السقي بـ”الواد الحار”…تلاعبات بالصحة

تداول صور وفيديوهات حملات أمنية بإشراف مباشر من قائد المركز القضائي للدرك الملكي بسرية بوسكورة، استهدفت مجموعة من الضيعات والأراضي الفلاحية التي تضم أزيد من 150 هكتارا بإقليم النواصر، إثر تورط أصحابها في جرائم بيئية وصحية خطيرة تتمثل في السقي بمياه الواد الحار، أرعب المواطنين، بعد أن تحول إلى مناسبة أماطت اللثام عن واقع مرعب ظل مستشريا لسنوات وتم التطبيع معه، قبل أن يقوم عامل الإقليم ومصالح الدرك الملكي والنيابة العامة بالتصدي له تطبيقا لشعار "لا تسامح مع المتلاعبين بصحة المغاربة". إنجاز : محمد بها طالما ترسخ في أذهان الناس أن الواد الحار مرادف للعفن والرواح الكريهة وجالب للأمراض، وهو ما يجعل الناس تتأفف من المرور من أودية المياه القذرة وحتى لو اضطرت فإنها تسرع إلى وضع اليد على الأنف هربا من رائحة تزكم الأنوف، لكن لم يكن أحد منا يتوقع أن الخضروات والفواكه والقطاني التي نأكلها وكذا اللحوم الحمراء هي نتاج لمياه سقمنبعها الواد مياه الصرف الصحي أو بمعنى أخر "فضلات الإنسان". ولم يكن المغاربة يظنون أنه سيأتي يوم يشهدون فيه وقائع إجرامية بعدد من الأقاليم أبطالها جانحون وجناة يرتدون قناع "فلاحين ومستثمرين" في الإنتاج الزراعي والحيواني، بأساليب تتم فيها استباحة الأمن الغذائي للمغاربة بل صحتهم العامة، بعد أن داسوا على حق النبات والحيوانات في معاملة أفضل، لا لشيء سوى لتحقيق الاغتناء السريع بأقل تكلفة. وعكس النظرة العادية لعامة الناس لهذا النوع من الأنشطة، فإن رجال القانون يرون أن الأمر لم يعد يرتبط بجنح ضبطية بسيطة، ترتبط بمخالفات عادية، بل بجنح ثقيلة لخطورة الأفعال المرتبطة بممارسات محظورة. عامل إقليم النواصر...فاضح المتورطين سقي أراض فلاحية باستعمال المياه العادمة، استنفر جلال بنحيون عامل إقليم النواصر الذي قرر حرصا منه على حماية صحة المواطنين مما قد ينتج عن استعمال مواد فلاحية مسقية بمياه "الواد الحار"، إصدار تعليماته إلى السلطات المحلية للقيام بحملات لمعاينة الضيعات المشتبه فيها، وهو ما بادرت إلى القيام به. وبمجرد توصل عامل الإقليم بمعطيات تخص ما يجري بعدد من الأراضي والضيعات، بادر إلى مراسلة وكيل الملك لدى المحكمة الابتدائية الزجرية بالبيضاء، مدليا بتقرير كشف فيه الأنشطة الخطيرة التي تحتضنها ضيعات فلاحية وأراض زراعية. الأمر الذي استنفر النيابة العامة التي قررت بدورها إصدار تعليماتها إلى مصالح الدرك الملكي بسرية بوسكورة للقيام بأبحاث قضائية وتحريات ميدانية، مرفوقة بلجنة مختلطة ضمنها عناصر السلطة المحلية لكشف ملابسات القضية والتحقيق مع كل من ثبت تورطه في تلك الأنشطة التي تسبب أضرارا بيئية خطيرة وتهدد الصحة العامة. وتحولت تحركات العامل الجديد إلى فزاعة لأصحاب الأنشطة العشوائية وغيرها من الممارسات المحظورة، بعد أن شدد المسؤول الترابي على ضرورة تطبيق القانون بحذافيره وعدم التساهل مع أي كان، من أجل إعادة الاعتبار إلى إقليم النواصر، خصوصا بوسكورة التي أضحت تعرف رجة، ضيقت الخناق على من يعتبرون أنفسهم نافذين وفوق القانون، موازاة مع مجهودات جبارة لعناصر المركز القضائي للدرك الملكي بسرية بوسكورة التابعة للقيادة الجهوية للبيضاء. مواجهة الجفاف وشح المياه ظاهرة ندرة المياه الصالحة للشرب ومواكبة التحديات المائية التي يشهدها المغرب بفعل توالي الجفاف، دفعت فلاحين ومستثمرين من أصحاب "الشكارة" أعماهم الجشع، إلى ابتكار حلول محظورة ذات طابع إجرامي، وتتمثل في تسخير وسائل وآليات متطورة لضخ المياه العادمة التي تتضمنها قنوات الصرف الصحي، وهي المياه الملوثة وغير المعالجة. وكشفت المعطيات الأولية للبحث القضائي الذي تشرف عليه النيابة العامة، أن فلاحين ومستثمرين في الإنتاج الزراعي، اختاروا استغلال المياه العادمة المتجمعة بقنوات الصرف الصحي لاستعمالها في إنجاح مشاريعهم الكبيرة للتغلب على صعوبة السقي بمياه الآبار والأمطار التي أضحت نادرة بفعل توالي سنوات الجفاف، رغبة في اقتصاد المصاريف عوض اعتماد مياه صالحة للسقي تكلفهم أعباء مادية كبيرة، دون اكتراث بالخطر الذي تشكله على صحة وسلامة المستهلكين، وتداعيات ذلك على انتشار أمراض خطيرة نتيجة استهلاك محاصيل ومنتجات حيوانية غير صالحة للأكل. وتعرف الهكتارات المشبوهة الاستثمار في إنتاج محاصيل زراعية تشمل "الخرطال" والشعير والفصة المستعملة في علف الماشية، في حين هناك أراض تضم منتوجات متنوعة تصلح لأكل البشر. المركز القضائي لدرك بوسكورة..."البق ما يزهق" منذ أن قامت القيادة الجهوية للدرك الملكي بالبيضاء، بإحداث سرية جديدة ومركز قضائي وآخر ترابي ببوسكورة، لتأمين المنطقة من كل الشوائب الأمنية، نظرا لشساعة نفوذها الترابي وكثافتها السكانية، أظهر المركز القضائي للدرك الملكي بسرية بوسكورة كفاءة عناصره وبصم على تدخلات استباقية غير مسبوقة بتوجيهات من الكولونيل ماجور عبد المجيد الملكوني القائد الجهوي، شملت مكافحة عصابات المخدرات لتنتقل إلى للتصدي لمختلف الجرائم الأخرى بما فيها المستودعات السرية وشبكات الغش في المواد الغذائية والملابس والسطو على العقارات والتزوير والدعارة والاتجار في البشر. وفي ما يتعلق بكشف أساليب استعمال مياه "الواد الحار" لسقي مئات الهكتارات من الضيعات الفلاحية والزراعية والمشاتل بإقليمي النواصر وبرشيد، مكنت عملية مداهمة قامت بها عناصر المركز القضائي للدرك الملكي بسرية بوسكورة، بحضور السلطات المحلية لمجموعة من الضيعات الفلاحية والأراضي الزراعية، من وضع حد لأنشطة تهدد الصحة العامة للمواطنين وكشفت الوجه الإجرامي لفلاحين. واستنفرت تعليمات النيابة العامة عناصر المركز القضائي للدرك الملكي بسرية بوسكورة، للقيام بأبحاث ميدانية وتحريات دقيقة، استهدفت الضيعات والأراضي المشبوهة، إذ مكنت سرعة التحرك من ضبط المشتبه فيهم في حالة تلبس، وهم يستعينون بالمياه العادمة القادمة من محطة التصفية ببرشيد، باستعمال آليات متطورة مكنت من تعييب منشآت عامة، لا لشيء سوى لتحقيق أرباح خيالية على حساب صحة المستهلك. واستهدفت عملية المداهمة التي نفذتها عناصر الدرك الملكي بإشراف مباشر من قبل يونس عاكفي، قائد المركز القضائي لبوسكورة، رفقة فرقة التشخيص القضائي التابعة للقيادة الجهوية للدرك الملكي بالبيضاء والسلطات المحلية ومركز البيئة الجهوي للدرك، مجموعة من الضيعات الفلاحية والأراضي الزراعية المتمركزة بتراب جماعة أولاد صالح والممتدة إلى مناطق بإقليم برشيد. وواصلت عناصر المركز القضائي للدرك الملكي بسرية بوسكورة، أبحاثها القضائية تحت إشراف النيابة العامة، إذ تقرر الاستماع إلى أكثر من 15 فلاحا ومزارعا، ضمنهم رئيس جماعة سابق اختار الاستثمار في هذا النوع من المشاريع المدرة للأرباح، على حساب صحة المستهلك، في انتظار نتائج الخبرة لإحالة المتورطين، ضمنهم رؤوس كبيرة تورطت في تهديد الصحة العامة، والتلاعب في المنتوجات الغذائية المستعملة في الإنتاج الزراعي أو الحيواني. وسائل متطورة لضخ المياه العادمة يعمد المشتبه فيهم إلى تسخير وسائل متطورة جدا، وتتمثل في معدات لضخ المياه العادمة ووسائل أخرى وقنينات غاز من الحجم الكبير، وهي الآليات التي تم تخريب ممتلكات عامة لتثبيتها بمجاري قنوات الصرف الصحي لتحويل مجرى المياه العادمة، بشكل يضمن الاستفادة منها بشكل دائم في عمليات سقي المشاريع الفلاحية والزراعية. ويعتمد الفلاحون في سقي ضيعاتهم وأراضيهم الفلاحية على مضخات تختلف قوتها من محرك لآخر، إذ هناك ما يعمل بالبنزين ونوع آخر بغاز البوطان، وهي الطريقة التي أدت إلى زيادة في الإنتاج الزراعي والحيواني بأقل تكلفة وشجعت الراغبين في الاغتناء السريع على تبني الأسلوب الإجرامي ذاته، خاصة أن الآليات المستعملة تتميز بفعاليتها في جلب المياه العادمة من مجاري الصرف الصحي ولمسافات طويلة. وارتباطا بالواقعة الخطيرة، تقرر حجز المعدات المستعملة في عمليات ضخ المياه العادمة وإيداعها المحجز البلدي، كما تم حجز عينات من المنتوجات المزروعة، لإخضاعها للخبرة لتحديد خطورتها. عقوبات مشددة قال رشيد وهابي، محام بهيأة الجديدة، إن ظاهرة سقي الخضر أو الفواكه أو بعض النباتات الخضراء بمياه الصرف الصحي، ظاهرة خطيرة ومعروفة، وكان يتم التغاضي عنها ولا تطرح جرائمها على القضاء لمتابعة المتورطين لعدة أسباب منها تهاون السلطات، وعدم تبليغ الجيران والواقفين على هذه المخالفات، وعدم توجه ضحايا التسمم بهذه الخضروات والفواكه والنباتات بالتشكي ضد البائع الذي سيدلهم على من باعه أشياء تسقى بمياه الصرف الصحي. وكشف وهابي في تصريح لـ"الصباح"، أن القوانين المغربية لديها فصول متعددة، يمكن أن تعاقب الفلاح الذي يأتي هذا الفعل، مشددا على أن العقوبة يمكن أن تتراوح بين أشهر أو سنوات قليلة وغرامات بسيطة، ويمكن أن تصل إلى سنين طويلة من السجن. وأوضح المتحدث نفسه قائلا "نجد بداية أن قانون الماء رقم 36.15 في المادة 106، ينص على عقوبات لكل من يستعمل مياها ملوثة في السقي أو يتسبب في تلوث المياه، ويمكن أن تصل العقوبات إلى خمس سنين، وهو الشأن نفسه بالنسبة للقانون الجنائي، الذي ينص في الفصل 593 على عقاب أي تصرف يؤدي لتسميم أو تلويث المواد الغذائية الموجهة للاستهلاك". وأورد المحامي أن العقوبة تكون بين 5 و 10 سنوات سجنا نافذا مع الغرامة، ويمكن أن يتم تشديد العقوبة إذا تسبب الفعل في وفاة أو وقوع أمراض خطيرة. وسلط رجل القانون على أن قانون حماية المستهلك 31.08 ينص في المادة 3 على إلزام الفلاحين بضمان سلامة وجودة المنتجات، وهو ما يؤكد أن بيع خضر مسقية بمياه ملوثة، يمكن أن يعتبر غشا غذائيا، وتترتب عنه عقوبات يمكن أن تصل إلى 5 سنوات وغرامة مالية ثقيلة، إضافة إلى أن هناك قوانين أخرى لا يتسع المجال لذكرها. وختم رشيد وهابي تدخله، بالقول "العيب ليس في القوانين المغربية، التي تعاقب على هذا الفعل، لأنني يمكن أن أقول إن هناك تخمة قانونية متنوعة تعاقب على هذا الفعل، ولكن العيب كل العيب في عدم فضح والتعامل بحزم مع من يرتكب هذه الأفعال الإجرامية،. ولا شك أن تسليط الصحافة أضواءها على هذه الأفعال، سيحرك البركة الراكدة بشأن متابعة ومعاقبة من يرتكب هذه الأفعال، من قبل السلطات الأمنية والقضائية". محاكمة شعبية للمتورطين أثارت قضية سقي الضيعات والأراضي الفلاحية بمياه الصرف الصحي، نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، الذين تفاعلوا مع الواقعة المأساوية بالتعليق عليها وخوض نقاشات تحاول سبر أغوار الظاهرة المقلقة المرتبطة بالتلاعب بالإنتاج الزراعي والحيواني وتهديداته الخطيرة على صحة وحياة المستهلك. ومن بين التدوينات التي تجاوب معها عدد من "الفيسبوكيين" في العالم الأزرق، تلك التي تخص طالبا جامعيا بكلية الحقوق باليبضاء، الذي قال "للأسف تدخلات الدرك الملكي والسلطة اللذين نشكرهما على مجهوداتهما عرت واقعا مؤلما ومخيفا، يتمثل في تهديد الأمن الغذائي والصحي من قبل فلاحين اختاروا التلاعب بصحة المستهلك بعدما استطابوا فوضى كانت مستشرية في السابق، نتيجة عدم إعمال الجهات المختصة صلاحياتها في المراقبة ومحاصرة أساليب الغش". وعبرت إحدى الأمهات عن حيرتها بعدما تبين أن الغش لم يستثن أي منتوج من قبل فلاحين ومستثمرين همهم الأوحد تحقيق الاغتناء السريع، معتبرة أن مشاهد مداهمة الضيعات المتورطة بقدر ما أسعدها وكشف كفاءة عامل الإقليم والدرك الملكي، بقدر ما أثار الخوف في نفسها وباقي المواطنين، لأنه عرى واقعا خطيرا ظل مخفيا، مضمونه أن التلاعب بصحة المستهلك لم يعد محصورا في المواد المصنعة، بل هم حتى الخضر والفواكه والشعير والفصة وباقي المنتجات الحيوانية التي يتم تعليفها بمواد مسقية بمياه "الواد الحار". ومن جهته، التمس أحد الفاعلين الجمعويين، ضرورة تفعيل القانون وإنزال أقصى العقوبات في حق المتورطين وكل من ثبت تورطه معهم سواء بالتواطؤ أو بتسخيره خدماته لتسهيل أنشطتهم القذرة، مشددا على أن إنتاج خضر ومنتوجات حيوانية اعتمادا على مياه عادمة، من شأنه تهديد صحة الإنسان، مما يفرض معاقبة المخالفين لارتكابهم أفعالا إجرامية تستوجب الاعتقال وغرامات ثقيلة.

السقي بـ”الواد الحار”…تلاعبات بالصحة

فلاحون يستعينون بالمياه العادمة لسقي مئات الهكتارات لمواجهة آثار الجفاف والقانون يطارد المخالفين

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

جريدة الصباح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

"باركينغات" البيضاء... العودة إلى الأصل

الحسيمة... الأمن يحارب "الكوكايين "

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات