“واسمين” وبداية المسير إلى الرسول

رجال ركراكة... الحكاية من السطر الأول 6 تقدم حنان ركراكي، حفيدة "سيدي واسمين"، سلطان ركراكة الأحرار، في هذا الكتاب، واحدة من تحف السرد الأنيق لقصص رجال شرفاء نسجت حولهم الأسرار والأساطير وأحاطت بهم الألغاز، وتحولت سيرهم إلى حكايات في أفواه الجدات للأحفاد. إعداد: يوسف الساكت ما فتئ أهالي وادي درعة في أعماق الجنوب يحتفظون بذكرى حية وملتهبة عن جيل من الأبطال العظماء، الذين لم تستطع الشدائد ولاعوادي النسيان محو أثرهم في قلوب وأخيلة الناس. ركراكة الحاليون حفدة "علقمة"، "أمج"، "أردن" و"أرتن"، حفظة قائمون على الميراث الملحمي لأجدادهم، ميراث الرجال السبعة. في السماء وفي الأرض، يتردد صدى حديث رجال ركراكة. يقول البعض إن عدتهم اثنا عشر رجلا قاموا برحلة إلى المشرق، وتتكلم بعض المرويات عن سياحة قام بها أربعة، أو سبعة. في كل الأحوال، تردد ذكر سبعة رجال في كل هذه المحكيات، لكن بالإمكان الاعتقاد بأن هذه السياحة تمت على مرحلتين، قام بالأولى أربعة رجال وبالثانية سبعة، وكل السرديات تتفق على ذكر اسم "واسمين" الحفيد المباشر لـ"علقمة". هب على بلاد العرب نفَس أخير من أنفاس النبوة، كان أقوى وأشد مما سبقه، وإذ لحق صداه المغرب الأقصى وسمع أهله بهذا التحول الكبير. رسول جديد من رسل الله، محمّد المحمود، الذي بشر الإنجيل ببعثه، يبدأ رسالته النبوية التي طالما تطلع إليها أهل الإيمان منذ قرون، وانتظرها العظماء والمنجمون بشغف كبير لتنقذ الناس من خلاف وصراع لا ينتهي. كان المؤمنون مصدقين بعقيدتهم كما سمعوها من فم عيسى بن مريم وتعلموها من أجدادهم حفدة يوحنا الإنجيلي الذي كان أكثر الناس شبها بالمسيح وأحبّهم إلى أمه مريم. رأى الناس في الرسول العربي منقذا لهم من غطرسة وطغيان الإمبراطورية الرومانية ومكملا للرباط الوثيق بين الله وعباده بواسطة أنبيائه وكتابيه التوراة والإنجيل. لذلك، لم يتردد الرجال الأربعة في استكمال البحث الذي افتتحه أجدادهم في جو من الرضا والإيمان وتحقيق مشيئة الله، فقرر "واسمين" وإخوته القيام برحلة نحو المجهول على خطى آبائهم معتبرين أنهم هم المخصوصون والمختارون بذلك. كانوا يدركون بعد الشقة في السفر وصعوبة التنقل في تلك الآماد الفسيحة، لكنهم استيقنوا بأنهم ليسوا لوحدهم وأن العالم ذو أسرار لا تدركها إلا العناية. جهز الرجال الأربعة رحالهم وتزودوا بالقليل من الطعام ثم يمّموا شطر الشمال متجاوزين الحقول والمرتفعات، قضوا أياما وهم يتبلّغون باليسير من الطعام، لم يكن لهم من دليل إلا ما ثقفوه عن أجدادهم من الاهتداء بالنجوم، وتحديد السموات بالأجرام اللامعة فكل ما تزخر به الطبيعة من مشمولات، كل زهرة أو حبة رمل إنما هو عطاء الخالق الحكيم. "الله بلغنا مرادنا، وثبت أقدامنا ويسر وصولنا إلى مدينة الرسول وصحابته"، بهذا دعا الرجال الأربعة مضيفين، "إن شدائد هذه الطريق مما يؤود أي إنسان، لكن صبرنا وإصرارنا كفيل بأن يُنجح مسعانا في هذه الرحلة". كان لـ"واسمين" وإخوته لقاءات بالعديد من أهالي المناطق التي يمرون بها في رحلتهم، حيث كانوا يتخذون من بعض الأمازيغ تراجمة لهم. وفي إحدى الأماسي، وصلوا إلى مكان وافر الأشجار تشقه جداول الماء المتدفق وتصدح في أرجائه شَقشقة العصافير. جنود العابسين كان جنة أرضية أشبه ما تكون بسميتها في السماء. وإذ أحس الرجال الأربعة، بالتعب فقد قرروا النزول بالمكان للراحة وأرجؤوا استكشافه إلى الغد، وهكذا حطوا رحالهم بين أشجار الزيتون الغناء، مستمتعين بجمال وسحر الطبيعة قبل أن تستسلم أجفانهم للكرى. بعد برهة من النوم استيقظ "إدريس" شقيق "واسمين" الأصغر بفزع على وقع صراخ مكتوم، كان إخوته يستمرئون نومهم، أما هو فقد تسمر في مكانه قبل أن يدفع به الفضول إلى الذهاب بحثا عن مصدر الصراخ. حمل عصاه وسار بخطى متقاربة، غير أنه لم يجد أثرا، كانت ليلة مقمرة وكانت الغابة ساكنة وإن اكتنفها غموض، بدا لإدريس أن يجول بحذر في بعض الأرجاء، قبل أن يُرجع الخطو إلى مقيل إخوته، وهنا فوجئ بعشرة من الجنود العابسين يطوفون بهم ثم يسوقونهم أسرى ويزجون دوابهم كذلك. كان الخوف قد استولى على إدريس، لم يستطع فعل شيء، كان يتساءل عن سر انصياع إخوته وعدم مقاومتهم، لذا عزم على تعقبهم دون أن يشعر به أحد، وبعد ساعة من المشي وصلوا إلى ربوة عليها قصر فتحت لهم بوابته عندما دنوا منه.

“واسمين” وبداية المسير إلى الرسول

ركراكة حفظة قائمون على الميراث الملحمي لأجدادهم ميراث الرجال السبعة

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

تأثير الغباء على الاقتصاد والسياسة

40 يوما في تل أبيب

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات