أنفاس العدالة الانتقالية

احتفل المغرب والمغاربة، ومعهم كل الحقوقيين والديمقراطيين التواقين إلى المساهمة في تأسيس بلدان حرة وديمقراطية تتسع لأحلام شعوبها، طيلة الشهور الأخيرة، بالذكرى العشرين لتأسيس هيأة الإنصاف والمصالحة. وتوجت هذه الاحتفالات بمناظرة دولية دعا إليها المجلس الوطني لحقوق الإنسان،والجهة المكلفة بتنفيذ توصيات هيأة الإنصاف والمصالحة، وغرفتا البرلمان. حضر المناظرة الدولية، التي دعا إليها المجلس الوطني لحقوق الإنسان، والجهة المكلفة بتنفيذ توصيات هيأة الإنصاف والمصالحة، خبراء من المغرب والعالم، سيما الأفارقة والأوربيين، بالإضافة إلى وجوه من عالم الأدب والثقافة والفن المرتبطين بحقوق الإنسان والحريات، والعارفين بكنه العدالة الانتقالية وأهميتها في بناء أوطان قائمة على حقوق الإنسان والحرية، إذ كان من بين الحضور الكاتب والشاعر والروائي النيجيري وولي سوينكا، الحاصل على جائزة نوبل للآداب (1986)، وهو الكاتب الذي عرف كيف يرسم، روائيا، عالما خاليا من فظاعات الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان التي كان شاهدا عليها في أكثر من بلد إفريقي. وأهم ما ميز هذا اللقاء كان توجيه الملك محمد السادس رسالة سامية إلى المشاركين فيه، إذ اعتبرها الحاضرون، من جنوب إفريقيا إلى الدنمارك، مرورا بالدول الإفريقية والأوربية المشاركة، أنها رسالة كتبت من ملك مسكون بالإنصاف والتوجه نحو المستقبل، وهو ما أملى على كافة المتدخلين من الأجانب والمغاربة توجيه الشكر أولا إلى جلالة الملك، الذي بدون ضماناته، ورؤيته المشدودة الى المستقبل لما كتب لهذه التجربة الرائدة، التي قامت في ظل استمرار النظام السياسي نفسه، أن تحقق النجاح والفرادة والريادة العالمية. وثانيا إلى كافة المغاربة، بدءا بضحايا الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان الذين ساهموا في إبداع التجربة عبر نقاشات جادة وعميقة داخل إطارهم التنظيمي الذي ما زال يرافع لدى الجهات المعنية، سيما المجلس الوطني لحقوق الإنسان، حول أوضاعهم ودقائق ملفاتهم بالحكمة السياسية والحقوقية اللازمة، أي المنتدى المغربي للحقيقة والإنصاف، الذي تشرفت في الاشتغال فيه عضوا مؤسسا، ثم نائبا للرئيس. الشاهدون على نجاح التجربة المغربية في الإنصاف والمصالحة يشهدون، كذلك، كيف ساهم الضحايا في وحدة وأمن وطنهم والذهاب به إلى بر الأمان الديمقراطي، وعرفوا أيضا كيف يحمون تجربة الإنصاف و المصالحة، التي أصبحت تعبيرا عن الذكاء السياسي الجماعي للمغاربة، غداة ما عرف ب"الربيع العربي"، الذي لم تنته آثاره المدمرة إلى اليوم، إذ كانوا من الأوائل الذين بادروا إلى تقديم اقتراحات من أجل تقوية الديمقراطية المغربية إلى اللجنة الملكية التي كلفت بصياغة دستور 2011، وبذلك ساهموا في تحقيق دستور يليق بالمرحلة، متضمنا دسترة توصيات هيأة الإنصاف والمصالحة، دعما لمسار الإنصاف والمصالحة، وللمغرب المتسع للجميع. خلال الندوة، لفتت انتباهي مسألة مهمة طرحتها آنذاك في النقاش الهام والعميق الذي عرفته المناظرة، وهي الخلط الحاصل عند كثير من المشاركين، ومنهم المغاربة، بين هيآت الإنصاف والمصالحة باعتبارها مؤسسات لتحقيق الغرض من قيامها، والتي اتخذت في تجارب أخرى أسماء مختلفة، وبين العدالة الانتقالية منهجية للاشتغال بهدف، ليس فقط تحقيق المصالحة والإنصاف، بل تقوية التجارب الديمقراطية. صحيح أن فقهاء المصالحة يتفقون على أن المصالحة "مصالحات"، وأن العدالة الانتقالية "عدالات"، إلا أنه من الضروري إدراك أن التجارب التي اعتمدت العدالة الانتقالية منهجا للإنصاف والمصالحة، ومنها المغرب، وعت أن هذا الإعلان التزام مع المستقبل. لذا فعمل الهيآت، مهما كانت تسميتها، ينتهي مع انتهاء مدتها المعلنة، وإعلانها عن نتائج عملها، وعن توصياتها. أما إعلان دولة ما السير على هدى العدالة الانتقالية لتحقيق الإنصاف والمصالحة والعدالة، فيعني أولا، التزام هذه الدولة بحماية تجربتها الديمقراطية الصاعدة إلى حدود بلوغ دولة الحق، الخالية كلية من أي نوع من أنواع الإخلال بالقانون، ومن أي مس بحقوق المواطنين أو بكرامتهم. وغني عن القول أن هذا الاختيار مسار طويل ومعقد، يتطلب الرهان على ثقة المواطنين، وتعميق استعمال الذكاء السياسي الجماعي في الاشتغال مع الفرقاء الديمقراطيين، وتحصين خطوات التقدم السياسي والحقوقي، مهما كانت صغيرة، والابتعاد عن مزايدات حملة الإيديولوجيات، مهما كانت خلفياتهم. * رئيس مركز الذاكرة المشتركة من أجل الديمقراطية والسلم نائب الرئيس السابق للمنتدى المغربي للحقيقة والإنصاف

أنفاس العدالة الانتقالية

يسود خلط بين العدالة الانتقالية وهيآت الإنصاف والمصالحة (2/1)

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

جريدة الصباح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

لقجع: كلفة الإعفاء تجاوزت مليار درهم

المرضي: مسرحية رديئة الإخراج

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات