عرف المعرض الدولي للكتاب في دورته التي انتهت الأسبوع قبل الماضي، حفل توقيع كتاب حول الفنان محمد بسطاوي، ستذهب مبيعاته إلى عائلة الراحل.المبادرة، التي قام بها الكاتب حسن نرايس، وساهم فيها عدد من الفنانين والسينمائيين والصحافيين بشهادات في حق بسطاوي تضمنها الكتاب، لم يكن الهدف منها جمع المال لصالح عائلة الراحل، بقدر ما كان الغرض منها تكريم اسمه. فالكتاب كان سيخرج قبل موته، لولا أن الأقدار لعبت لعبتها، كما أكد نرايس في حفل التقديم. كما أن مبيعاته، مهما بلغت، لن تتجاوز مبلغا رمزيا سيقدم للعائلة عربون محبة ووفاء، ليس إلا. فالراحل بسطاوي، عاش ومات عزيز النفس كريمها. "ما عندوش وما خصوش"، كما يقال. بسطاوي، كان حالة "شاذة" وسط الفنانين. أو ربما العكس هو الصحيح. داهمه المرض، ودخل المستشفى وقضى فيه أواخر أيامه إلى أن وافاه الأجل، دون أن يظهر على التلفزيون يستجدي ثمن علاجه، أو عرضت له صورة في الصحافة وهو على فراش المرض، تثير شفقة المحسنين وأصحاب القلوب الرحيمة. لذلك جاءت وفاته مفاجئة، للجمهور، وللمغاربة عموما، وحتى بالنسبة إلى بعض وسائل الإعلام التي كانت على علم بمرضه وبأنه يقضي أيامه الأخيرة، لكنها فضلت أن تتكتم على الأمر، احتراما لرغبة الراحل. عاش بسطاوي مرضه وألمه وحده، وإلى جانبه كانت مجموعة صغيرة من أصدقائه وأفراد عائلته. تدخل الملك محمد السادس، كما العادة، برعايته السامية. لكن الأمور كلها تمت في تكتم شديد إلى أن "دا مول الأمانة أمانتو" وانتهى كل شيء. لم يكن محمد بسطاوي ثريا. لكنه كان متعففا. لم يكن مثل بعض الفنانين الذين كلما "شداتهم الكحة"، سجلوا أنفسهم في "فيديوهات" عمموها على "فيسبوك" و"يوتوب"، لعل وعسى يحظون بالتفاتة من الملك، إما لشراء دار أو للحصول على ثمن دواء أو علاج، أو "كريمة" لم لا، ولو أن عهد "الكريمات" راح وولى منذ لائحة الوزير الرباح الشهيرة. لم يكن بسطاوي من أولئك الفنانين الذين يتصلون بالإعلام من أجل أن يكتب عنهم موضوعا، أو تصورهم كاميرات التلفزيون يبكون ويشكون حتى يمروا في نشراته الرئيسية. بسطاوي كان خجولا... كان عزيز النفس... عاش كبيرا ومات كذلك. الفنان، مثله مثل سائر الناس. عليه أن يكد ويعمل ويشتغل لتأمين لقمة عيشه. عليه أن يخزن القرش الأبيض لليوم الأسود. عليه أن يفكر في مستقبله ومستقبل أبنائه حتى لا يضطر في يوم من الأيام إلى أن يمد يده ويستجدي. الملك ليس ملزما في كل مرة بالتدخل لعلاج هذا أو التكلف بعزاء آخر. فئة الفنانين ليست الفئة الوحيدة "المحكورة" في المجتمع المغربي. هناك مهن كثيرة لا يحظى من يشتغلون فيها بجميع الحقوق الاجتماعية، لكنهم "مزططين راسهم" و"عايشين" على الكفاف والعفاف والغنى عن الناس.صحيح أن الفنان ليس وحده مسؤولا عن وضعيته. بل هناك مؤسسات ووزارات ونقابات تتحمل جزءا من المسؤولية. الفنان حين يختار طريق الفن في بلدنا، يعرف مسبقا أنه ليس طريقا مفروشا بالورود. لذلك عليه أن يكون مسؤولا عن قراره واختياراته. أما التسول و"الطلبة"، فسبة في حق الفنان أولا، وفي حق بلد بأكمله.. مع كامل الاحترام. نورا الفواري