لم تخرج مرافعة النيابة العامة أمام المحكمة الابتدائية في شفشاون، أول أمس (الخميس)، في ملف يتعلق بمتهمين بزراعة القنب الهندي، عن التوجهات الملكية التي تضمنها العفو الملكي الأخير عن المزارعين الصغار لهذه النبتة، والتي مكنت عددا لا يستهان به من العودة إلى الحياة الطبيعية بعيدا عن أسوار السجون أو مذكرات البحث، إذ تقدم ممثل الحق العام وهو يرافع بملتمس رام إلى تمتيعهم بظروف التخفيف، بجعل العقوبة موقوفة التنفيذ. بالفعل ما قام به ممثل الحق العام في مرافعته تلك، يرنو إلى التطبيق الفعلي لمفهوم النيابة العامة المواطنة، التي تهدف إلى الموازنة بين الحقوق والواجبات للمواطنين والسهر على تطبيق القانون دون مغالاة في ذلك، بعيدا عن دور "الغراق" الذي طالما بصم تاريخها في الماضي، لأن القاعدة الفقهية تقول، إن إفلات 1000 مجرم من العقاب خير من إدانة بريء، والفكر القديم الذي كان يلصق بالنيابة العامة تهمة "الغراق"، يجب محاربته، لأن النيابة العامة تحمي المجتمع والمواطن، فهي محامي المجتمع، والساهر على حمايته من كل ما يمكن أن يتعرض له من جرائم، وتتصدى لمرتكب الفعل، في تفعيل للأمن الاجتماعي والقضائي، ومحاربة ذلك الفكر تأتي من تخلص قضاتها من أي نزعة قد تجرهم إلى ذلك. واستحضار حسن تطبيق القانون وتحقيق العدل، هو تحقيق للتوازن بين طرفي الخصومة الجنائية، الذي تحرص عليه النيابة العامة المواطنة التي خول لها المشرع سلطة ملاءمة، تستحضر نبض المجتمع، وهي بصدد تدبير الملفات الجنائية المعروضة عليها، في إطار الالتزام بالقانون، وهي بذلك تفكك فكرة كانت راسخة لعقود من الزمن في الأذهان وهي فكرة "الغراق". النيابة العامة المواطنة يجب أن تترجم في جميع القضايا، وأن تنهي عهد "تبكي مو"، التي أضحت تغذي تفكيرنا في بلورة الهروب من تحمل المسؤولية في اتخاذ القرارات، وهي تسيئ بشكل كبير إلى القضاء، والقضاة، لأن الأصل هو تحمل تلك المسؤولية والاقتناع بالقرار المتخذ، حتى لا يدخل القضاء في مواجهة المجهول من اتهامات خطيرة على لسان المتقاضي، كيفما كان وضعه، ضحية أو متهما، خاصة في شأن سلطة الملاءمة التي منحها المشرع للنيابة العامة وقضاة التحقيق، في إمكانية متابعة الشخص، في حالة اعتقال أو سراح مؤقت، إذ لم تأت اعتباطيا وترك صلاحية المتابعة، لا يعني أبدا التعسف في استعمالها، خاصة أن المغرب بعد دستور 2011 دخل عهدا جديدا في الحريات، وكرس مبادئ المحاكمة العادلة التي ينبغي أن ينخرط فيها الجميع من خلال التطبيق السليم لروح النصوص القانونية دون مغالاة، والاحتكام إلى الضمير المهني في التعامل مع القضايا واستحضار مبدأ البراءة والمساواة أمام القانون، علما أن جلالة الملك القاضي الأول للبلاد، طالما نادى بتحقيق العدالة الاجتماعية في جميع مناحيها. كريمة مصلي للتفاعل مع هذه الزاوية: mayougal@assabah.press.ma