تشتغل بنظام "ساج" في نسخته الثانية ورئاسة المحكمة نجحت في "حوسبة" كل الإجراءات والمساطر التاسعة صباحا إلا ربعا، حركة دؤوبة بالحي الإداري لسطات، حيث تنتصب أهم المؤسسات العمومية داخل المدينة والإقليم، وفي العادة تكون المحكمة الابتدائية الوجهة الأكثر طلبا بالنسبة إلى سيارات الأجرة الصغيرة. وجوه من مختلف الأعمار تسابق الخطى نحو بوابة كبيرة يحرسها رجلا أمن يدققان بإمعان في هويات الداخلين وأسباب الزيارة، ومن بين العشرات من الأسباب التي يواجه بها رجال الأمن، حضور الجلسات من أجل وضع الشكايات أو كشهود في قضايا أو مطالبين بالحق المدني أو حتى متهمين يحاكمون في حالة سراح، يتقدم أشخاص من أجل المراقبة الإلكترونية لمعرفة مسار ملفاتهم عن طريق أجهزة إلكترونية مخصصة لهذا الغرض. أجهزة إلكترونية تختصر الزمن الإداري تنتصب بالبهو الخارجي للمحكمة الابتدائية أجهزة إلكترونية تستأثر بفضول مرتادي المحكمة، العديد من المواطنين يكتفون بتفحصها بإمعان كبير ولسان حالهم يستغرب اقتحام التكنولوجيا محراب النسخ اليدوي والمحاضر والمستندات الورقية، امرأة تتكئ بخمول على أحد هذه الأجهزة، وحين يستأذنها شاب لاستعمال الجهاز الإلكتروني تعدل وقفتها بسرعة وتعتذر له بخجل «سمح ليا أولدي باغي الانترنيت تفضل». يخفي الشاب ابتسامة خافتة ارتسمت على شفتيه ويرد عليها باقتضاب «لا ألالة أنا را باغي نقلب فين وصل واحد الملف ديالي». لا يبدو أن المرأة فهمت قصده، وإن هزت رأسها بالموافقة وغادرت بسرعة في اتجاه قاعة الجلسات. الشاب يدعى هشام بازين، تعرض لطرد تعسفي فرفع دعوى ضد رب العمل من أجل التعويض، كتب رقما على لوحة المفاتيح المنتصبة أمامه، فظهرت له شاشة بيضاء عليها معلوماته الشخصية والملف الذي يبحث عنه ومعلومات عن مسار ملفه القضائي، أخرج من جيبه ورقة وقلما ودون تحت عنوان الإجراء المتخذ « تأخير الجلسة». قال»هشام» إن هذا الجهاز وفر عليه الكثير من الجهد والوقت كي يتعرف على مسار ملفه والخطوات التي يقطعها، دون سلك مساطر إدارية محكومة بالانتظار. يقطع حديثه موظف بقسم الاتصال بالمحكمة ويخبره أنه بإمكانه معرفة الإجراء حتى دون الانتقال إلى المحكمة، فيكفيه التوفر على رابط بالأنترنت حيثما كان، لولوج الموقع الإلكتروني للمحكمة الابتدائية بسطات ووضع رقم ملفه ليتعرف على كل الإجراءات المرتبطة به. تبدو علامات الرضا واضحة على ملامح «هشام» فالإجراء الأخير بالنسبة إليه بقيمة معنوية ومادية كبيرة.استعمال هذه الأجهزة الإلكترونية المنتصبة ببهو المحكمة لا يخص فقط المتقاضين، بل إن المحامين بدورهم يقتطعون من وقتهم لحظات لمراقبة ملفاتهم وتدوين المعلومات، فالإجراء يسمح لهم بكسب وقت ثمين بالنسبة إليهم أيضا. التحول إلى المحكمة الرقمية تشتغل المحكمة الابتدائية بسطات بالنظام المعلوماتي (ساج ) في نسخته الثانية بنسبة 100 في المائة، وفي هذا الصدد تؤكد رئاسة المحكمة أنه تم إدخال جميع الملفات المسجلة عن سنتي 2013 و2014 ويتم تحيينها في كل وقت منذ فتحها وتصفيتها لمناسبة كل جلسة، إذ يحضر تقني متخصص في مجال معالجة النصوص على الحاسوب لكل جلسة، ويقع تضمين قرار المحكمة أو الإجراء المتخذ بالنسبة إلى كل قضية في حينه وحين انعقاد الجلسة.ومن جهة أخرى فإن جل الإجراءات «محوسبة» منها مكاتب وشعب الخبرة والطعون المدنية والزجرية والتبليغ والتنفيذ المدني والتبليغ والتنفيذ الزجري والسجل التجاري والسجل العدلي وقسم قضاء القرب وجميع شعب ومكاتب قسم قضاء الأسرة، بما في ذلك شعبة الطعون وتوجيه الاستئنافات وملفات الزواج والكفالة.كما أن أغلب القضاة يحررون أحكامهم وقراراتهم شخصيا بالحاسوب وتكون جاهزة ورهن إشارة ذوي المصلحة منذ تاريخ النطق بها.وفي هذا الصدد، تم تجميع الأحكام والقرارات خاصة تلك الصادرة خلال سنتي 2013 و 2014، على دعامات إلكترونية وتم حفظها كما وقع نسخ ما هو محفوظ منها ورقيا بواسطة الماسح الضوئي وحول إلى نظام (PDF ) الذي يسمح باستخراج نسخ منها إلكترونيا، يتم حاليا العمل على إيجاد آلية حمائية لهذه المعطيات حتى تكون مطابقة للواقع والأصل، وتسمح بالتالي بتسليم نسخ الأحكام بمكاتب أمامية لأصحاب الشأن بطريقة ميسرة وسلسة لسهولة البحث.كما أنه على سبيل الإعداد للملف الرقمي، تعمل المحكمة الابتدائية بسطات على نسخ وثائق بعض الملفات بالماسح الضوئي ليصبح ملفا إلكترونيا إلى جانب الملف الورقي ويحفظ الأول، ليكون نواة للأرشفة الإلكترونية المستقبلية، علما أنه يحال على القاضي المكلف أو المقرر للدراسة عن طريق البريد الإلكتروني مما يساعد القاضي على تحرير حكمه مسبقا وهذه العملية انصبت في مرحلة أولى على القضايا البسيطة، كقضايا الحالة المدنية والطلاق الاتفاقي، وهو ما ساعد في تمكين الأطراف من الإذن بتوثيق الطلاق بالجلسة، إضافة إلى ملفات إهمال الأسرة ودعاوى تذييل الأحكام والعقود الأجنبية وملفات الأوامر المختلفة والأوامر بالأداء والأوامر الاستعجالية وطلبات إلغاء أحكام قضاء القرب.وسيتم حسب رئاسة المحكمة تعميم هذه العملية على بقية الملفات بما فيها الجنحية، مع الإشارة إلى أن التأخر في تزويد المحكمة بحواسيب مكتبية وأجهزة المسح الضوئي الكافية، حال دون مواصلة تعميم حوسبة جميع الإجراءات ودون استكمال الأرشفة الإلكترونية للملفات الرقمية. وتعتبر رئاسة المحكمة الابتدائية بأن تحسيس جميع المتدخلين وحثهم على التعامل مع المحكمة بالدعامات الإلكترونية خير معين في تحقيق هذه الأهداف التي من شأنها أن تساعد على سهولة ولوج العدالة وفي أجل معقول وبجودة مما يحقق الاقتصاد في المال والجهد والوقت. حل عملي من أجل تجنب الاكتظاظ التحول إلى «المحكمة الرقمية» ليس فقط إجراء إداريا يتساوق مع التحولات الكبيرة داخل عالم يزحف نحو «الرقمنة» الشاملة داخل الإدارة، فالعديد من الموظفين والمحامين والقضاة يعتبرونه حلا عمليا من أجل تجنب اكتظاظ غير مستساغ، خصوصا أن عددا هائلا من الزيارات التي تستقبلها المحكمة يوميا يكون بغرض الاستعلام حول مسار الملفات الجارية. هشام الأزهري (سطات)