الفساد القاتل

في سياق آخر، كان من المفروض أن يتوصل وزير الداخلية باستقالة عامل بركان، قبل صباح اليوم (السبت)، على أبعد تقدير، ويضع رئيس المجلس الجماعي وجميع أعضاء المكتب المسير المفاتيح، ويغادروا مكاتبهم إلى الأبد، في انتظار استدعائهم إلى جلسات محاكمة بتهمة قتل طفلة. كان ممكنا، في السياق نفسه، أن تفعل قرارات حاسمة في الحال، وإجراء تغييرات فورية في المسؤولية الإدارية والمحلية بالمنطقة برمتها، جراء التقصير والإهمال الواضحين للعيان، اللذين أوديا بحياة طفلة لم تتجاوز 9 سنوات، كانت عائدة من دروس خصوصية رفقة والدها تحت ظلام دامس، فوجدت نفسها غارقة في حفرة للصرف الصحي، وبعدها جثة هامدة ملقاة على ضفة "وادي شراعة". لكن للأسف، نحن أبعد عن هذا السياق، ولن ننتظر حدوث أي شيء بالمطلق، وسيستمر المسؤولون أنفسهم في مكاتبهم، في انتظار اقتراف كارثة جديدة. وقد لا نفاجأ إذا وجدنا العامل نفسه ورئيس الجماعة يتقدمان الموكب الجنائزي للتلميذة الصغيرة، وهي تشيع إلى مثواها الأخير، أو يشاهدان في حفل التأبين والعزاء، من منطق "يقتلون القتيل، ويذهبون في جنازته". نكتب هذه الكلمات بحرقة، لأن المشهد موغل في الألم، ومحفوف بالخوف على أطفالنا ومواطنينا، ويتقاسم معنا هذا الألم، آلاف المغاربة الذين عبروا عن غضبهم، منذ مساء أول أمس (الخميس)، وقالوا إن وفاة طفلة بهذه الطريقة البشعة لا يمكن أن تطوى دون تفعيل للقانون، وربط حقيقي للمسؤولية بالمحاسبة، وقبل ذلك فتح تحقيق أمني وقضائي، تشرف عليه السلطات المختصة، للوقوف على حيثيات الحادث، وتحديد دقيق للمسؤوليات وتراتبيتها، والجواب عن سؤال: من ترك البالوعة مفتوحة وسط السيول؟ والواقع أن هذا السؤال يختزل الحكاية برمتها، لأن من ترك البالوعة مفتوحة في بركان، يشبه، كثيرا، من سمح باستمرار ورش للبناء والأشغال دون حماية، وآخر رخص لشركة بوضع معداتها وسط منطقة مرور بشري دون اتخاذ إجراءات السلامة المنصوص عليها في دفتر التحملات، وكلهم يشبهون المسؤول الذي يغض الطرف عن التجاوزات والاختلالات بمنطقته، ويتسامح مع الفوضى، ويتقاضى عليها أجرا وعمولات. لقد وصلنا إلى مستوى لم يعد الغش في الصفقات العمومية والتساهل مع أصحاب الشركات، ينتجان فسادا وشبكات علاقات مشبوهة وتحايلا على مبدأ المنافسة الشريفة، واغتناء غير مشروع، بل أصبح الفساد يقتل ويخلف أرواحا وضحايا. لم يعد الفساد يفترس المال العام وصناديق التنمية وتمويلات البرامج والمشاريع، بل نبتت له أنياب، وانتقل إلى افتراس البشر، وهو أسوأ ما يمكن أن يقع في بعض المدن والجماعات، التي فاقت فيها التجاوزات وخرق القانون والإفلات من العقاب، كل الحدود. وكلما اختبأ الفاسدون واعتقدوا أنهم نجوا بأفعالهم، جاءت رحمة الله لتفضح كل شيء، حتى بتنا نطلب من الله غيثا صالحا "يفحص" مشاريع البنيات التحتية، ويفتش في صفقاتها العمومية، أكثر من توجيه الطلبات إلى قضاة المجلس الأعلى للحسابات. أصبحنا نطلب حلول السماء مع قبيلة المارقين والخارجين عن صراط الوطن، بعد أن انتهت حلول الأرض.

الفساد القاتل

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

جريدة الصباح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

البواري يصفي تركة الصديقي

حرب إلكترونية غير مسبوقة

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات