زواكي: النيابة العامة خصم شريف

وكيل الملك بزجرية البيضاء أكد أن الاعتقال الاحتياطي متشابك وصعب في ظل عقلية تؤمن بالفكر الانتقامي قال محمد زواكي، وكيل الملك لدى المحكمة الابتدائية الزجرية بالبيضاء، إن النيابة العامة يجب أن تساهم في محو الفكر الانتقامي، الذي يحاول المجتمع إلصاقه بها من خلال ثقافة “الغراق”، لأن دورها هو حماية المجتمع. ودعا في حوار مع “الصباح” إلى إعادة النظر بالنسبة لتجريم الشيك، مشيرا إلى أن النيابة العامة للمحكمة الزجرية تعرف تسجيل 100 إلى 120 شكاية بشكل يومي، ويقدم يوميا ما بين عشرة إلى خمسة عشر شخصا بسبب الشيكات. في ما يلي نص الحوار: أجرت الحوار: كريمة مصلي / تصوير(عبد اللطيف مفيق) يشكل الاعتقال الاحتياطي موضوعا شائكا في ظل الأرقام التي يعلن عنها، والمناشير التي تدعو إلى ترشيده، كيف تعملون على تدبيره؟ > كما تعرفون، الاعتقال الاحتياطي مسألة تؤرق الجميع، فهو لا يؤرق المجتمع في حد ذاته، بقدر ما يشكل عبئا في التدبير، لأن مسألة تدبير الاعتقال الاحتياطي ليست جديدة، ومحل نقاش منذ سنوات، وهنا لا بد من استحضار نقطة مهمة، هو أن الاعتقال مرتبط بتزايد مستوى الجريمة في المجتمع وارتفاع عدد السكان، وأنا أرى شخصيا أن الاعتقال الاحتياطي يجب إعادة النظر فيه، من خلال مقاربة بين الأمن العام والردع الذي يجب أن يتحقق، لأن النيابات العامة واعية بمسألة ترشيد الاعتقال الاحتياطي، خاصة أن الموضوع جديد قديم وهو محل مجموعة من الدوريات والمناشير لرئاسة النيابة العامة، وموضوع اجتماعات متعددة، سواء على المستوى المركزي لرئيس النيابة العامة، أو المحلي في إطار الدائرة الاستئنافية، التي يعقدها الوكيل العام للملك، أو التي أعقدها شخصيا مع النواب، فهو عمل يومي يرمي تدبير وضعية المعتقلين، في ظل ثقافة مجتمعية تحاصر عمل النيابة العامة وتميل إلى الانتقام أكثر من تحقيق وتطبيق القواعد القانونية. كيف ذلك؟ > الأشخاص لا يعون جيدا أن المتابعة في حالة اعتقال أو سراح ليست سوى البداية، وأن هناك محاكمة تلي قرار النيابة العامة. ونقطة مهمة يجب أخذها بعين الاعتبار، هو أن المشتبه فيه يتمتع بقرينة البراءة ويجب احترامها والمقاربة بينها وبين الاعتقال الاحتياطي، فموضوع الاعتقال الاحتياطي هو موضوع متشابك وصعب في ظل وجود عقلية تؤمن بالفكر الانتقامي، وهي عقلية يجب محاربتها، والتأكيد على أن النيابة العامة لا تعمل بالفكر الانتقامي، وإنما يتم تطبيق القانون وفق ضمانات المحاكمة العادلة. هذا الحديث يجرنا لسؤال حول نسبة الاعتقال الاحتياطي بالمحكمة الزجرية الابتدائية. > نسبة الاعتقال الاحتياطي التي سجلت السنة الماضية لم تتجاوز 17 في المائة، وهي نسبة أقل بكثير من المعدل الوطني للاعتقال الاحتياطي، وهنا لا بد من الحديث عن العدد الكبير للأشخاص، الذين يقدمون بشكل يومي أمام هذه النيابة العامة، والذي يتراوح ما بين 400 و500 شخص يوميا، إذن 17 في المائة نسبة معقولة ونسعى إلى تخفيضها. وخلال الشهر الماضي والشهر الجاري وفي إطار تتبع وضعية المعتقلين الاحتياطيين، ضمن اللجنة المحلية التي تضم إلى جانب وكيل الملك رئيس المحكمة ومديري السجون التابعين للدائرة القضائية وقضاة التلبس وبعض نواب وكيل الملك لتتبع الوضعية، فإن نسبة الاعتقال الاحتياطي لم تتجاوز 10.35 في المائة، وهي نسبة إذا قورنت بمحاكم أخرى، فإنها أقل بكثير من المسجل في تلك المحاكم، فنحن نسعى إلى ترشيد الاعتقال والطعون لعدم إثقال كاهل الاستئناف بملفات أحكام نعتبرها معقولة حتى تلك التي تصدر بالبراءة. إذن النيابة العامة في الملفات التي تقتنع فيها بالبراءة لا تطعن... > النيابة العامة خصم شريف ليس لديها فكر انتقامي، وعندما تقتنع أن ذلك المتابع يستحق البراءة، فأولى أن تكون هي السباقة للمناداة بذلك في الجلسة، وليس فقط في عدم استئناف الحكم الابتدائي، لترجمة النيابة العامة المواطنة التي تسهر على حسن تطبيق القانون وتحقيق العدل، لأن القاعدة الفقهية تقول إن إفلات 1000 مجرم من العقاب خير من إدانة بريء، والفكر القديم والذي كان يلصق بالنيابة العامة تهمة “الغراق”، يجب محاربته، لأن النيابة العامة تحمي المجتمع والمواطن، فهي محامي المجتمع، والساهر على حمايته من كل ما يمكن أن يتعرض له من جرائم وتتصدى لمرتكب الفعل، في تفعيل للأمن الاجتماعي والقضائي. آخر الدواء على ذكر الشكايات وبالأخص المتعلقة بالشيكات دون رصيد، هل بالفعل يسجل بهذه المحكمة أكبر عدد منها؟ > بطبيعة الحال، فالبيضاء هي القطب الاقتصادي للمملكة وتضم حركة اقتصادية واسعة، فطبيعي أن المعاملات بالشيكات تكون مرتفعة خلاف باقي محاكم المملكة، إذ يتم التعامل معها في إطار القانون، مع استحضار مسألة مهمة، وهي أنه ليس كل من يتعامل بالشيك يحمل صفة مجرم، ولكن القانون للأسف يعاقب على إصدار شيك دون توفير مؤونة، وفي العديد من الحالات يتم اللجوء إلى الصلح برضا الأطراف لإيجاد حل، ولكن في الحالات التي يتشبث فيها المشتكي بحقه يتم تطبيق القانون، وتتم المتابعة وفي الحالات التي يكون مبلغ الشيك ضئيلا تتم المتابعة في حالة سراح. هناك نقاش قانوني بشأن موضوع الشيكات، فبعض الدول تخلت عن تجريم التعامل بالشيك، لأنه وسيلة للتعامل وللضمان، والواقع العملي يؤكد ذلك، ولكن القانون شيء والواقع شيء آخر، ولتدبير هذا الملف يتم اللجوء إلى العديد من الوسائل، من قبيل الصلح وإمهال مصدر الشيك مهلة لأداء ما بذمته، وفي النهاية يتم تطبيق القانون، لأن آخر الدواء هو الكي. وبحكم تجربتي تجب إعادة النظر بالنسبة لتجريم الشيك، ففي النيابة العامة للمحكمة الزجرية يتم تسجيل 100 إلى 120 شكاية بشكل يومي، ويقدم يوميا ما بين عشرة إلى خمسة عشر شخصا بسبب الشيكات. شكايات متعثرة على ذكر الأمن الاجتماعي وحماية المواطن، هناك حديث عن تعثر البت في الشكايات المحالة على النيابة العامة منذ سنوات، هل الأمر صحيح؟ > بالفعل هناك إشكالية، في شأن التأخر في البت في بعض الشكايات، وهي أمور تعود لسنوات، ومنذ أن وطأت قدماي هذه المحكمة عملت في إطار فريق العمل على أن تمر الأبحاث القضائية بسرعة بكيفية محايدة وتبحث عن الحقيقة. هناك شكايات تعرف نوعا من التعثر وذلك لطبيعة الموضوع ، التي تتطلب أبحاثا معمقة ما يزيد من عمرها، وفي الوقت الحالي نعمل في إطار مخرجات الاتفاق الذي أبرم على المستوى المركزي، بين رئاسة النيابة العامة والمديرية العامة للأمن الوطني، والدرك الملكي، والذي تم تحديد خلاله آجالا للبت في الشكايات لا تتجاوز ثلاثة أشهر، وشهرين بالنسبة للمحاضر، ويمكن القول إنه بنسبة كبيرة يتم احترام هذه الآجال، إلا أننا نعاني داخل هذه النيابة العامة بسبب المخلف والتراكم، والذي يرجع السبب الرئيسي فيه إلى قلة الموارد البشرية، سواء من نواب وكيل الملك أو القضاة أو الموظفين، ورغم ذلك نحاول التغلب عليها والإحصائيات تتحدث عن ذلك بشكل مفصل. نحارب "السماسرة" وعلى المواطن مساعدتنا "السماسرة" يقتاتون من مآسي الناس، التي تبحث عن حلول بأي طريقة، أنا أظن أن عدم الإيمان بالقانون وأنه يسري على الجميع، وعدم الثقة، هو ما يدفع الناس إلى اللجوء إلى “سماسرة”. وبالرجوع إلى ثقافة المجتمع وإلى الواقع المعيش، على اعتبار أنه لا يمكن علاج بعض الظواهر دون الرجوع إلى الواقع، في جميع العائلات وعند حدوث مشكل ما يتم البحث عن وسائل وأشخاص، وهو ما يتم استغلاله. ويمكن القول إن هذه الممارسات أو السمسرة بدأت تقل بعض الشيء، بفضل الرقم المباشر لرئاسة النيابة العامة للتبليغ عن أي محاولة من هذا القبيل، وسياسة الباب المفتوح التي أنهجها، وهي كلها وسائل لمحاربة الظاهرة، ولا توجد أي مبررات لمن يفترض النصب عليهم من قبل وسطاء، ألا يبلغوا. محاربة هذه الظاهرة تبدأ بتنظيم الولوج إلى المحكمة، وسد الطريق عن هؤلاء. أما ما يقع خارجها فلا يمكن ضبطه، إلا من خلال تغيير ثقافة المواطن وإيمانه بتطبيق القانون، وأنه في حال ارتكاب أي جريمة، فإنه سيعاقب عليها، والشيء تفسه بالنسبة لعائلته وإلا سيتم توليد أشخاص لا يؤمنون بتطبيق القانون، ويمكن التوعية الاجتماعية والحرص على توضيح الإجراءات لعدم اللجوء لمثل هذه السلوكات، إذ يمكن الحصول على حلول قانونية بالصلح دون اللجوء إلى وسطاء. لأنه بحكم العمل على مدار سنوات يمكن القول إنه لا وجود لمجرم بالفطرة، وإنما هو نتاج ظروف اجتماعية أو تعاطي المخدرات، الذي يعد السبب الرئيسي في ارتكاب العديد من الجرائم. وأنا دائما أوجه نداء للمجتمع المدني لتوعية الشباب ومحاربة المخدرات، لأن الذي يتضرر من وجودها هو المجتمع، والأسرة، والشباب، وهي مسؤولية تقع على عاتق الجميع. فالنيابة العامة تعمل على محاربتها من خلال التعليمات التي تصدرها للضابطة القضائية، إلا أن ذلك غير كاف، ويتطلب الأمر تضافر الجهود لإنقاذ الشباب. المسؤول ينمي شخصية القاضي في نظري التأطير هو واجب المسؤول القضائي، الذي يجب أن يتوفر على تشخيص للمحكمة ونظرة مستقبلية للأهداف، التي يرغب في تحقيقها، ولا يمكن تحقيق تلك الأهداف إلا بوجود فريق العمل المتكون من نواب وكيل الملك والموظفين، ودور المسؤول هو التحفيز والتشجيع ومعرفة نقاط الضعف والخلل الموجودة في الشعب، بالإضافة إلى تحميل النائب مسؤولية القرار الذي يتخذه لزرع الثقة لديه، فدورنا هو تكوين قضاة في المستوى الذي يشرف البلاد، لأن القاضي يجب أن يتوفر على شخصية و”كاريزما”، بالإضافة إلى التكوين المتين. ونعود إلى التأطير في الاعتقال الاحتياطي مثلا، فالقرار الذي يتخذ في بعض الملفات يتم من خلال إشراك النواب فيه ومن خلال مناقشة تكون بمثابة تأطير للنائب، في شأن وقت إمكانية تطبيقه، وهي استراتيجية العمل التي أومن بها. ففي ملفات الاعتقال أو المتابعة في حالة سراح، يتم اتخاذ القرار بشكل جماعي، رغم أن القانون يعطيني صلاحية اتخاذ القرار، ولكن المهم هو أن يتعلم النواب الاستقلال بالقرار، لأنهم قضاة المستقبل وسيتحملون المسؤولية، وهنا يكون التأطير ضروريا لإيجاد الخلف، الذي يفترض أن يكون على قدر من تحمل تلك المسؤولية ويؤتمن على حقوق وحريات الناس. 500 ملف لغسل الأموال جرائم غسل الأموال من الجرائم الحديثة، إذ بعدما كان الاختصاص موكولا إلى المحكمة الابتدائية بالرباط، تم توزيعه على عدد من المحاكم في التنظيم القضائي الجديد، ومن ضمنها المحكمة الزجرية الابتدائية بالبيضاء. كما تعلمون فإن جرائم غسل الأموال لها طبيعة خاصة، وهناك مؤسسات تعمل في هذا المجال وفرق قضائية متخصصة في البحث المالي وتتبع الحسابات البنكية والمعاملات، سواء عقارية أو مالية، للوقوف على أصل الأموال. جريمة غسل الأموال هي جريمة مرتبطة بجرائم أخرى، فهي لحد الساعة ليست جريمة مستقلة بذاتها، هذا النوع من الجرائم يمنح أهمية خاصة وبالغة، ويتم تتبع جميع الخطوات مع الضابطة القضائية، إذ تمتاز بأنها من الجرائم التقنية التي تتطلب بحثا مطولا. ومن أجل الاحتراز فإن النيابة العامة عندما تتكون لديها قناعة بشبهة ارتكاب جريمة غسل الأموال، تعمد إلى عقل الحسابات المالية والعقارية إلى حين انتهاء الأبحاث، وإثرها يتم اتخاذ القرار المناسب. وهناك نواب لوكيل الملك مختصون في البحث في هذه الجرائم، ويشاركون في الدورات التكوينية التي تقوم بها رئاسة النيابة العامة، وهي شعبة مهمة وأرى أنه يمكن أن تكون أهم شعبة بالنيابة العامة بالمحكمة الزجرية بالبيضاء في المستقبل، بحكم طبيعة المعاملات في العاصمة الاقتصادية وكثرة الملفات التي تحال عليها. فالعدد يفوق 500 ملف يبحث فيه من قبل الضابطة القضائية، ولا بد من الإشارة إلى أن أغلب الملفات المتعلقة بهذا النوع من الجرائم يحال على قضاء التحقيق، لإضفاء ضمانة أكبر والتحقق من سلامة المعاملات المالية والموارد المالية للمشتبه في ارتكابه جريمة غسل الأموال. حلم أم لا يخفي محمد زواكي، وكيل الملك بالمحكمة الزجرية الابتدائية بالبيضاء، افتخاره بالانتماء إلى المدينة المليونية، فالعشق البيضاوي لها ينبعث من حديثه، الذي يؤكد من خلاله أن جذوره منها وولادته كانت في المدينة القديمة، التي تنفس هواءها وارتوى من مائها، ولعب في أزقتها وسبح في مسابحها وشواطئها. لم يكن القضاء هدف زواكي، كان حلمه التدريس الجامعي والذي سعى إليه، إذ لم يكتف ابن البيضاء بالإجازة للبحث عن وظيفة، بل قرر مواصلة مشواره الدراسي والحصول على دبلوم الدراسات العليا. شاءت الأقدار أن يتغير المسار الذي رسمه زواكي لنفسه، بعد أن عمد أصدقاؤه إلى تقديم ملفه لاجتياز مباراة القضاء، وأقنعوه بذلك، ولأن الأمر لم يكن يستهويه كما التدريس، لم يكلف نفسه عناء المراجعة، واكتفى بما تختزنه ذاكرته من معلومات حصلها في مساره الدراسي، وكانت هذه بداية نقطة التحول، إذ نجح في المباراة، واستطاع أن يحقق حلم والدته في أن يكون قاضيا. كانت البداية في 1988 بالقضاء الجالس بالرباط وسوق أربعاء الغرب، وفي 1994 عاد إلى المدينة الأم البيضاء وعين في النيابة العامة. يؤكد زواكي أنه كان محظوظا بالاشتغال رفقة قضاة عظماء، بدءا بمحمد ليديدي في الرباط ونور الدين الرياحي وعبد الله حمود، الذي هو الآن المفتش العام ومحمد عبد النباوي الرئيس المنتدب، ومولاي الطيب الشرقاوي، وهي أسماء ساهمت في تكوين شخصيته القضائية، ويضيف زواكي أنه مدين لهم بالشيء الكثير في مسيرته المهنية. وبعيدا عن القضاء، يؤكد زواكي أن المدرسة الأولى التي تكون فيها وشكلت منهاج حياته، مدرسة والده الذي كان يضع أسسا في التربية، تعتمد على “المعقول” وحسن السيرة والسلوك.

زواكي: النيابة العامة خصم شريف

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

جريدة الصباح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

أخبار الصباح

أغلبية مجلس العاصمة تؤجل ندوتها بعد تعنيف أعضائه

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات