لن تنسينا أربع لبؤات وأسدان، في حالة صحية جيدة، من فصيلة بربرية/أطلسية، "سبع عين السبع". ولا تستطيع كل الأصناف والسلالات والنعامات والقرود والزرافات والنمور والتماسيح والعفاريت، والطيور الملونة، و"فلامون غوز" الفاتنة، حين تنحني لشرب الماء، التغطية على غيابه القسري. هناك أسد واحد وحصري ووحيد، هو أسد حديقة الحيوانات عين السبع، والباقي كله تقليد، وخداع من الذكاء الاصطناعي، و"هولوغرام" حيواني مكشوف لن ينطلي على أحد. لم تشتهر حديقة الحيوانات بعين السبع إلا بأسدها الهرم، بفروه الذي سقط نصفه، ونابين نخرهما السوس، وبقليل من الزغب العالق في تاجه الملوكي المذهب، وبكثير من الهدوء والثقة في النفس. ولم نكن لنشد الرحال من بقاع البيضاء، بملابسنا البالية، وأحذيتنا المغبرة، إلا من أجل "عيون" السبع، رغم أنه لم يرنا، يوما، من شدة نومه واسترخائه الأبدي. نأتي إليه فرادى، أو جماعات، أو "سالتين" من حصة الرياضيات. نأتي إليه فرحين وغاضبين وناشطين و"ماشطين" وباكين من قلة ذات اليد. نأتي في كل أحوالنا، المهم أن نأتي في الموعد، وفي بعض المرات خارج الموعد، لكن نأتي. الحج إلى "سبع" عين السبع، دون غيره من الحيوانات الأخرى، طقس أسبوعي، مثله مثل الذهاب إلى سوق أسبوعي في بادية، ومثله مثل الذهاب إلى قاعات السينما لتسول ورقة "أونطراكت" بين فيلمين (هندي وكراطي). لا تهمنا هزالته وهيأته التي تثير الشفقة، وضلوعه الناتئة ونومه المزمن، المهم أن نصطف مرعوبين أمام رزانته، وهو يأخذ كل الوقت لإغماض عينيه المعمشتين وفتحهما في دلال، أو تمرير لسانه الأحمر على فمه، وهو يطرد ذبابة، أو حين يستلقي على ظهره، غير مبال بحركاتنا البهلوانية من خلف القفص. رغم عدم مبالاته، نعرف أن أسد عين السبع كان ينتظرنا، ويتسلى بوجودنا وتقافزنا من خلف السياج الحديدي، وكان يجبر خواطرنا، حين يقبل على أكل أي شيء يرمى له، حتى أنه قرر، إرضاء لشغبنا، تغيير نظامه الغذائي من كائن لحوم يحب رائحة الطرائد والفرائس الحمراء، إلى كائن عاشب. من أجلنا، كان أسد عين السبع، يأكل النعناع والخص والطماطم والجزر والموز وقطع التفاح والإجاص، وحين بدا لنا أن معدته تعودت على الخضروات والفواكه الطازجة، انتقلنا إلى تجريب الفواكه الجافة، فكان يلتهم حبات الفول السوداني والحمص، وأحيانا الذرة المشوية و"طايب وهاري" والبلوط، ويلحس مصاصات "كوجاك" المرمية بجانبه. لم يتخل "سبع" عين السبع عن نخوته وعزة النفس، رغم الظروف التي مر منها، ولم يتطلع إليك يوما بعينيه من أجل لقمة، أو حبة موز، كما تفعل القردة، وما أكثرها. لم يشك يوما من هجر لبؤاته له، ولم يحتج، حين قرروا، ذات ليل، وضعه في شاحنة أزبال، وترحيله إلى ضواحي المحمدية. استسلم إلى الأمر الواقع، كما يفعل الكبار.. واختفى إلى الأبد. للتفاعل مع هذه الزاوية: mayougal@assabah.press.ma