إعلاميون وفنانون وساسة احترفوا الطب الشعبي وصاروا يجيدون "الكي" و"البخ" يبدو أن لعبة «الكي» و«البخ» أصبحت تستهوي الكثير من المشاهير المصريين، من إعلاميين وفنانين وساسة، كلما تعلق الأمر بالحديث عن المغرب، فبتنا أمام حملة «مسحورة» تجعل بلدنا ومواطنيه أشبه بوكر للجن والعفاريت والمشعوذين والسحرة.لم يعد الأمر مجرد صدفة بعد أن تكررت خاصيتا «الكي» و«البخ»، المنتميتان أصلا إلى حقل الطب الشعبي، رديف الدجل والشعوذة، على ألسنة، لا عظام فيها، تصف المغرب بأقدح النعوت، ثم تعود لتتنصل من تصريحاتها، وتتهم الآخرين بالتأويل والفهم الخاطئين.هل أصبح بعض الفنانين والإعلاميين المصريين أقطابا صوفية، دون علمنا، بلغوا مراتب من الاجتهاد الصوفي لدرجة أن كلامهم صار يحتمل الظاهر والباطن، ومفتوحا على أكثر من تأويل؟ أم ربما هو «السحر المغربي» ضرب أولئك فجعلهم ينطقون بما لا تهوى أفئدتهم ولا يجول في خواطرهم؟ لكن دعونا نتوقف عند هذه الاتهامات الطريفة حقا، والتي تجعل المغرب والمغاربة غارقين «في شوشتهم» وسط أدخنة البخور وعوالم الطلاسم والجداول و«الثقاف» و«المحبة» وغيرها من مكونات عوالم السحر، وكأن المصريين والمشارقة الذين عمموا هذا الحكم وخصوا به المغرب فقط، يتحدثون من موقع «ما بعد الحداثة»، وكأنهم قطعوا مع الخرافة واعتنقوا الفكر الوضعي على حين غرة، وبلغوا من التقدم والإيمان بالعلم مراتب لم نبلغها بعد، وكأننا لسنا في الهم والتخلف «شرق».والأطرف من ذلك هي الطريقة التي يتراجع بها أصحاب «الفز» عن تصريحاتهم، متهمين الآخرين بتحريف أقوالهم وسوء فهمها، وكأنها جاءت مكتوبة بالهيروغليفية على مخطوطات ورق «البردي» وأكلت الأرضة جزءا منها، ولم ترد في فيديوهات ما زالت شاهدة على أقوالهم، لا مجال فيها للتحريف والتقول.هل يمكن أن ننطلق من حالات أماني الخياط ويوسف شعبان ووفاء الكيلاني وعمرو أديب وآخرين، لنعمم نحن الآخرين حكما على المصريين ونصفهم بالمعتوهين والمخبولين، يقولون الشيء وضده في الوقت نفسه، ويأكل بعضهم «الغلة» (ربما تكون مسحورة) ويسب الملة؟من غير المعقول تعميم حكم يتعلق بحالات محدودة، ليشمل الجميع، وهو الأمر الذي كان على الأشقاء المصريين أن ينتبهوا له، فالمغرب لم ينجب السحرة والمشعوذين فقط، رغم أن أرض مصر لا تخلو منهم، بل أنجب أيضا مفكرين، وكان منارة للعقلانية عبر التاريخ منذ زمن ابن رشد وابن طفيل وابن باجة إلى الجابري والعروي، في الوقت الذي كان فيه الشرق مستسلما لسلطة الغزالي والحنابلة والوهابيين، ومجالس الزار والدراويش.كما أن السحر، باعتباره ظاهرة إنسانية، لم يكن المغرب مختصا به من بين أقطار هذا العالم المسمى مجازا «عربيا»، وإلا لاستحضرنا الباع الطويل للمصريين مع السحر منذ زمن الفراعنة، وكيف أن نبيا مثل موسى لم يجد خصوما له على أرض الكنانة، دون بقية الأنبياء، سوى السحرة، وننزلق نحن أيضا إلى الخطأ نفسه، فنصف المصريين بأحفاد السحرة الذين يبحثون عن مهنة أجدادهم لدى المغاربة.عزيز المجدوب