الوزير السابق والرجل النافذ بالفقيه بنصالح متهم باستغلال النفوذ والتزوير والارتشاء والاختلاس محمد مبديع، شخصية ملأت الدنيا وشغلت الناس، وأثارت الكثير من الجدل في حركاتها وسكناتها، فمن وزير سابق وبرلماني وأحد الأعيان، الذي لقب بـ"إمبراطور الفقيه بنصالح" وصاحب العرس الأسطوري الذي أقامه لابنه، إلى واحد من أكبر المعتقلين احتياطيا في سجن "عكاشة" بالبيضاء، لمحاكمته بشأن تهم جنائية خطيرة، تتعلق بجرائم الأموال. إنجاز: محمد بها تحفل قضية محمد مبديع الرئيس السابق لبلدية الفقية بنصالح الذي عمر لعقدين ونصف في رئاسة المجلس الجماعي، بكثير من التشويق والإثارة، حيث تتميز بمتابعة كبيرة من قبل مختلف وسائل الإعلام الوطنية، الساعية إلى سبر أغوار ملف شائك يكشف الوجه الحقيقي عن مسؤولين كبار خانوا أمانة من قلدوهم تسيير الشأن المحلي والعام. وتحولت غرفة الجنايات الابتدائية بمحكمة الاستئناف بالبيضاء، إلى قبلة للصحافيين والمتتبعين الراغبين في التعرف على كواليس السقوط في المحظور، المتمثل في اختلاس المال العام وكيف كان المتهم محترفا في القيام بتلاعبات مالية، جعلته بعيدا عن المساءلة إلى أن وقع في خطأ قاتل جعله مضمون تقارير سوداء، صادرة عن المجلس الأعلى للحسابات والمفتشية العامة لوزارة الداخلية، قبل أن يتم جره للتحقيق والاعتقال بعد شكاية تقدمت بها الجمعية المغربية لحماية العام ضد محمد مبديع، تمت إحالتها على عناصر الفرقة الوطنية للشرطة القضائية من قبل صالح التيزاري الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف بالبيضاء. تهم جنائية خطيرة في انتظار استئناف جلسات محاكمة محمد مبديع الوزير السابق في نونبر المقبل، لمعرفة تطوراتها، لا بد من تسليط الضوء على التهم التي جعلته يصير من بين نزلاء سجن عكاشة بالبيضاء، إذ تقررت متابعة الشخصية النافذة في حالة اعتقال، على خلفية متابعته بتهم جنائية خطيرة، تتعلق بتبديد أموال عمومية واختلالات وخروقات مالية بجماعة الفقيه بنصالح والتزوير في محرر رسمي واختلاس وتبديد أموال عامة، والارتشاء، واستغلال النفوذ، بالإضافة إلى المشاركة في إصدار إقرار صادر عن طبيب أثناء مزاولته مهنته، بقصد المحاباة واستعماله. وبالموازاة مع انطلاق جلسات محاكمته، التي ستحفل بالكثير من الحقائق المدوية، وجد مبديع نفسه في ورطة كبيرة إثر دخوله في رحاب "جرائم الأموال"، حيث تطارده تهم ثقيلة تتعلق باختلاس وتبديد أموال عمومية وكيف تلاعب المال العام لتحقيق الاغتناء غير المشروع. ولا شك أن قضية مبديع تعرف متابعة دقيقة من قبل الجمعية المغربية لحماية المال العام، التي أخذت على عاتقها المطالبة بتحريك المتابعات القضائية ضد المفسدين ولصوص المال العام مهما كانت مراكزهم ووظائفهم واتخاذ إجراءات حازمة ضدهم وفي مقدمتها عقل ممتلكات المتورطين في جرائم الفساد ونهب المال العام في أفق مصادرتها وإصدار أحكام رادعة ضدهم، حيث سبق أن أشادت الجمعية الحقوقية على لسان رئيسها محمد الغلوسي بقرار متابعة رئيس جماعة الفقيه بنصالح ومن معه في حالة اعتقال، إذ اعتبر القرار الصادر عن الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف بالبيضاء، قرارا جريئا وخطوة أولى في مسار تحقيق العدالة والتصدي للفساد والرشوة ونهب المال العام واستغلال النفوذ. ملايين في حسابات شخصية من العمليات التي طوقت عنق محمد مبديع في انتظار إيجاده تفسيرات منطقية لها، خلال جلسات محاكمته المقبلة، تلك التي تتعلق بالاختلاس والتبديد، إذ أظهرت التحقيقات التي باشرتها عناصر الفرقة الوطنية للشرطة القضائية أنه أجرى عمليات وصلت في مجملها إلى 11 مليارا، استفاد مبديع من العديد منها من خلال التحويلات التي كانت تتم لفائدته في عدد من الصفقات والعمليات من بينها 400.000 درهم التي ضخها في حسابه الخاص بصفته رئيسا لجمعية الفقيه بنصالح للثقافة والفنون، من قبل أمينها العام، بعد سحبه بكيفية مشبوهة من الحساب الخاص بالجمعية، هذا بالإضافة إلى الصفقات التي كان يمررها لفائدة بعض الشركات، من خلال أدائه لما يقارب 4.920.000.00 درهم لفائدة مكتب للدراسات بشأن صفقة معينة، على أنها جزء من أعمال بعد يوم واحد من إصداره الأمر ببدء أعمال المكتب، وهو ما اعتبرته التحقيقات تزويرا في وثائق الصفقة، التي أبرمت لتسوية أعمال تم الشروع فيها من قبل. ومن الاختلالات المنسوبة إلى مبديع، باعتباره رئيسا لجماعة الفقيه بنصالح، تجنيب شركة تعاقد معها في وقت سابق من أداء غرامة التأخير للجماعة عن صفقة كلفت بإنجازها بحوالي 5.654.090.901 درهم، ما جسد ضياعا واضحا لأموال الجماعة، من خلال تزوير تاريخ محضر التسلم المؤقت للأشغال وكشف حساب الأشغال والادعاء بانتهائها في الوقت المحدد لها. صفقات مشبوهة... في انتظار التفاصيل يحفل ملف محمد مبديع بالكثير من الحقائق الغامضة، التي عكف المحققون بالمكتب الوطني لمكافحة الجريمة الاقتصادية والمالية بالفرقة الوطنية للشرطة القضائية على فك ألغازها، في انتظار التفاصيل التي ستكشف عنها جلسات محاكمته بغرفة الجنايات الابتدائية بمحكمة الاستئناف بالبيضاء، ضمنها ما يتعلق باتهامات تتضمن استغلاله لنفوذه والتلاعب في 566 مليونا و470 ألف درهم، خصصتها الدولة لتأهيل الفقيه بنصالح. وأماطت التحقيقات اللثام عن عملية تزوير شابت الوثائق التي تقدم بها مكتب الدراسات، الذي نال جميع صفقات جماعة الفقيه بنصالح تقريبا، خاصة خلال طلب عروض الصفقة، التي أجريت في 2015، إذ تعمد أعضاء لجنة فتح الأظرفة إقصاء مكاتب دراسات متنافسة بشكل تعسفي. ومن بين الصفقات التي أظهرت تبديدا للمال العام، تلك التي تهم اقتلاع أشجار، إذ كبدت المجلس الجماعي للمدينة مبالغ مالية كبيرة، قدرت بحوالي مليونين و433 ألفــــــــا و600 درهــــم، وأبانت أن هذه العملية تم احتسابها من قبل شركـة بمبلــــغ 6 آلاف درهــــم للوحدة، كما تم رفــــع عددها بشكل كبير عما كان محددا في دفتــــر الشروط الخاصة بجدول الأثمان، من وحدتين إلــــى 338 وحدة، ولم يتــــوقــف الأمر عند ذلك الحد، بل إن أحد المقـــــاولين كشــــف خلال البحث معه أنه تم تكليفه من قبل الشركة الحاصلة على الصفقــــة بحفر ونقــــل الأتربة، ليقوم خلالها باقتلاع أشجار من نوع الحامض والكــــاليبتوس، محتسبا ذلك على الشركة نفسها، مؤكـــدا فــــي الوقت نفسه أن عمليـــة اقتلاع هذه الأشجار تمت بشكل عاد، بحكم أنها من الحجم المتوسط ولا تتطلب جهدا كبيرا، إلا أن المبلـــغ الذي جاء في كشـــوفات الحسابات، من قبل الشركة الحائــزة للصفقـــة، يبقى باهظا ومبالغا فيه. ما توصلت إليه الأبحاث نفاها مبديع خلال الاستماع إليه، بل نفى حتى علمه بهذه العملية وبتفويت الشركة جزءا من الأشغال لمقاول آخر، مؤكدا أن الصفقة تحتوي على دفتر تحملات وجدول أثمان، وتوقع كشوفات حسابات الأشغال على هذا الأساس. وأوضحت التحقيقات، "وجود عمليات بنكية غير مبررة بالحساب البنكي الشخصي لرئيس جماعة الفقيه بنصالح محمد مبديع، المفتوح بإحدى الوكالات البنكية المعروفة، عبر إيداعه مبالغ مهمة نقدا، بلغت خلال العملية الواحدة 2.200.000 درهم، وفي مجملها وصل المبلغ المودع بالحساب البنكي نفسه إلى 36 مليونا و856 ألفا و900 درهم، خاصة خلال الفترة بين 2007 و2019، وهي الفترة نفسها التي صادفت إنجاز مشاريع صفقات التهيئة والتأهيل الحضري للفقيه بنصالح، والتي عرفت اختلاسات مالية". جماعة الفقيه بنصالح... طرف مدني قرر المجلس الجماعي للفقيه بنصالح الانتصاب طرفا مدنيا في قضية محمد مبديع، بعد أن أعلن رئيس هيأة غرفة الجنايات الابتدائية انتصابها طرفا مدنيا، بخصوص الاختلاسات والتبديد التي يتابع بشأنها مبديع رفقة 13 متهما آخرين، بعضهم في حالة اعتقال، وآخرون في حالة سراح مؤقت. وينتظر المتتبعون للشأن العام، ما ستسفر عنه جلسات محاكمة محمد مبديع لكشف كواليس تدبيره شؤون جماعة يعاني سكانها مظاهر الفقر والتهميش بعدما تم تبديد واختلاس أموالها لتحقيق الاغتناء غير المشروع، ويعول المجلس الجماعي على إعادة الاعتبار إليه، من خلال الإنصاف في ملف ثقيل. جمعية حماية المال العام... مواكبة أطوار المحاكمة كشف محمد مشكور، رئيس الفرع الجهوي للجمعية المغربية لحماية المال العام بالبيضاء، التي فجرت قضية محمد مبديع وظلت ترافع عن الملف إلى غاية اعتقال المشتكى به، أنه قرر التوجه إلى محكمة الاستئناف للاطلاع على حقيقة توصل الجمعية الحقوقية باستدعاء، من قبل الغرفة الجنائية لحضور المحاكمة. وشدد مشكور في تصريح لـ"الصباح"، أن الجمعية المغربية لحماية المال العام ستحرص على مواكبة أطوار جلسات محاكمة محمد مبديع، باعتبارها مفجرة قضية تورطه في اختلاس وتبديد أموال عمومية، موضحا أن الهدف من ذلك يتمثل في الاطلاع على تفاصيل قضية التلاعب بأموال عمومية في إطار الترافع عن المال العام وحمايته وما ستعرفه من تطورات تقطع مع سياسة الإفلات من العقاب.