“الموضة” انتصرت على العادات الغذائية

الفايد الاختصاصي في علوم التغذية أكد أن الوجبات التقليدية صحية أكثر ولا تقارن بالمنتوجات الحالية أكد محمد الفايد، اختصاصي في علوم الأغذية، أن تغيير النمط الغذائي للأسر المغربية من الأطباق المغربية التقليدية، إلى الوجبات سريعة التحضير والمنتوجات الصناعية، هو من قبيل اتباع الموضة الغذائية، التي عوضت العادات الغذائية للمغاربة. وأبرز الفايد أن تغير الحياة المهنية للمغاربة ذريعة فقط للإقبال على الوجبات المصنعة، فيما قضاء النهار كله في العمل لا يتعارض مع التغذية الصحيحة، فهو على الأقل مناسبة للكف عن الأكل لمدة كافية حتى يتخلص الجسم من السموم. تفاصيل أكثر في الحوار التالي: ما الجديد الذي تعرفه العادات الغذائية للمغاربة؟ لا شك أن تغيير نمط العيش في الدول المصنعة أدى إلى ويلات صحية منها أمراض القلب والشرايين التي تحصد 50 في المائة من الوفيات، متبوعة بالسرطان والسكري والخلل الهرموني عند النساء، وحاليا الأمراض المناعية، وهذه الدول كان لديها نمط عيش سليم من قبل، لكنها نهجت نهجا خاطئا في الاعتماد على الطب في التغذية، فضيعت عاداتها وتقاليدها الغذائية، لتصبح معروفة بنمط الوجبات السريعة، والطبخ السريع، والمنتوجات الصناعية، وكذلك أخذت الدول النامية تتبع هذا النهج بزعم التقدم، وانتقل المجتمع في هذه الدول من التغذية الطبيعية إلى التغذية الصناعية، أو من تغذية المطبخ إلى تغذية المصنع، وهذا الانتقال جعل المستهلك لا يختار ما يأكل من السوق، وإنما يأكل وفق ما تسمح به الظروف التي يعيش فيها، وكان عامل التصنيع بارزا في هذا المضمار. وقد لاحظنا اندثار بعض الوجبات والمنتوجات المحلية التقليدية، لأن الناس احتقروها في فترة معينة، خصوصا في الثمانينات، وطغت موضة الكتالوجات وبرامج الطبخ، مع نصائح خاطئة حول المنتوجات والوجبات المحلية، وأصبح الناس يتبعون الموضة الغذائية بدل العادة الغذائية، وهو ما نال من الثقافة الغذائية في المغرب، وحلت الأغذية المستوردة المصنعة محل الأغذية المحلية الطبيعية. ولم يكن هناك من يتصدى لهذا الوضع الخطير، لأنه كان باسم العلم والطب وأن المواد الحديثة راقية، والمواد المحلية التقليدية عفنة. وما نعيشه اليوم من ويلات صحية لها علاقة كبيرة ومباشرة مع الانتقال من التغذية الطبيعية إلى التغذية المصنعة والوجبات السريعة.وكان من أبرز هذه التحولات هو الطبخ السريع تحت الضغط (الكوكوت) بدل الطبخ البطيء في الطاجين، وكذلك طغيان المقليات (بادنجان، بطاطس، فلفل، سمك، حلويات...). ولم يكن يعرف المجتمع المغربي هذا النوع من الطبخ من قبل، وانتقل من الطبخ بزيت الزيتون إلى الطبخ بزيت المائدة، ومن استهلاك النبات إلى استهلاك اللحوم والألبان، ومن ثلاث وجبات في اليوم إلى خمس وجبات، ومن الشاي إلى القهوة، ومن الخليع إلى النقانق، ومن السمن إلى الأجبان، ومن الكليلة إلى القشدة، ومن الزبدة البلدية إلى المارغارينات، ومن الخميرة البلدية إلى الخميرة الصناعية. هل هذا التغيير في العادات الغذائية صحي؟ لم تكن الأمراض المستعصية حاليا على العلاج معروفة قبل 20 أو 25 سنة، ومنها الأمراض المزمنة التي تفشت في المجتمع بشكل رهيب، وعلى رأسها السرطان وأمراض القلب والشرايين، والحساسية والربو وفقر الدم، ثم أمراض الجهاز الهضمي، مثل مرض كروهن وسيلياك، والقولون العصبي، والسمنة، وارتفاع الكوليستيرول في الدم وارتفاع الضغط الدموي، والشحوم في الدم والأمراض المناعية وقد بدأ التصلب اللويحي والذأب الحمامي والصدفية وألزايمر وباركنسن وبهجت والتوحد والتثليث الصبغي. وهناك أمراض أخرى لم تعرف بعد، كما أن بعض الأمراض التي لا يمكن أن تأتي إلا من التغذية أصبحت ظاهرة، ونلاحظ أن هناك عوامل أخرى ساعدت على ظهور هذه الأمراض، ومنها الجهل التام للمكونات الغذائية، والتغاضي عن المركبات الخطيرة، ومنها المضافات الغذائية والمبيدات، ولم يعد المستهلك يعرف ما يأكل، والأمر بسيط، هو أن المجتمع المغربي لم يكن يعرف هذه الأمراض لما كان نمط العيش مغربيا محضا، ليس فيه كثرة الأنواع من المأكولات المحملة بالمضافات الغذائية، وربما منتوجات مغيرة وراثيا. هل المغرب ما زال محافظا على بعض الخصوصيات؟ نعم أكيد أن المغرب لا يزال يمتاز عن كثير من دول العالم في ما يخص التغذية، ونلاحظ أن وجبات الكسكس والحريرة وخبز المنزل والطبخ في الطين، والخليع والقديد والسمن والكليلة والبركوكش والهربر وحساء القطاني (بصارة) والسيكوك والأقط والطحينة وأملو والمدفونة والرفيسة، والتردة، وخبز الشعير وحساء الشعير، وطبخ المنزل بزيت الزيتون والخضر بدون لحم، وكذلك كسكس الشعير بدون لحوم، واستهلاك البقول الخضراء الفصلية مثل السلق والخبيزا والسكوم والبوبال والحماض والعسلوج والكرنينة، ومازال الناس يخمرون الحليب في البوادي ويحضرون اللبن والزبدة البلدية.وإذا كان بعض الذين يحذرون، بجهل، من السمن فنحن نقول لهم إن السمن إذا كان حقيقيا من الزبدة البلدية الطبيعية، فلا يحتوي على كوليستيرول، ويحتوي على مركبات سهلة الهضم والامتصاص مثل الحمضيات الذهنية الحرة، وقد نشرنا عشرة منشورات دولية حول السمن، وهو منتوج ينصح به للمصابين بمرض التوحد وكذلك الربو. وقد ضربت هذا المثل لأن الناس أصبحوا خائفين من هذا المنتوج، والمثل الثاني هو "الخليع" الذي يحذر منه الأطباء لكن "الخليع" لا يقارن مع النقانق، ولا يمكن أن يتسبب في تسمم غذائي، ولا يمكن أن يضر لأنه من لحوم الحيوانات، ومن دسمها، وليس الدواجن، لكن يمنع على المصابين بأمراض القلب والشرايين وارتفاع الضغط لأنه يحتوي على نسبة عالية من الملح. وتبقى وجبة السيكيوك أحسن وجبة غذائية للأطفال، لكن باللبن الطبيعي المخمر تلقائيا، والشعير أو الذرة البلدية، وأحسن أنواع المنتوجات اللبنية للأطفال والنساء، هي "الكليلة" التي أصبح الناس يجهلونها بعدما كانت تستهلك أكثر من اللبن. لكن البعض يعزو الابتعاد عن الأطباق المغربية التقليدية إلى المضار الصحية التي تؤدي إليها لارتفاع نسبة الدهون بها، إذا تحدثنا مثلا عن الطاجين، أو "الخليع" أو غيرها. ما صحة الأمر؟ نعم صحيح لأن الشائعات التي جاءت بها النصائح الجاهلة، جعلت الناس يتخوفون من هذه الوجبات، لكن في الحقيقة العكس هو الصحيح، فالمنتوجات الصناعية تكون محضرة بالزيوت المهدرجة، أو المرغارينات أو ربما دهنيات صناعية أخرى، والمنتوجات الصناعية تكون مطهية على حرارة مفرطة، وتحتوي على مكونات غير طبيعية، والطاجين أقل دسم من النقانق، وليس هناك وجبة مغربية ليست صحية، وكل الشائعات التي تذاع بجهل أدت إلى القضاء على ثقافتنا الغذائية. كما أن الخليع أقل دسما من النقانق، ودسم الخليع طبيعي وجيد لأنه ليس مستوردا، ولا يمكن أن يضر بصحة المستهلك، وهذه المعلومات تعتمد على أبحاث علمية منشورة دوليا. الأكيد أن تغير النمط الغذائي لدى المغاربة فرضه تطور الحياة الاجتماعية والمهنية التي تفرض قضاء النهار بكامله خارج المنزل. الناس يلجؤون إلى هذه التبريرات الواهية، والتوقيت المستمر يناسب التغذية الصحيحة، لأن وجبة وسط النهار يجب الا تشتمل على مكونات غذائية ثقيلة مثل اللحوم، واللجوء إلى الوجبات السريعة هو الذي أدى إلى الأمراض المزمنة، ومنها المناعية التي يستعصي علاجها، والوجبات السريعة تعتبر في نظرنا كارثة غذائية، لأنها تفتقر إلى مضادات للأكسدة والألياف الغذائية، وتحتوي على مكونات ليست غذائية، وغالبا ما تكون مقلية. وقضاء النهار كله في العمل لا يتعارض مع التغذية الصحيحة، وهو على الأقل مناسبة للكف عن الأكل لمدة كافية حتى يتخلص الجسم من السموم، وربما يكتفي الناس بالفواكه والماء، ولا نوصي بتناول الحلويات بحجة الطاقة، فلينته الناس عن هذه العادة السيئة، وعن تزويد أطفالهم بالحلويات ليستهلكوها في المدرسة أثناء الاستراحة. واللجوء إلى الوجبات السريعة يتعارض مع التغذية الصحيحة.أجرت الحوار: هجر المغلي المغاربة ينفقون كثيرا هل يعتبر الإنفاق على التغذية أولوية عند المغاربة، أم أنه يبقى مناسباتيا ومرتبطا ببعض الأعياد والمناسبات؟ طبعا يعتبر الإنفاق على التغذية أولوية لدى المغاربة، رغم أن هناك شرائح مختلفة في المجتمع، لكن هناك خطوطا مشتركة، فالإنفاق في البوادي ليس هو الإنفاق في المدن، والأحياء الشعبية التي تجمع سواد المجتمع يكون فيها الإنفاق مرتفعا ويوميا، ويرتكز هذا الأخير على الخضر والفواكه والسمك واللحوم، وبعض المنتوجات الموسمية، ويختلف الأمر في الأحياء الراقية التي تنهج التسويق الأسبوعي في الأسواق الممتازة، ويرتكز الإنفاق على المنتوجات المصنعة مثل النقانق والأجبان والمشروبات الغازية والحلويات مع إنفاق محتشم في ما يخص الخضر والفواكه. وفي نظري أرى أن المغاربة ينفقون كثيرا على التغذية وربما يستهلكون كثيرا. في سطور اختصاصي في علوم الأغذية عضو بالعديد من المؤسسات العلمية داخل المغرب وخارجه له العديد من المؤلفات والأبحاث باللغات الأجنبية حول علوم التغذية.

“الموضة” انتصرت على العادات الغذائية

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

زغنون على رأس "سي دي جي"

"شاعلة": الداودية... "واعرة"... "Danger"

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات