فضيحـة مدويـة للجزائـر

شكل القرار 2756 الصادر عن مجلس الأمن، الخميس الماضي، صفعة جديدة لنظام العسكر في الجزائر، الذي وجد نفسه في مواجهة مكشوفة مع الدول الكبرى في مجلس الأمن، لمناسبة مناقشة التقرير الخاص بالصحراء المغربية. وتابع الرأي العام فضيحة مندوب الجزائر، العضو غير الدائم في المجلس، وهو يعبر عن أزمة الدبلوماسية الجزائرية وتناقضاتها، إذ وجد نفسه في مأزق، في مواجهة مشروع القرار، والذي يدعو جميع الأطراف بما فيها الجزائر إلى تحمل المسؤولية، والعودة إلى الموائد المستديرة، من أجل البحث عن حل سياسي متوافق عليه، ينهي الصراع، ويفتح أفقا جديدا للسلم والتعاون في إطار المغرب الكبير. وفي الوقت الذي ظلت الجزائر تدعي أنها غير معنية بالملف، بدا واضحا للمنتظم الدولي، أن النزاع في الحقيقة هو بين المغرب والجزائر، والدليل على ذلك، هو أن الجارة الشرقية للمغرب، جعلت من قضية الصحراء قضيتها الأولى، والتي عبأت لها على مدى عقود، كل إمكانيات الشعب الجزائري، لمعاكسة حق المغرب في استكمال وحدته الترابية، وعرقلة كل الجهود الأممية من أجل إنهاء النزاع، وفتح صفحة جديدة بين الرباط والجزائر. وأوصى القرار الأممي الجديد، بتمديد مهمة "مينورسو" لسنة جديدة، ودعم جهود المبعوث الشخصي للأمين العام في البحث عن حل سياسي، انطلاقا من مقترح الحكم الذاتي، الذي تقدم به المغرب في 2007، والذي بات يحظى بدعم دولي، توج باعتراف الولايات المتحدة وفرنسا وإسبانيا بمغربية الصحراء، وفتح أزيد من ثلاثين قنصلية في العيون والداخلة. كما عمق القرار عزلة الجزائر، ووضعها في موقع الطرف الرئيسي، على اعتبار أن ميليشيات "بوليساريو" ليست سوى صنيعة متحكم فيها من قبل العسكر، وتعمل تحت توجيهاتها وتمويلها وتسليحها لزراعة استقرار المنطقة. وقال نوفل البعمري، المحلل السياسي، إن قرار مجلس الأمن الجديد، جاء ليعمق العزلة السياسية، التي يعيشها النظام الجزائري، خاصة أنه كان يعتقد بأن عضويته غير الدائمة بمجلس الأمن، سيستغلها للضغط والتأثير من أجل تغيير مسار العملية السياسية، ودفع المجلس نحو تبني خيار جديد في مقاربته للملف، وهو ما لم يحصل، لأن موقف الولايات المتحدة الأمريكية صاحبة القلم كان واضحا، وهو رفض أي مقترح جزائري، يريد أن يعيد عقارب النقاش الأممي، إلى ما قبل 2007، سواء في ما يتعلق بالحل المقترح أو بمقترح تعديل مهام "مينورسو". وأوضح البعمري في حديث مع "الصباح"، أن الموقف الذي اتخذه النظام الجزائري بمجلس الأمن، غير منضبط للوائح مجلس الأمن، التي تخير الدول بين التصويت بنعم أو لا أو الامتناع، لكن المبعوث الجزائري اختار الانسحاب، مع أخذ الكلمة بالمجلس، بعد انتهاء التصويت، وهي الكلمة التي لم يستطع من خلالها تقديم أي مبررات لموقفه الغريب والمستهجن داخل مجلس الأمن. وما يثير الانتباه، يقول البعمري، أن الجزائر وجدت نفسها معزولة ليس فقط في علاقتها مع الولايات المتحدة الأمريكية، بل أيضا في العلاقة مع روسيا ، التي اختارت موقفا مغايرا عن الموقف الجزائري، واتخذت مسافة منه، إذ امتنعت عن التصويت في تقليد درجت عليه، بسبب تحفظها على "احتكار" الولايات المتحدة الأمريكية لصياغة المسودة، بمعنى أن موقفها شكلي ومسطري، وليس جوهريا مرتبطا بنص القرار. وقال المحامي والناشط الحقوقي إن الجزائر كرست عزلتها السياسية والدولية بهذا الاختيار، مؤكدة أنها طرف أساسي معني بالنزاع، ومسؤولة عن استمراره، من خلال رفضها لأي تسوية سياسية، على أرضية قاعدة قرارات مجلس الأمن. كما أنها مستعدة للقيام بكل ما من شأنه أن يؤدي إلى إدامة النزاع، وعدم التوصل لحل للاستمرار في استعماله ورقة سياسية داخلية وخارجية ضد المغرب، تكريسا لسياستها العدائية تجاه المغرب. من جهته، قال محمد بودن، الخبير في الشؤون الدولية المعاصرة، إن القرار الأممي 2756 يمثل انعكاسا للدينامية الدولية بشأن سيادة المغرب على صحرائه والتأييد الدولي الواسع الذي يتمتع به الموقف السيادي الوطني بقيادة الملك محمد السادس. كما يعزز القرار الجديد دور المملكة دولة محورية في المنطقة، يقول بودن، إذ أنه يقر بالزخم المحقق على ضوء مواقف أعضاء في مجلس الأمن واستمرار دعم مبادرة الحكم الذاتي، وسحب الاعترافات بالكيان الوهمي، بما يختزن دعما لسيادة المغرب على صحرائه، وإرادته على وحدته الترابية. وأوضح الخبير في الشؤون الدولية المعاصرة، في حديث مع "الصباح" أن القرار جاء ملبيا لتطلعات المغرب وبني على مكاسب المملكة والتطور الحاصل في الرؤية الدولية للحل السياسي، على ضوء مبادرة الحكم الذاتي التي تم دعمها بمواقف قوية في مختلف المنابر والمنتديات الدولية والإقليمية، خلال السنوات الأخيرة، مضيفا أن اعتماد القرار 2756 بإرادة دولية قوية من قبل القوى الدولية الكبرى، يجعله قرارا طموحا يهدف إلى بعث المسار السياسي، من جديد على أساس صيغة الموائد المستديرة بالأطراف المشاركة نفسها. لقد حظي القرار بدعم أغلب الدول الدائمة والدول غير الدائمة، بعد محاولة معزولة ومفتقرة للمنطق من قبل الجزائر لعرقلة تمرير القرار، وهو الأمر الذي أصاب الجزائر بخيبة أمل كبرى، أكدت أن تحركاتها لم تكن ذات جدوى في مجلس الأمن، وبالتالي عزلت نفسها عن التطورات الدولية في الملف، وخلطت بين مصالحها ومصالح الأمم المتحدة، ما أدى إلى نتائج عكسية. انتكاسات دبلوماسية يفتح القرار 2756 نافذة متجددة من أجل التقدم في العملية السياسية، عبر تأكيد الدعم للمبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة، دي ميستورا، والحاجة للبناء على زخم الموائد المستديرة السابقة في 2018 و2019، فضلا عن إيلاء الاهتمام للعملية السياسية، باعتبارها خيارا لا رجعة فيه. إن مضمون القرار الأممي، يقول بودن، يعكس رأيا واضحا لدى المجتمع الدولي بشأن الوضع الراهن للعملية السياسية، ويحث الجزائر على الاستجابة الصادقة والامتثال بأمانة للإرادة الدولية، وبالتالي، فالجزائر مطالبة بقراءة صحيحة للقرار الأممي، والابتعاد عن ردود الفعل الجوفاء، باعتبارها الطرف الرئيسي في النزاع المفتعل حول الصحراء المغربية. وقد تأكد المجتمع الدولي في جلسة 31 من أكتوبر الماضي، أن الجزائر منغمسة في حلقة مفرغة من الانتكاسات الدبلوماسية في النزاع الإقليمي المفتعل حول الصحراء المغربية. وأكد بودن أن القرار الأممي الجديد يبعث إشارة قوية ورسالة لا لبس فيها للجزائر، لتتحمل مسؤوليتها على أكثر من مستوى، و"بوليساريو" بخصوص تورطها في تقييد عملية الإمداد الآمن لبعثة "مينورسو"، وتحرك أفرادها بحرية في الإطار العملياتي. برحو بوزياني

فضيحـة مدويـة للجزائـر

البعمري: القرار 2756 عمق عزلتها السياسية وعرى تورطها في النزاع المفتعل

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

جريدة الصباح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

بوادر‭ "‬انقلاب‭" ‬في‭ ‬الصحة‭ ‬والتعليم

تدهور وضعية سوق " ميرادور " بالحسيمة

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات