تحظى قضايا جرائم المال العام، بمتابعة كبيرة من قبل الرأي العام الوطني وفعاليات قانونية وحقوقية وإعلامية، باعتبارها من الملفات المعروضة على القضاء، تم فيها تبديد أموال عمومية والسطو عليها باختلاسها بغية الإثراء غير المشروع، ما أدى إلى ضياع جهود الدولة في تنزيل مشاريع تنموية تعود بالنفع على المجتمع برمته. وإذا كان عدد من قضايا الفساد سلطت عليها وسائل الإعلام الأضواء، فإن المثير فيها أن معالجتها تعرف تمطيطا في المتابعات وتأجيلات مرهقة، نظرا لتشعب القضية التي تحتاج إلى تأن وتدقيق في جلسات المحاكمة لسبر أغوار ملف ليس عاديا، قبل المرور إلى مرحلة المرافعات وإصدار الحكم. إنجاز: محمد بها من بين القضايا التي مازال الرأي العام ينتظر الحسم فيها، ملف فندق الأسوار التابع لأملاك جماعة الصويرة، الذي تأخر النظر فيه، بعد سلسلة من التحقيقات وجلسات المحاكمة المؤجلة بغرفة جرائم الأموال بمحكمة الاستئناف بمراكش، التي تنظر في قضايا تبديد المال العام الذي يعتبر جناية. وفي إطار تسليط الضوء على الملف، علمت "الصباح" أن غرفة الجنايات الابتدائية المكلفة بجرائم الأموال بمحكمة الاستئناف بمراكش، أجلت، صباح الجمعة الماضي البت في حيازة فندق تابع للملك الجماعي بالمدينة العتيقة للصويرة إلى تاريخ لاحق، حيث يتابع فيه ثلاثة أشخاص ضمنهم الرئيس الحالي للمجلس الإقليمي للصويرة وشقيقه مدير وحدة فندقية ومتهم ثالث كان يشغل منصب النائب السابع لرئيسة بلدية الصويرة. كراء الفندق... جدل مستمر تعد جلسات المحاكمة التي يتابع فيها المتهمون في حالة سراح، أمام غرفة الجنايات الابتدائية المكلفة بجرائم الأموال لدى محكمة الاستئناف بمراكش، بالكثير من عناصر "التشويق" والإثارة، بعد أن يتم تعميق البحث في عناصر الإثبات التي تدين المتهمين الثلاثة. ومازال ملف إبرام عقد كراء "فندق الأسوار" بالصويرة، الذي جرى في عهد رئاسة (أ.ش)، حينما كانت رئيسة للمجلس الجماعي للصويرة، يحفل بالمفاجآت ويثير الجدل رغم انقضاء سنوات على الواقعة المدوية، بعد مطالبة محمد الغلوسي، رئيس الجمعية المغربية لحماية المال العام، عبد الوافي لفتيت، وزير الداخلية، بالتدخل في القضية لفائدة القانون وتكليف الوكيل القضائي للمملكة لمباشرة مسطرة عزل رئيس المجلس الإقليمي الحالي للصويرة. ولم تقف تحركات رئيس الجمعية المغربية لحماية المال العام، عند ذلك الحد، بل التمس من غرفة الجنايات الابتدائية المكلفة بجرائم الأموال لدى محكمة الاستئناف بمراكش، ضرورة تسريع وتيرة الإجراءات القضائية المتعلقة بهذا الملف الذي انطلقت أطواره في 2005 ومازال لم ينته إلى اليوم. وكشف محمد الغلوسي، في تدوينة على حسابه بموقع التواصل "فيسبوك"، أن غرفة الجنايات الاستئنافية بمحكمة مراكش قررت إرجاع ملف ثقيل "يزاوج بين المال والسلطة"، إلى غرفة الجنايات الابتدائية المكلفة بجرائم الأموال بمحكمة الاستئناف بمراكش، للنظر من جديد في التهم المنسوبة إلى المتهمين طبقا للقانون. إدانة المتورطين... إجراء مؤجل سبق للمحكمة إدانة رئيس المجلس الإقليمي الحالي للصويرة وشقيقه (مدير وحدة فندقية بالصويرة) وشخص ثالث (النائب السابع لرئيسة المجلس الجماعي للصويرة حينها) بسنتين حبسا نافذا وغرامة نافذة قدرها 100 ألف درهم، وتحميلهم الصائر والإجبار في الأدنى، بعد متابعتهم من أجل جناية التزوير في محرر رسمي واستعماله والرشوة والمشاركة في ذلك كل حسب ما نسب إليه، وقضت الغرفة المذكورة ببراءتهم من جناية الرشوة". ولم تتم إدانة المتورطين بشكل نهائي ولم تطبق العقوبة في حقهم بعد، نظرا لقرار غرفة الجنايات الاستئنافية، إلغاء الحكم الجنائي المذكور وإرجاع القضية إلى غرفة الجنايات الابتدائية لدى محكمة الاستئناف بمراكش (قسم جرائم الأموال)، لأن الوقائع والاتهام موضوع الملف تدخل ضمن اختصاص هذا القسم، استنادا إلى مقتضيات المادة 260 من قانون المسطرة الجنائية وكذلك المادة 68 من التنظيم القضائي. وتعود تفاصيل القضية إلى شكاية سبق لعامل عمالة الصويرة السابق أن تقدم بها بتاريخ 2005/10/31 إلى وكيل الملك لدى المحكمة الابتدائية بالصويرة، وبعد إنجاز جزء من البحث أحال الشكاية على الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف بمراكش. مسطرة التفويت تفضح علاقات متشعبة أماطت جلسات محاكمة المتهمين في ملف فندق الأسوار التابع لأملاك جماعة الصويرة، اللثام عن علاقات متشعبة للمتورطين، خاصة أنه بالعودة إلى القضية يُكتشف أن النائب السابع لرئيسة المجلس الجماعي للصويرة حينها، قام بتوقيع عقد كراء فندق الأسوار بالصويرة باسم الجماعة لفائدة كل من المتهم الذي يشغل حاليا منصب رئيس المجلس الإقليمي للصويرة وشقيقه، دون أن يتوصل بأي طلب ودون أن يكون ذلك بقرار من المجلس. وتم تفويت الفندف بسومة كرائية قدرها 1200 درهم، مع العلم أن لجنة المالية سبق لها أن حددت السومة الكرائية في مبلغ 2500 درهم، وهذا ما صرح به النائب السابع تمهيديا للشرطة القضائية، وأضاف أن الفندق لم يخضع للسمسرة، كما أكد للشرطة أن الملك الجماعي لا يمكن رهنه أو تحويله أو بيعه أو التخلي عنه لأي جهة كانت، حسب ما ينص عليه الميثاق الجماعي حينها. وكشف محمد الغلوسي، رئيس الجمعة المغربية لحماية المال العام، في تدوينة سابقة على حسابه الرسمي ب"فيسبوك" أنه "تم الاستماع لـ (ع. ب) وأكد أن المتهم (س. م) كان له تفويض من رئيسة المجلس الجماعي للصويرة، وأن رئيس مصلحة الممتلكات لاحظ خروقات لحقت بعض الوثائق والتي وقعت دون إعدادها من قبل المصلحة ومنها العقد رقم 05-14 المبرم بين الجماعة و (ك.م) وأخيه بخصوص فندق الأسوار، مشددا على أن العقد يحمل توقيع النائب السابع دون الإشارة إلى التفويض وأن هذا الفندق صدر قرار جماعي بشأنه يقضي بإفراغه لأنه آيل للسقوط". وأضاف الغلوسي أنه عند الاستماع لـ(ك.م) ابتدائيا من قبل قاضي التحقيق المكلف بجرائم الأموال لدى محكمة الاستئناف بمراكش، صرح بأنه سبق له أن اشترى الأصل التجاري لفندق الأسوار من (ب) وأنه توجه إلى قسم الممتلكات ببلدية الصويرة وأنجز عقد الكراء بينه وبين المجلس البلدي، وأنه في وقت لاحق طلب منه عامل عمالة الصويرة شراء الفندق باعتباره آيلا للسقوط، بمبلغ 600 مليون سنتيم، رغم أن العامل السابق هو من تقدم بشكاية في الموضوع. وأفاد رئيس الجمعية المغربية لحماية المال العام، أن الملف يثير نقطة تنازل بلدية الصويرة عن تنصيب نفسها طرفا مدنيا بعلة أنها لم يلحقها أي ضرر، معتبرا الأمر خطيرا لأن تصريحات مسؤولي البلدية أنفسهم المستمع إليهم في القضية، يؤكدون أن كراء وتفويت فندق الأسوار لم يخضع للمساطر القانونية، وأن المجلس لم يعقد أي دورة للمصادقة على ذلك، وأن الوثائق لم يتم إعدادها من المصلحة المكلفة. فرصة لتدارك الخطأ القاتل شدد الفاعل الحقوقي محمد الغلوسي بخصوص إرجاع الملف إلى غرفة الجنايات الابتدائية، على أن هناك فرصة وإمكانية قانونية أمام المجلس الحالي للصويرة لتدارك الأمر ويقرر التراجع عن التنازل، ويعلن تنصيب جماعة الصويرة مطالبة بالحق المدني. وأضاف الغلوسي "وإلا فإنه سيكون محل مساءلة عن عدم قيامه بذلك، لأنه سيفوت على المدينة مداخيل مالية مهمة، وعلى أغلبية المجلس أن تنتبه إلى خطورة تنازل البلدية عن المال العام وحرمان السكان منه دون موجب قانون". وانتقد رئيس الجمعية المغربية لحماية المال العام، سكوت عامل إقليم الصويرة الحالي عن هذه التجاوزات، باعتبارها تشكل مخالفة للقوانين والأنظمة الجاري بها العمل وعدم مراسلته لـ(ك.م) باعتباره رئيسا للمجلس الإقليمي للصويرة لتوضيح موقفه من هذه المخالفات الخطيرة طبقا للفصل 65 من القانون التنظيمي لمجالس العمالات والأقاليم رقم14-112، مضيفا "مع العلم أن عامل الإقليم الأسبق هو من حرك الشكاية ومازال العامل الحالي طرفا مدنيا في القضية الحالية والذي قضت المحكمة برفض مطالبه المدنية لأن جماعة الصويرة هي المعنية وقد تنازلت عن مطالبها المدنية". واعتبر الغلوسي أن "الواقع يفرض على العامل الحالي تقديم دعوى للمحكمة الإدارية لعزله، مع العلم أنه مارس هذه المساطر ضد بعض أعضاء ورؤساء الجماعات الترابية الواقعة في نفوذ إقليم الصويرة بسرعة وحزم، دون البعض الآخر، وهو ما يعتبر انتقاء في تنفيذ القانون، يفرض على وزارة الداخلية تنبيهه إلى أن توجهه هذا قد يفهم منه أنه قائم على التمييز وتوظيف القانون لأهداف غير نبيلة".