بنزاكور: الجماعات شوهت سمعة الداخلية

رغم كل الممارسات السلبية التي تسجلها تقارير مؤسسته، اعتبر وسيط المملكة عبد العزيز بنزاكور أن ذلك لا يعني قطعا أن الإدارة المغربية مرتع للفساد، أو أن جميع المسؤولين الإداريين فاسدون، إلا أن الحالات السلبية المسجلة، حتى ولو كانت محصورة عدديا، فإنها تمس سمعة البلاد، وتعطل مصالحها، فضلا عن إضرارها بحقوق المرتفقين، محملا المسؤولية للمنتخبين الذين وضعوا وزارة الداخلية في مقدمة القطاعات المستهدفة. هناك بعض أصحاب التظلمات تتحطم آمالهم عندما يكتشفون أن ملفاتهم انتهت بإصدار توصيات وليس أحكاما لها قوة الإلزام. من الأكيد أنه ليس مهما إصدار التوصية، بل الأهم هو إعمالها والاستجابة لمضامينها، فقد تقع الإدارة في أخطاء، لكن من غير المقبول أن تجعل بعض الإدارات نفسها فوق القانون، لأن مصداقيتها تكمن بالذات في تقيدها بالمشروعية، وفي انصياعها وأخذها بما انتهى إليه القضاء، والمؤسسات الدستورية.ولذلك، تستمد مؤسسة وسيط المملكة قوتها من سمو الدستور، ومن سيادة القانون المؤطر لها، ومن القيم والمبادئ التي تتأسس عليها رسالتها، حيث تشكل دسترتها، على الخصوص، سندا لأعمالها وعمادا لإلزامية توصياتها. وهكذا، فاعتمادا على ما لامسته المؤسسة من تجاوب بعض الإدارات، يمكن التأكيد على أنه، في الآونة الأخيرة، كان لتوصياتها وقع بالغ الأهمية على مستوى دينامية العمل الإداري في علاقته بالمرتفقين.كما تجدر الإشارة إلى أنه، ضمانا لفعالية المؤسسة، فقد أتى الظهير الشريف المحدث لها بجملة من وسائل التأثير القانونية، ومن ذلك صلاحية إشعار رئيس الحكومة بحالات امتناع الإدارة عن تفعيل التوصيات الهادفة إلى تذليل الصعوبات التي يلاقيها المتعاملون معها، وصلاحية طلب اتخاذ الجزاءات اللازمة، والتدابير الضرورية بخصوص كل سلوك من جانب الإدارة يحول دون قيام المؤسسة بمهامها، أو عدم قيام الإدارة بالدعم اللازم للمؤسسة، أو التهاون في التعامل معها، بالإضافة إلى صلاحية طلب إجراء متابعة تأديبية، وحتى جنائية، ضد كل موظف ثبت أن التظلم يعود إلى خطأ أو سلوك شخصي من طرفه، أو في حال التهاون في القيام بالمطلوب منه. ومع ذلك تأتي تقارير الوسيط السنوية بأرقام تؤكد تعنت القطاعات الحكومية في التعامل مع توصياته، ألا تعتقدون بأن الوسيط فارس أعزل في مواجهة إدارة مسلحة بما يسميه فقهاء القانون الإداري عمل الأمير؟ من أبرز ما لاحظناه من مواقف القطاعات المعنية بالتظلمات المعروضة علينا، والتي عملنا ونعمل على إيجاد الحلول المناسبة بشأنها: أولا الامتناع أحيانا، أو على الأقل التماطل في ما يتعلق بتنفيذ الأحكام القضائية، بسبب غياب وجود اعتمادات مالية نتيجة عدم اتخاذ المسؤولين الإداريين التدابير الاحتياطية المالية اللازمة. وقد أصدرت المؤسسة عدة توصيات في الموضوع لاقت تجاوبا ملموسا من طرف رئيس الحكومة، حيث أصدر توجيهاته إلى المسؤولين الإداريين يحثهم بوجوب المبادرة إلى تنفيذ الأحكام، وذهب إلى حد التنبيه إلى إمكانية تطبيق عقوبات إدارية في حق من ثبتت مسؤوليته في تعطيل مساطر التنفيذ، وذلك إضافة إلى دعوة وزارة الداخلية كوصية على المجالس المنتخبة بعدم المصادقة على ميزانيات هذه المجالس ما لم تدرج المبالغ المحكوم بها ضمن هذه الميزانيات.وفي السياق نفسه ، أثرنا الانتباه إلى ضرورة تراجع الحكومة عن المادة 8 من مشروع قانون المالية لسنة 2015 لما فيها من عرقلة للتنفيذ، وهو ما تم بالفعل.وثانيا عدم احترام مسطرة نزع الملكية للمنفعة العامة، أو عدم منح التعويض المنصف عن العقار المنزوع جبريا، ولجوء الإدارة إلى الاعتداء المادي الذي يجمد، في حالات عديدة متعلقة ببرامج التهيئة العمرانية، حق الملكية المحصنة دستوريا لمدة تفوق عشر سنوات دون تعويض صاحبه ودون إنجاز المشروع المبرمج، فتم استصدار دورية وزارية تفتح السبل لاسترجاع كامل حق المالك في عقاره، وتهرب بعضها من الالتزامات التعاقدية ضمن الصفقات العمومية لإنجاز مشاريع عمومية، وخرق مبدأ استمرارية المرفق العام وخاصة من طرف المجالس المنتخبة، واستمرار تطبيق مساطر إدارية معقدة ولا تواكب متطلبات العصر، بسبب عدم تحيين النصوص المرجعية، وتمادي عدد من الإدارات في عدم تعليل القرارات الإدارية، والتهرب من شرح الأسباب الموجبة لقرارات مختلفة تهم تدبير شؤون الموظفين والتذرع بالسلطة التقديرية.رغم كل هذه الممارسات، فإن ذلك لا يعني قطعا أن الإدارة المغربية مرتع للفساد، أو أن جميع المسؤولين الإداريين فاسدون، إلا أن الحالات السلبية المسجلة، حتى ولو كانت محصورة عدديا، فإنها تمس بسمعة البلاد، وتعطل مصالحها، فضلا عن إضرارها بحقوق المرتفقين.وإذا كانت المؤسسة أشارت في تقريرها برسم سنة 2013 إلى بعض الإدارات التي لم تستجب لتوصياتها، أو على الأقل لم تقم بعد بذلك، فإنها تتغيى دفعها إلى مراجعة مواقفها، وتصحيح كل خلل يؤثر على جودة عملها، وتسريع الأخذ بتلك التوصيات.إن دور المؤسسة لا يكمن في مجرد رقابة ودفاع، بل في مزيد الحرص على التقيد بالمشروعية والشفافية في العمل الإداري، وفي دعم المواقف العادلة والمنصفة، والإقلاع عن كل ممارسة لا تنسجم مع الإدارة المواطنة، التي نادى بها جلالة الملك نفسه.هذا، وإن المؤسسة والإدارة ليستا في مواجهة، بل يليق بهذه الأخيرة أن تكون في شراكة مع المؤسسة، صيانة للشرعية وتحقيقا للإنصاف. فلابد من التواصل والوضوح في التعامل، وتكثيف التعاون من أجل إيجاد حلول لما استعصى من قضايا.إن المؤسسة لا تبحث أساسا عن مؤاخذة أو إدانة، بل تفضل العمل على إصلاح ذات البين وتسوية الأوضاع التي يشكو منها المرتفقون، كما تفضل الدفع وديا إلى إرجاع الأمور إلى نصابها، ما لم تكن مضطرة إلى غير ذلك. أجرى الحور: ياسين قطيب

بنزاكور: الجماعات شوهت سمعة الداخلية

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الدفاع يسحق "الماص" في 45 دقيقة

"المكتبة" يناقش واقع الكتاب والنشر

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات