تافراوت… عاصمة القنص العشوائي

في قلب سلسلة جبال الأطلس الصغير، تتلألأ تافراوت جوهرة نادرة تسحر الألباب، حيث تلتقي عراقة الماضي بجلال الطبيعة. هذه المدينة التي يطلق عليها "الأميرة" بجدارة، ليست مجرد وجهة سياحية، بل هي لوحة فنية تنبض بالحياة. ترتفع بـ1200 متر عن سطح البحر، وتحاط بجبال شامخة من حجر الجرانيت الصلب، وكأنها حصن طبيعي يحمي أسرارها، غير أن هذا المشهد الآسر يخفي وراءه تحديا يهدد توازنها البيئي الهش، فعصابات القنص العشوائي تفتك بأيائلها وغزلانها، تلك الرموز الحية لجمال براريها، مما ينذر بانقراضها. وتزيد من هذا التهديد، أزمة الجفاف وقلة التساقطات التي تضرب جبال الأطلس الصغير، ملقية بظلالها الثقيلة على الحياة النباتية والحيوانية، من لوز وأركان وطيور وزواحف. تقف تافراوت اليوم على مفترق طرق بين الحفاظ على إرثها الطبيعي الفريد والانجراف نحو هاوية الفقدان. تقف الثروة الحيوانية بتافراوت على حافة الخطر، إذ تتشابك الطبيعة بجمالها الساحر مع صراع البقاء. الجفاف المستفحل يلقي بظلاله القاسية على المنطقة، تاركا وراءه أثرا مدمرا على الحياة البرية التي لطالما أضفت على المكان هويته الطبيعية الفريدة، لكن التهديد الأكبر لا يأتي فقط من قسوة الطبيعة، بل من أيد بشرية تعبث بتوازن البيئة. شبكات القنص الجائر والعشوائي تجتاح المنطقة، تستهدف الغزلان والوعول وكل ما هو نفيس في عالم البرية، وكأنها تخط سطور النهاية لتنوع بيولوجي يزخر به المكان. هذه الممارسات غير القانونية تمثل خنجرا مغروسا في خاصرة البيئة، يهدد ما تبقى من إرث طبيعي بات قاب قوسين أو أدنى من الاندثار. في وجه هذا التحدي المزدوج، بين قسوة المناخ وجشع الإنسان، تصبح الحاجة ملحة لتحرك فوري وفعال. يجب أن تتضافر الجهود لحماية ما تبقى من هذا الكنز البيئي، لضمان أن تظل تافراوت ملاذا للحياة البرية، وواحة تستمر في سرد قصصها للأجيال القادمة، بدلا من أن تتحول إلى ذكرى عابرة في كتب التاريخ. ناقوس الخطر تصاعدت المخاوف في منطقة تافراوت، مع تفشي جريمة القنص العشوائي التي باتت تهدد توازن النظام البيئي. وفي ظل هذا التهديد المتزايد، دقت العديد من الفعاليات الجمعوية ناقوس الخطر من أجل الحد من انتشار القنص غير المشروع، داعية إلى الضرب بيد من حديد على جميع المخالفين، لحماية ثروة الوحيش التي تتميز بها المنطقة، سيما أن عددا كبيرا منه مهدد بالانقراض. كما وجهت الفعاليات الجمعوية نداء عاجلا إلى وزير الفلاحة والصيد البحري والمياه والغابات والتنمية القروية، مطالبة بإحداث وحدة متخصصة لمراقبة القنص في المنطقة، للحد من التجاوزات الصارخة التي يمارسها بعض حملة السلاح بلا رادع أو قانون. الرسالة التي تحمل توقيع جمعيات محلية، أكدت أن تنظيم عمليات القنص العشوائي ليس مجرد مطلب، بل ضرورة ملحة لضمان استدامة الأنظمة الإيكولوجية، وحماية الأصناف الحيوانية النادرة مثل الغزال والأيل التي اتخذت من جبال تافراوت ملاذا لها، وأشارت الجمعيات إلى أن تفعيل رياضات القنص والرماية تحت إشراف محميات محلية سيساهم في جعل المنطقة قطبا رياديا في هذا المجال، مع انعكاسات إيجابية على السياحة والاقتصاد في جهة سوس ماسة. كما حذرت الرسالة من تفشي ظاهرة القنص الليلي باستخدام الأسلحة النارية، والتي تضرب بعرض الحائط كل القوانين المعمول بها، مما يفاقم من استنزاف الثروة الحيوانية. وأرجعت الجمعيات سبب تفشي هذه الظاهرة إلى غياب الرقابة المستمرة، مما يفتح المجال أمام الخارجين عن القانون لممارسة القنص خارج المواسم القانونية. ودعت الفعاليات الجمعوية الوزارة إلى التعاون من أجل إنشاء فضاء رياضي مخصص للرماية في تافراوت،وتحويل المنطقة إلى وجهة رئيسية لمحبي هذه الرياضة من داخل المغرب وخارجه، في خطوة تهدف إلى تعزيز حماية الموارد الطبيعية وضمان استدامتها للأجيال القادمة. الجريمة الصامتة تعتبر تافراوت، بما تمتاز به من تضاريس وعرة وشاسعة، بيئة خصبة لانتشار الجريمة الصامتة التي تفتك بالحياة البرية وتزعزع الأمن البيئي، إذ تتنقل فيها عصابات متخصصة في صيد الأيل والغزلان المهددة بالانقراض، وفي ظل هذه المعركة البيئية التي لا تتوقف، نفذت فرق مشتركة من الدرك الملكي وشرطة القنص حملة أمنية واسعة، أسفرت عن إيقاف عدد من المخالفين وضبط كميات ضخمة من الأسلحة غير المرخصة. كما استهدفت الحملة المناطق التي شهدت زيادة ملحوظة في نشاطات القنص غير القانوني، وتم رصد العديد من عمليات الصيد غير القانونية التي تشمل الحيوانات المحمية، مع تجاوز الكميات المسموح بها قانونيامن الطرائد. وأسفرت الجهود الأمنية عن تحرير عدد من المخالفات بحق المتورطين، والجناة من القناصين المجهولين، الذين تمت إحالتهم على القضاء لمواجهة التهم الموجهة إليهم. توجيهات صارمة في خطوة حاسمة لضمان حماية التنوع البيولوجي والمساهمة في استدامة البيئة، ترأس المدير الجهوي للوكالة الوطنية للمياه والغابات بسوس ماسة، إلى جانب المدير الإقليمي للوكالة بتيزنيت ورئيس وحدة مراقبة القنص وتتبع الوحيش بتافراوت، اجتماعا هاما في أكتوبر الماضي، تزامنا مع افتتاح موسم الصيد، تم خلاله إصدار توجيهات صارمة ومباشرة لجميع المسؤولين عن مراقبة وضبط المخالفات المتعلقة بالقنص العشوائي في المنطقة. شدد المدير الجهوي في كلمته على ضرورة تكثيف الجهود لمكافحة كافة أشكال القنص غير المشروع، وأوصى بشن حملة ضد عصابات الصيد العشوائي التي تهدد حياة الأيل والغزلان المهددة بالانقراض، كما دعا إلى تعزيز التنسيق بين مختلف الوحدات المحلية والوطنية المختصة من أجل حماية الوحيش والحفاظ على هذه الثروة الطبيعية التي تواجه خطر الاستنزاف المستمر، وأكد أهمية توعية الصيادين والجمعيات المهتمة بالقنص بخطورة هذه الممارسات غير القانونية وأثرها السلبي على استدامة الحياة البرية. ورغم الجهود الكبيرة التي تبذلها مصالح المياه والغابات، فإنها غير كافية، في ظل التحديات المتزايدة التي تفرضها عمليات القنص العشوائي، الذي يعتبر خطرا داهما على التنوع البيولوجي ويهدد استقرار النظم البيئية في المنطقة، مما يتطلب تضافر الجهود بحزم وعزم لمكافحة هذا الخطر المحدق. عبد الجليل شاهي (أكادير)

تافراوت… عاصمة القنص العشوائي

الظاهرة تفشت بشكل كبير وباتت تهدد توازن النظام البيئي

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

جريدة الصباح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

12 سنة لمتهم بمحاولة القتل

لا مساواة في الحماية الاجتماعية

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات