غابت ملفات كبرى انتهت أحكامها وأخرى استبقت الحسم في الجرائم الأصلية الساعة الواحدة بالمحكمة الزجرية عين السبع المختصة في القضايا الجنحية. الفضاء يعج بالمحامين والمتقاضين، ومؤثث بأرقام قاعات ممتلئة عن آخرها، تحوي جلسات المحاكمات. في أقصى الجانب الأيمن، ممر يفضي إلى القاعة 2، حيث جلسات ملفات جرائم غسل الأموال. حضور مختلف عن باقي القاعات الأخرى التي تعالج القضايا الزجرية. هدوء بهذا الفضاء الذي لا يعكر صفوه إلا ما يسمع من حديث متسلل من خارجه. إنهم أظناء من نوع آخر، ملاحقون في حالة سراح، بتهم غسل الأموال، نساء ورجال يصغون بإمعان إلى مرافعات الدفاع، وردود رئيس الهيأة، وتدخلات النيابة العامة... إعداد: المصطفى صفر تصادفت تغطية الجلسة، بمثول أصحاب شركات وأعضاء وداديات أو مستخدمين بها، وجدوا أنفسهم، في ملاحقة بشبهة تبييض الأموال، وتوحدت مرافعات الدفاع في التماس استبعاد التهم، ببسط الأسباب واستبيان موقع المطلوب قضائيا، وانتفاء الجريمة الأصلية. كما تشابهت دفوع المحامين، هذا اليوم، حول رفع العقل عن الممتلكات وتجميد الأموال. ممنوع من صرف المعاش أحد الأظناء، توبع في ملف ودادية سكنية، مازال لم تصدر فيه الأحكام النهائية، بعد أن تعرض للنقض والإحالة على هياة أخرى. جاءت متابعته بناء على شكاية رفعها عدد من الأشخاص، كانوا منخرطين في ودادية سكنية، رئيسها معتقل ومازال ملفه معروضا أمام القضاء، اتخذت في حقه إجراءات، ضمنها عقل الممتلكات وتجميد حسابه البنكي، بل حتى معاشه منع منه، وأصبح محروما من تدبير مصاريفه اليومية. انتفض الدفاع ضد الإجراء واعتبره غير قانوني، ملتمسا البت في رفع الحجز على المعاش. واعتبر الدفاع أن موكله لا تربطه أي علاقة بالودادية، ورغم ذلك تم عقل ممتلكاته وحسابه البنكي، متسائلا في الآن نفسه عن جواز عقل ممتلكات اكتسبت قبل تأسيس الودادية السكنية بسنين، وعن مدى صحة تحريك المتابعة في جريمة غسل الأموال، التي تعتبر جريمة لاحقة للجريمة الأصلية، وغيرها من الاستفهامات التي عززها الدفاع بملف ضخم للوثائق التي تبين تواريخ اكتساب الممتلكات وعقود توثيقها، وبيانات الحسابات البنكية. مستخدمة "مبيضة"! تبييض الأموال أو غسلها، المقصود به استعمال أموال متأتية من جرائم النصب أو الاتجار في المخدرات وغيرها من الجرائم المحددة قانونا، لإخفائها وإضفاء الشرعية عليها. وضمن المتابعين في جلسة الأربعاء الماضي، امرأتان، خضعتا لأبحاث من قبل الشرطة القضائية، لم تتابعا في ملف الودادية السكنية، ولكن جرتهما شكاية إلى النيابة العامة، مستقلة عن الدعوى الرائجة، إلى مساطر البحث التي أشرفت عليها الضابطة القضائية، ثم الإحالة على قاضي التحقيق، قبل تسطير المتابعة في حقهما وعرضهما على الجلسات بالقاعة رقم 2. يروي الدفاع أن إحدى المرأتين توبعت وخضعت لأبحاث انتهت إلى أنها تلقت تحويلات مالية من الودادية. وإذا عدنا إلى تلك التحويلات، فإنها لا تشكل إلا أجرها المتمثل في 5000 درهم شهريا، بصفتها مستخدمة بالودادية، متسائلا أين الجرم هنا؟ ولفت الدفاع انتباه المحكمة إلى أخطاء مادية وردت في محاضر الاستنطاق التفصيلي لموكلته، عندما وصفها قاضي التحقيق بالمدانة من أجل الأفعال المنسوبة إليها، رغم أنها لم تكن متابعة أبدا، في ملف الودادية السكنية، الذي مازال رائجا ولم تصدر فيه أحكام نهائية بسبب نقضه. ولم يتوقف المحامي عن ذكر عيوب وردت في الأبحاث والتحقيق، وضمنها أن المعنية بالأمر ليست عضوا وأن الشكاية قدمتها بهذه الصفة، مؤكدا أنها مجرد مستخدمة ولا تتدخل في قرارات الودادية ولا صفة لها في ذلك. وثائق كثيرة للتحقق تسلمت هيأة الحكم في جلسة الأربعاء الماضي، عددا كبيرا من الوثائق والمستندات، منها ما تعلق بالحسابات البنكية أو ما تعلق بوثائق المنقولات وأيضا العقارات، إذ كل محام قدم ملفات ضخمة للمحكمة، مطالبا بالتدقيق فيها والتأكد إن كانت المنقولات المحجوزة والحسابات المجمدة والعقارات التي تعرضت للعقل، متأتية من جريمة غسل الأموال. وحرص الدفاع على التأكيد عن أن عقل الممتلكات وتجميد الحسابات أضر بالأظناء، ومنعهم من حق التصرف، رغم أنها ممتلكات سابقة عن تاريخ تأسيس الودادية، ولدى الأظناء الوثائق التي تؤكد حيازتها قبل ذلك، كما لهم من المستندات ما يفصح عن مصدرها. وقارن الدفاع بين جرائم تبديد المال العام، التي تأتي فيها الأحكام آمرة بإجراء الخبرة لفرز الأموال المتحصلة عن جرائم نهب المال العام من غيرها، متسائلين عن سبب عدم إجراء هذه التقنية أثناء التحقيق مع المتهمين، كما أن الجريمة التي تنظر فيها المحكمة تفترض العلم بأن الأموال متأتية من جرائم تدخل في أفعال جريمة غسل الأموال. أربع محاكم أربع محاكم ابتدائية، أصبحت مختصة في جرائم غسل الأموال، بعد المرسوم الصادر في الجريدة الرسمية عدد 7023، والذي يقضي بتحديد دوائر نفوذ المحاكم المختصة في جرائم غسل الأموال. وبموجب هذا المرسوم الذي حمل رقم 2.21.670، سيمتد الاختصاص إلى المحكمة الابتدائية الزجرية بالبيضاء، والمحكمة الابتدائية بفاس، والمحكمة الابتدائية بمراكش. بعدما كان الأمر محتكرا على المحكمة الابتدائية بالرباط في جرائم غسل الأموال. وجاء المرسوم في إطار تنزيل مقتضيات المادة 38 من القانون 12.18 المتعلق بمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، بغية تخفيف الضغط عن محكمة الرباط، الوحيدة التي كان لها الاختصاص الوطني. وهدف هذا المرسوم إلى تحسين وتيرة البت في الملفات، وتحقيق النجاعة القضائية في معالجة القضايا المتعلقة بغسل الأموال، ومسايرة الجهود المبذولة في مجال تقوية آليات البحث والتحري في هذا النوع من الجرائم، خاصة على مستوى إحداث أربع فرق جهوية للشرطة القضائية متخصصة في الجرائم المالية والاقتصادية، بمدن الرباط والبيضاء وفاس ومراكش. التصريح بالاشتباه ألزم القانون وحدة معالجة المعلومات بمجرد توصلها بمعلومات تظهر وجود أفعال، من شأنها أن تشكل جريمة غسل الأموال أو تمويل الإرهاب، وإحالة الأمر على النيابة العامة بالمحكمة الابتدائية المختصة أو محكمة الاستئناف بالرباط قصد اتخاذ الإجراء القانوني المناسب، ويجوز لتلك المحاكم خلال مرحلة البحث أن تأمر بتجميد ممتلكات المشتبه فيهم أو تعيين مؤسسة لمراقبتها. ومن بين النقاط المهمة، ما أشارت إليه المادة 32 من القانون 12.18 في شأن إحداث لجنة تحمل اسم اللجنة الوطنية المكلفة بتطبيق العقوبات المنصوص عليها في قرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة ذات صلة بالإرهاب وانتشار التسلح وتمويلهما، والتي تعمل على التجميد الفوري ودون إنذار مسبق لممتلكات الأشخاص الذاتيين أو الاعتباريين أو الكيانات أو التنظيمات أو العصابات أو الجماعات المتعلقة بالإرهاب أو انتشار التسلح، وتمتد آثار التجميد وحظر التعامل والمنع من السفر، إلى كل الأشخاص الاعتباريين التابعين لهم. ثلاثة أسئلة: ملفات مغيبة هل جرائم غسل الأموال تحال كلها على المحاكم المختصة؟ سؤال وجيه، المتتبع لا يمكنه إلا اعتبار أن المزاجية هي التي تحكم الإحالة بجريمة غسل الأموال، فالأصل أن هذه الجريمة تابعة لجرائم أصلية، وفق ما هو مذكور في الفصل 1 - 547، الذي يعرف الأفعال التي تتولد عنها جريمة غسل الأموال، إذ ينص على أن اكتساب أو حيازة أو استعمال ممتلكات أو عائداتها لفائدة الفاعل أو لفائدة الغير، مع علمه أنها متحصلة من إحدى الجرائم المنصوص عليها في الفصل 2-574 بعده. والمتتبع يرى أن العديد من الملفات المتعلقة بالنصب والتسويق الهرمي والاتجار في المخدرات، لم تحل بعد على القضاء وهي مغيبة عن الهيآت القضائية المتخصصة في غسل الأموال، ويتهدد أحكامها وملفاتها الأصلية التقادم، وبالعكس ملفات أخرى جرى تسريع إحالتها، رغم عدم وجود متابعة بجريمة أصلية، وهذا يطرح استفهامات عريضة ينبغي توضيحها وتصحيحها. ماذا عن عقل الممتلكات وتجميد الحسابات؟ أعطى القانون للنيابة العامة أو قاضي التحقيق، الاختصاص بالأمر بالحجز على أموال أو عقارات المتهمين أو المحقق معهم، وتفعيل آلية عقل العقارات. وسار التوجه القضائي على الحجز على أموال وعقارات المتهمين أو عقلها حتى قبل الإدانة في الجريمة الأصلية، لضمان عدم التلاعب بتفويت تلك الأموال والممتلكات عن طريق تفويض حق التفويت، ولا يتم رفع الإجراء، إلا إذا حصلوا على البراءة بحكم نهائي غير قابل لأي طعن، وفي حال الإدانة تصادر أموال وعقارات جرائم اختلاس أموال عمومية وخصوصية المحجوزة أو التي تم عقلها لفائدة الدولة. هل تكتفي محاربة غسل الأموال بالعقوبات القضائية؟ سن القانون إجراءات تأديبية، إضافة إلى العقوبات التي تصدرها سلطات الإشراف والمراقبة في حق الأشخاص الخاضعين لها، ضمنها التوقيف المؤقت أو المنع أو الحد من القيام ببعض الأنشطة أو تقديم بعض الخدمات، إلى جانب رفع الحدين الأدنى والأقصى للغرامة المحكوم بها على الأشخاص الذاتيين في جريمة غسل الأموال المنصوص عليها في الفصل 3-574 من مجموعة القانون الجنائي، تماشيا مع المعايير الدولية التي تدعو إلى ضرورة وجود عقوبات رادعة ومتناسبة مع خطورة هذه الجريمة، بالإضافة إلى تعزيز إجراءات اليقظة والمراقبة الداخلية، وإرساء قواعد الاعتماد على أطراف ثالثة، من أجل تنفيذ المقتضيات، المتعلقة بتحديد هوية الزبون والمستفيد الفعلي وبفهم طبيعة علاقة الأعمال، مع إدخال تغييرات جديدة على السلطات الحكومية المعنية بمراقبة جرائم غسل الأموال، إذ أنيطت أيضا بالسلطة الحكومية، المكلفة بالداخلية والسلطة الحكومية المكلفة بالمالية لتشديد المراقبة، وإحداث سجل عمومي لتحديد المستفيدين الفعليين من الأشخاص الاعتباريين المنشئين بالمملكة المغربية، لمنع المجرمين وشركائهم من اختراق السوق وإسناد مهمة تدبيره لوزارة المالية. (*) عبد اللطيف رزوق محام بالبيضاء