الغلبزوري… رجل المواقف

نزل خبر وفاة القاضي امحمد الغلبزوري في حادثة سير شهدتها الطريق الرابطة بين الحسيمة وتازة في 1998، كالصاعقة. فلا أحد كان يتوقع رحيله المفاجئ في تلك الحادثة التي لقي فيها قاضيان آخران مصرعهما، إضافة إلى سائق السيارة التي كانوا على متنها متوجهين إلى العاصمة الرباط، بعدما صدمتهم شاحنة كانت قادمة من الاتجاه المعاكس، ولاذ سائقها بالفرار، ما أدى إلى سقوط السيارة في أحد الأودية وارتطامهم بمجوعة من الصخور، ووفاتهم في مكان الحادث. ولد المرحوم امحمد الغلبزوري سنة 1968 بدوار " ثاشثوين " الواقع بتراب جماعة بني حذيفة بإقليم الحسيمة، وسط عائلة مشربة بالفقه والقانون، وكان لها دور كبير في تشكيل وعيه وشخصيته الاجتماعية، حيث تعلم منذ صغره أهمية القيم والمبادئ الإنسانية. وتمتد جذوره العائلية إلى الشرفاء الغلبزوريين الذين انتشروا عبر العديد من المناطق بالإقليم، كالسواني وتماسينت. تابع دراسته الابتدائية بمدرسة محمد الخامس بالحسيمة، والإعدادية بالثانوية الإعدادية سيدي عابد والثانوية، بثانوية أبي يعقوب البادسي حيث حصل على شهادة الباكلويا، وبعدها على الإجازة في القانون من كلية الحقوق التابعة لجامعة محمد الأول بوجدة. ولم يجد المرحوم امحمد بعد تخرجه من الجامعة، الطريق مفروشا أمامه بالورود للالتحاق بوظيفة توفر له الكرامة الاجتماعية، حيث اعتكف داخل منزل أسرته بمدينة الحسيمة، أكثر من سنة فشرع في التحضير لمباراة الالتحاق بالمعهد العالي للقضاء، الشيء الذي تحقق له، إذ تمكن من النجاح، وبعد تخرجه من المعهد عين قاضيا بالمحكمة الابتدائية بالحسيمة. ويتذكر أحد أفراد عائلة المرحوم، أنه كان دائما يعمل لتحقيق قناعة شخصية، وهي أن يصبح قاضيا أومحاميا، ويقتدي بشقيقه محمد الغلبزوري المحامي بالحسيمة. نبل وسماحة أثبتت مواقف الراحل التي اتخذها في بعض القضايا شخصيته القوية في الأحكام التي أصدرها. وكان المرحوم حسب العديد ممن اشتغلوا رفقته يحكم بالعدل، وظل يتصدى لكل من سولت له نفسه المس بشرف مهنة القضاء ونبلها. كان رجلا يحظى باحترام وتقدير زملائه والمحامين، لأنهم خبروا نبله وسماحته، كما كان موضع ثقة من قبل الجميع، لأنه لايخشى في قول الحق لومة لائم. وإلى جانب ذلك فقد كان رحمه الله إنسانا متواضعا خلوقا محبا للجميع. أخلاقه الرفيعة وظروف وفاته إلى جانب زميلين له، صدمت كل من عرفه، وكانت جنازته المهيبة دالة على وزنه وأخلاقه الرفيعة. القاضي الحازم كان المرحوم امحمد الغلبزوري حريصا في عمله على مبادئ الوقار والشرف، وكان يسعى جاهدا رفقة زملائه بالمحكمة الابتدائية بالحسيمة لتبقى سمعة القضاء بالمحكمة ذاتها طيبة ونقية، لا تحركها الأهواء ولا تنحرف بها عن جادة الصواب فتتوغل في غياهب الظلم والفساد. وكان يعتبر دائما النزاهة والاستقامة هما محورا القضاء العادل، وفي غيابهما لا يمكن الحديث عن إصلاح القضاء مهما كانت الوسائل والآليات المسخرة لهذه الغاية. تواضعه وإنسانيته واستقباله المتقاضين بمكتبه بصدر رحب وبالابتسامة، كل ذلك جعل اسمه محبوبا بين مهنيي قطاع العدل الذين حزنوا لوفاته وفقدان قاض شريف. ارتباط قوي بمنطقته يقول أحد أصدقاء المرحوم إن علاقة الغلبزوري بمنطقته كانت علاقة شغف وحب جارف، وذلك مايفسر تعيينه قاضيا بالغرفة الجنحية بالمحكمة الابتدائية بمدينة الحسيمة، حيث ولد ونشأ وتربى. وكان ارتباطه وجدانيا بالمنطقة، حيث كبر وتربى، فكان لابد أن يرد الجميل لها وهي التي لم تأخذ حقها من التنمية. ظل المرحوم قبل وفاته متمسكا بالقيم التي آمن بها، وكان يختار بعض المقاهي الواقعة في بعض الأماكن البعيدة عن وسط المدينة للجلوس رفقة أعز أصدقائه الذي توفي معه ويتعلق الأمر بعبد المنعم الخطابي. لم يكن المرحوم يجد أي حرج للجلوس كذلك مع أبناء دواره بل كان يساعدهم ماديا. وحين توفي عمت الصدمة رفاقه في المهنة وآخرين وأقيمت له جنازة مهيبة، في الوقت الذي ألقى والده كلمة بمقبرة المجاهدين أبكت جميع المشاركين في الجنازة. جمال الفكيكي (الحسيمة)

الغلبزوري… رجل المواقف

توفي في حادثة سير رفقة قاضيين وكان يعتبر النزاهة والاستقامة محوري القضاء العادل

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

جريدة الصباح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

المطلقات بأبناء يتنفسن الصعداء

تنمية الأموال المكتسبة... تدليس على المدونة

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات