النص اشتغل عليه منذ 2012 والحالي ضم بعض التراجعات (2/1) أشير في البداية الى أن الإصلاح العميق والشامل لمنظومة العدالة، الذي انطلق سنة2012، تطلب إنجاز مقاربة نوعية تعتمد الحوار الجماعي تشارك فيه كل الفئات المهنية والجامعية والمجتمعية، بهدف بلورة إصلاح جامع وفعال، ثم ضمان التوافقية الضرورية، وتحصيل المقبولية الممكنة. ولذلك كانت هناك هيأة عليا للحوار الوطني إضافة إلى فعاليات حوارية مختلفة. بقلم: المصطفى الرميد (*) إن اعتماد هذه المنهجية كان الدافع اليه استحضار أهمية منظومة العدالة وحساسية مواضيعها التي تتطلب مشاركة المؤسسات المعنية، وكل الأطراف السياسية حكومية ومعارضة، فضلا عن الفاعلين المهنيين، والأكاديميين والحقوقيين وغيرهم، لإعطاء مخرجات الحوار قوة معنوية ميثاقية، تؤسس لإصلاحات تتعالى عن البرامج الحزبية والحكومية المرحلية. ميثاق إصلاح منظومة العدالة لقد تميز موضوع الحماية الجنائية للحقوق والحريات الذي يهم بالأساس، القانون الجنائي وقانون المسطرة الجنائية، بتنظيم ندوتين وطنيتين بكل من فاس ومراكش، وذلك على خلاف باقي المواضيع التي اختص كل واحد منها بندوة وطنية، وذلك لمركزية هذا الموضوع داخل المنظومة التشريعية، وقد كان ذلك بمشاركة خبراء مغاربة ودوليين في المادة الجنائية. وبعد النقاشات العميقة والمستفيضة، تم إصدار ميثاق إصلاح منظومة العدالة الذي تضمن مائتي توصية موزعة على ستة محاور رئيسية، وتحت عنوان (تعزيز حماية القضاء للحقوق والحريات)، تمت صياغة 37 توصية خاصة بهذا الموضوع. (الموضوع الجنائي). وبناء على ذلك، قامت مديرية الشؤون الجنائية بوزارة العدل والحريات، سنة 2013، بصياغة المسودة الأولى لكل من مشروع قانون المسطرة الجنائية، ومشروع القانون الجنائي، وإثر ذلك تم تشكيل لجنتين تكونتا من قضاة من مستويات متعددة منهم المسؤولون بمحاكم الاستئناف والمحاكم الابتدائية، رئاسة ونيابة، ومنهم قضاة تحقيق، ومحامون وأساتذة جامعيون وحقوقيون، وغيرهم، عكفوا على دراسة النصين في جلسات متعددة، وبعدها تم فتح حوار مع كافة الفئات القضائية والمهنية والجامعية والحقوقية، والمؤسسات الأمنية المعنية، كما تم وضع النصين في البوابة الإلكترونية للوزارة لتلقي ملاحظات كافة المهتمين. وللمناسبة، فقد تم الاتفاق مع مكتب جمعية هيأة المحامين بالمغرب، على الدراسة المفصلة لمسودة مشروع قانون المسطرة الجنائية مباشرة مع وزير العدل والحريات، بحضور رئيس الجمعية والوفد الممثل لها، وهو ماتم بالفعل، إلا أنه بعد عدة جلسات، وبعد مناقشة ما يقارب مائة مادة، تم ايقاف المناقشة بطلب من الجمعية، بحكم العطلة الصيفية. إن المجهود الاستثنائي المبذول في هذا السياق، أسفر عن مسودتين لمشروعي القانون تمت مناقشتها مع الأمانة العامة. ونظرا لضغط الأجندة السياسية (المحدودية الزمنية للانتداب الحكومي)، فقد تم الاقتصار على الضروري من التعديلات بالنسبة إلى مشروع القانون الجنائي، وتم تتويج هذا الجهد بالمصادقة الحكومية، والإحالة على مجلس النواب الذي ناقش النص، إلا أن جزءا من الأغلبية والمعارضة، استغل قرب انتهاء الولاية التشريعية، فرفض إتمام مسطرة تقديم التعديلات والتصويت، وهو ما سيستمر خلال تولي محمد أوجار، ومحمد بن عبد القادر لمهمة وزارة العدل، إلى أن جاء عبد اللطيف وهبي، الذي سيسجل التاريخ، أنه سحب المشروع من مجلس النواب، ولا يخفى أن السبب الحقيقي، هو الرغبة الأكيدة في التملص من استحقاق تشريعي هام، وهو تجريم الإثراء غير المشروع. أما بالنسبة إلى مسودة مشروع قانون المسطرة الجنائية، أؤكد أنه تم الاتفاق على جميع موادها مع كافة القطاعات المعنية، وبقي الخلاف محصورا في ثلاث مواد فقط، وكان بودي أن يتم تجاوز ذلك في الولاية السابقة، في عهد الوزيرين السابقين، إلا أن ذلك لم يتم للأسف الشديد، إلى أن تمت إحالة النص محل المناقشة أخيرا على مجلس النواب ، وهو نص جيد على العموم، أخذا بالكثير مما ورد بالمسودة، وأضاف تحسينات محمودة، إلا أنه للأسف الشديد بصم على تراجعات مذمومة، وهي قليلة جدا يمكن للبرلمان أن يعدلها ويخلص هذا النص الجيد عموما من عوارها. مستجدات محمودة وقبل التطرق إلى بعض تفاصيل الموضوع يجدر التنويه بالمنهجية التي خرج بها النص، حيث تم اعتماد منهجية التعديل والتغيير على النص الحالي، وهو ما سيجنب القضاة والمهنيين والجامعيين المستأنسين بالنص المعتمد حاليا، المتاهات التي يمكن أن تحدث مع أي نص جديد، خاصة في ما يهم ربط الاجتهاد القضائي لسنوات عديدة بمظانه النصية، على خلاف الصيغة التي ورد بها مشروع قانون المسطرة المدنية. مرة أخرى، أؤكد ان هذا النص الذي تم الاشتغال عليه ابتداء من 2012 على الأقل، الى غاية صدوره هذه السنة (2024)، يمثل عصارة مجهودات قضائية ومهنية وأكاديمية جبارة، ولذلك فإن الوقت لا يسمح باستعراض كافة المستجدات المحمودة، والتي تم ايراد بعضها في تقديم النص، ومع ذلك سأقف على الأهم منها وذلك كالتالي: 1 - حضور المحامي مع الأحداث وذوي العاهات عند الاستماع اليهم من قبل الشرطة القضائية، بعد الحصول على إذن من النيابة العامة، على خلاف ما كان منصوصا عليه في المسودة التي لم تكن تشترط هذا الإذن. 2 - إمكانية اتصال المحامي بالشخص المودع رهن الحراسة النظرية ابتداء من الساعة الأولى لإيقافه، باستثناء قضايا الإرهاب. 3 - إنجاز تسجيل سمعي بصري في الجنايات والجنح المعاقب عليها بخمس سنوات فأكثر، للمشتبه فيه الموضوع تحت الحراسة النظرية أثناء قراءة تصريحاته المضمنة بالمحضر ولحظة توقيعه أو إبصامه أو رفضه، مع إمكانية مطالبة المحكمة بالتسجيل الذي يحتفظ به طبقا للقانون، مع العلم أن المسودة كانت تنص على التسجيل السمعي البصري لكافة مراحل الاستجواب كلما تعلق الأمر بشخص مودع رهن الحراسة النظرية، بغض النظر عن نوع الجريمة ومقدار عقوبتها. 4 - إمكانية التظلم من قرار الحفظ المتخذ من قبل وكيل الملك أمام الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف وكذا إمكانية التظلم من قرار الحفظ المتخذ من قبل الوكيل العام للملك لدى محاكم الاستئناف أمام الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض بصفته رئيسا للنيابة العامة. 5 - امكانية حضور المحامي استنطاق النيابة العامة للمتهم، مع الإدلاء نيابة عنه بالوثائق، كما يحق له طرح الأسئلة وإبداء الملاحظات ... 6 - إمكانية الطعن في أمر وكيل الملك بالإيداع بالسجن أمام هيأة للحكم التي ستبت في القضية، أو أمام هيأة للحكم تتألف من ثلاثة قضاة، وكذا إمكانية الطعن في الأمر بالإيداع في السجن الصادر عن الوكيل العام أمام غرفة الجنايات الابتدائية، دون أن يمس هذا الحق بإمكانية طلب السراح المؤقت لاحقا، مع العلم أن المسودة كانت تنص على الطعن أمام الغرفة الجنحية. 7 - تقليص تمديد مدد الاعتقال الاحتياطي في الجنايات من خمس إلى مرتين، وللمدة نفسها (لتصبح المدة لا تتجاوز ستة اشهر)، وفي الجنح من مرتين إلى مرة واحدة وللمدة نفسها، (لتصبح المدة شهرين فقط). 8 - إمكانية الإحالة المباشرة من قبل الوكيل العام للملك على غرفة الجنايات في حالة سراح أو باستعمال أحد أو أكثر من تدابير المراقبة القضائية. 9 - إمكانية استئناف قرارات الإفراج المؤقت والمراقبة القضائية الصادرة عن غرفة الجنايات الابتدائية من قبل المتهم أو الوكيل العام للملك. 10 - إضافة تدبير الوضع تحت المراقبة الإلكترونية إلى تدابير المراقبة القضائية، مع التنصيص على إشراف قاضي التحقيق على التنفيذ . 11 - وضع آليات للوقاية من التعذيب، منها، إلزام النيابة العامة باخضاع المشتبه فيه لفحص طبي يقوم به طبيب مؤهل، في حالة إذا ما طلب المتهم أو دفاعه ذلك، تحت طائلة اعتبار اعتراف المتهم المدون بمحضر الشرطة القضائية باطلا في حالة عدم إجراء الفحص الطبي. 12 - استدعاء المحامي قبل كل استنطاق للمتهم من قبل قاضي التحقيق ب15 يوما على الأقل، وحقه في الاطلاع على ملف القضية خلال هذا الأجل، ومنح المحامي حق الحصول على نسخ من المحضر وباقي وثائق الملف ورقيا أو على دعامة إلكترونية. 13 - توسيع وعاء الجرائم القابلة للصلح، حيث أصبح يشمل إلى جانب الجنح المعاقب عليها بسنتين حبسا أو أقل، أو بغرامة لا تتجاوز في حدها الأقصى مائة ألف درهم أو إحدى هاتين العقوبتين، بالإضافة إلى بعض الجنح التي يكون فيها عادة ضحايا، أو تستهدف بالأساس المس بالحق الخاص، ويتعلق الأمر بالجنح المنصوص عليها في الفصول 401 و404 (البند الاول) و425 و426 و441 ( الفقرة الثانية) و445 و447.1 و447.2 و447.3 و505 و517 و520 و523 و524 و525 و526 و538 و540 و542 و547 و549 (البندان الأخيران) و553 (الفقرة الاولى) و571 من مجموعة القانون الجنائي، والمادة 316 من مدونة التجارة، أو إذا نص القانون صراحة على ذلك بالنسبة لجرائم أخرى. وقد تم الاستغناء عن مصادقة القاضي على الصلح. 14 - تم النص عل شكليات الاستدعاء المباشر (الشكاية المباشرة)، وتنظيم كيفية أداء مصاريفها، مع منح الطرف المدني المقيم للدعوى العمومية الحق في الاستئناف والنقض في الدعوى العمومية، إضافة إلى الدعوى المدنية. 15 - تم إقرار آلية التجنيح القضائي، في حال إذا لاحظ الوكيل العام للملك محدودية الضرر الجرمي، أو بساطة الحق المعتدى عليه، مع تقيد قضاء الحكم الابتدائي بالتكييف الجنائي بالوصف المحدد في المتابعة. 16 عدم جواز الحكم بالإدانة، بناء على تصريحات متهم ضد آخر، إلا إذا كانت معززة بقرائن قوية ومنسجمة. 17 - عدم جواز الحكم بالإعدام إلا بإجماع أعضاء غرفة الجنايات، حيث يتعين توقيع هؤلاء الاعضاء جميعا على محضر بذلك يوضع ضمن وثائق الملف. 18 - جواز البت في طلب الإفراج المؤقت، ولو بعد إبداء الغرفة الجنائية رأيها في طلب تسليم الأجانب، إذا قدم من قبل الوكيل العام لدى محكمة النقض، بناء على طلب يوجهه إليه وزير العدل. 19 - إمكانية جعل القضية في المداولة لمدة لا تتجاوز خمسة عشر يوما من قبل غرفة الجنايات، إذا تعذر إصدار قرار في الحال، ويتعين في هذه الحالة أن يكون القرار محررا. 20 - إحداث آلية للتخفيض التلقائي للعقوبة، من قبل إدارة السجن تحت مراقبة قاضي التحقيق ووكيل الملك، مع إحداث لجنة بمقر المحكمة الابتدائية، تتكون من قاضي تطبيق العقوبات بصفته رئيسا، وعضوية ممثل النيابة العامة، والمدير الجهوي لإدارة السجون، حيث تكون مهمة هذه اللجنة النظر في التظلمات، بشأن ما يتخذ من قرارات في موضوع التخفيض التلقائي للعقوبات. (*) وزير العدل السابق محام بهيأة البيضاء عبد اللطيف وهبي (أرشيف)