهريب ضخمة للعملة إلى الخارج، وهو ما يعكس تعقيد الشبكة وعملياتها المنهجية، وأفادت المصادر نفسها أن تحقيقات الضابطة القضائية، التي كشفت عن حجم المبالغ الضخمة المتداولة بين وسطاء شبكة النصب على طالبي الهجرة في المملكة، توسعت لتشمل كيفية تهريب هذه الأموال إلى الخارج. وكشفت التحريات أن الشبكة كانت تعتمد بشكل كبير على الدفع نقدا لتفادي الرقابة ولتسهيل عمليات تهريب العملة،وقادت التحقيقات إلى وسيط بارز في مجال العقارات في أكادير ومراكش، كان يستلم الأموال النقدية "كاش" من صاحبة مركز الخدمات بعد تجميعها من طالبي الهجرة، هذه الأموال كانت مرتبطة بملفات طالبي الهجرة، التي كانت مبنية على وعود بالعمل في شركات بالبرتغال تبين في ما بعد أنها وهمية. وأكد الضحايا أمام الضابطة القضائية أنهم دفعوا مبالغ تراوحت بين 80 ألف درهم و170 ألفا، مقابل عقود عمل مزعومة لمدة سنتين وإقامة مؤمنة تتراوح بين ستة أشهر وسنة، وأوضحوا أنهم دفعوا تلك المبالغ نقدا إلى شقيق المهاجر ووالدته في أكادير، دون أن يمروا عبر القنوات المالية الرسمية، مما يسهل عملية تهريب الأموال، كما أكد الضحايا أنهم تعرضوا للنصب والاحتيال من قبل مهاجر مغربي ومحام برتغالي، اللذين أقنعاهم بدفع مبالغ مالية تبدأ من 50 ألف درهم مقابل عقود عمل وهمية. وبعد رفض المصالح القنصلية البرتغالية منحهم تأشيرات، بسبب غياب أي نشاط فعلي لتلك الشركات، تفاجؤوا برفض طلباتهم، حيث أكدت القنصلية أن السبب هو عدم وجود أي أساس قانوني للشركات، التي تم التعاقد معها. عبد الجليل شاهي (أكادير)