ابتدائية عين السبع… جلسة التنازلات

أهم ما ميز جلسات المحاكمة بالابتدائية الزجرية عين السبع بالبيضاء، زوال الثلاثاء الماضي، بالقاعة 3، تقديم أغلب الضحايا تنازلات لفائدة المتهمين. ورغم هذه المبادرة، إلا أنها لم تكن كافية للحكم ببراءتهم، وإن استفادوا من عقوبات مخففة تراوحت بين الحبس النافذ والموقوف لأشهر معدودة. كانت القاعة 2 داخل محكمة عين السبع، مكتظة بعائلات المتهمين والضحايا، لدرجة أن عددا من الحضور رجالا ونساء، اضطر إلى الوقوف بعد أن امتلأت المقاعد، وهم ينصتون باهتمام إلى مضمون النقاش بين رئيس الجلسة وبجانبه ممثل النيابة العامة وكاتب ضبط، والمحامين والمتهمين، لمعرفة وقائع القضايا، رغم أن قضية أقاربهم ستعرض عما قريب.كانت أهم قضية تفاعل معها الحضور، تتعلق بشخص متهم بالضرب والجرح، ساهم فيها النقاش القانوني الحامي بين دفاع المتهم والضحية. وقائعها أن المتهم اكترى محلا للتلحيم من امرأة، تعيش صراعا بين أقارب لها، الذين حسب ملف النازلة، لهم نية في الحصول على هذا المحل، لدرجة أنهم هددوا كل من يحاول كراءه، باستثناء المتهم الذي تحداهم واكتراه. موقف لم يغفره الأقارب، فدخل معهم أيضا في خلاف تطور إلى ملاسنات ومواجهات استعان فيها المتهم بالحجارة فأصاب أحدهم في رأسه. كان المتهم يقف بخشوع أمام رئيس الجلسة، استعان بمحاميين، أكدا خلال ترافعهما براءة المتهم من المنسوب إليه، مستندين في ذلك، إلى أن الشرطة لما حضرت وجدته يحمل قضيبا، قالا إنه للدفاع عن النفس بعد أن تسلح المهاجمون بأسلحة بيضاء، كما قللا من أهمية شهادة الشهود لإدانة موكلهما، التي حسب قولهما، لم تؤكد معاينة اعتداء المتهم على الضحية ، وإنما أكد فيها أصحابها أنهم وجدوا الضحية ساقطا أرضا وهو يصيح أن المتهم اعتدى عليه بحجر، كما حاولا الطعن في محضر الضابطة القضائية، والتمسك بتصريحات المتهم أمام المحكمة التي نفى فيها جميع التهم.هذا الموقف، أثار زميلهما الذي ينوب عن الضحية، الذي تمسك بحجية الشهود في محضر الضابطة القضائية. وبصوت مرتفع وكأنه يحاضر، شرع في عرض تفاصيل الاعتداء على موكله من قبل المتهم، واستمر في حديثه، الذي أجبر الحضور على التزام الصمت والإصغاء إليه، يبرز مدى القوة القانونية لمحاضر الشرطة القضائية وشهادة الشهود، متسائلا عن جدواها إذا لم تأخذ بها المحكمة. تعقيب محامي الضحية، استنفر دفاع المتهم الذي حاول الرد عليه، إلا إن رئيس الجلسة أمر بتأجيل التعقيب إلى الجلسة المقبلة. في قضية ثانية، وقف متهم أمام رئيس الجلسة برهبة، كان شابا طويلا ونحيف الجسد، تبين في ما بعد أنه يعمل مساعد سائق حافلة، اتهم من قبل فتاة كانت مسافرة على متن الحافلة التي يشتغل بها، بسرقة حاسوبها الشخصي كانت تضعه في حقيبتها. حديث القاضي للمتهم امتزج فيه التوبيخ والنصيحة، خصوصا عندما كشف له القاضي أن مهنته تفرض عليه أن يكون محل ثقة للمسافرين، لأنهم يسلمونه أمتعتهم التي تحمل أسرارهم، سواء كانت صورا أو ملفات وغيرها، وأنه ملزم بالحفاظ عليها لا بسرقتها.حاول المتهم دفع التهمة عنه، إلا أن قوة الأدلة كانت تجبره على الصمت، قبل أن يتدخل محاميه، الذي قدم لرئيس الجلسة تنازل الضحية عن متابعته، فقرر تأجيل الحكم إلى آخر الجلسة.مسلسل تقديم التنازلات سيتواصل في قضايا أخرى، إذ سيقف أمام رئيس الجلسة شاب في مقتبل العمر، وسيم وأنيق، لكن القضية المتابع فيها «كبر منو»، وهي العنف في حق امرأة وانتهاك حرمة منزل، إذ حسب وقائع النازلة، فقد اعترض الظنين سبيل الضحية وحاول إدخالها إلى منزلها عنوة. عرضت عليه المال وكل حاجياتها، إلا أنه تمسك بفعلته، لولا تدخل الجيران، فاضطر إلى الفرار قبل أن يتم القبض عليه.بدأ القاضي حديثه مع المتهم بسؤال «واش باغي شي حد ايتكرفس ليك على الأم ديالك ولا مرتك أو أختك؟»، أجاب المتهم أنه معجب بالضحية ولا يريد سوءا لها، وأنه يتحرش بها دائما بهدف التقرب منها، فرد رئيس الجلسة :» هي كتقول أنها مكترعفكش أو هددتيها، هاذي ماشي طريقة ديال واحد يقترب بها من بنت»، وبعد أن اطلع على ما جاء في ملف القضية، وجه له «الضربة القاضية» عندما أكد له أن الضحية متزوجة ولها ابنة، مضيفا :» ولا أنت عندك فحال مزوجة فحال ماشي مزوجة، ما شي مشكل»، قبل أن يتدخل محاميه، ويقدم للقاضي تنازلا يحمل توقيع الضحية وزوجها، ملتمسا تخفيف الحكم لأن المتهم لا سوابق له، فقرر القاضي تأخير النطق بالحكم إلى آخر الجلسة.قضية أخرى شهدت تقديم تنازل من قبل الضحية، وتتعلق بجريمة الخيانة الزوجية، متابع فيها شاب رفقة خليلته المتزوجة في حالة اعتقال، بعد أن ضبطا بمنطقة الرحمة بالبيضاء.خلال هذه الجلسة تقدم الزوج بتنازل عن المتابعة لفائدة زوجته، وهو ما أثار غضب عائلة الشاب، التي أبدت تخوفها من أن ينال ابنها العقاب لوحده، سيما، حسب قولها، لم يتم ضبطهما متلبسين بالجريمة.في القضية التالية، وقف متهم فارع الطول وقوي البنية، متهم بالاعتداء على رجل شرطة أثناء مزاولة مهامه، وبمجرد أن وقف أمام القاضي حتى خاطبه قائلا «أنت عطاك الله هاد الصحة باش تعدى على ناس ديال المخزن؟». حديث أربك حسابات المتهم، الذي حاول نفي التهمة عنه، مؤكدا أنه هو من تعرض للاعتداء من قبل الضحية وشرطي آخر.رد المتهم جعل القاضي يخاطبه بلهجة عنيفة « أنت لقاوك تسرق بنت ملي ادخلوا باش اعتقوها، أنت تعديتي على البوليسي»، نفى المتهم مجددا هذه التهم، وأكد أن واقعة السرقة وهمية، وأن الخلاف كان حول عدم وضعه خوذة أثناء سياقة دراجته النارية رفقة شريك له في حالة فرار، قبل أن يتوسل للقاضي أن زوجته حامل. رد عليه القاضي أن الفتاة تقدمت بشكاية في الموضوع وبالتالي فالواقعة ليست وهمية، قبل أن يختم حديثه مع المتهم «خاصك تكون مسؤول شي شويا، على الأقل على قبل ولدك اللي غادي إجي» فأغلق ملف القضية.خلال النطق بالأحكام على الساعة السادسة مساء، عم القاعة نوع من الفوضى، عائلات فرحة بتخفيف الحكم على أبنائها، وأخرى لم تسمع مضمون الحكم وتستفسر عنه، فيما دخلت عائلات متنازعة في ملاسنات داخل المحكمة، كادت أن تتطور إلى اشتباك لولا تدخل عناصر الأمن.مصطفى لطفي

ابتدائية عين السبع… جلسة التنازلات

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

امـتـحـان الـمـوسـم

محاكمة متهمين بتكوين عصابة للاختطاف بالناظور

مقالات ذات صلة