“بولنوار” يفضح الاستغلال الاستعماري للمغاربة

شرعت مجموعة من القاعات السينمائية الوطنية، أخيرا، في عرض الشريط السينمائي الجديد "بولنوار" الذي يعد ثاني تجربة للمخرج حميد الزوغي، الذي راكم تجارب عقود طويلة في مجال المسرح والتلفزيون والسينما. عن ظروف إعداد الشريط الجديد وعن جديد رؤيته الإخراجية في هذا العمل يخص المخرج المغربي "الصباح" بهذا الحوار الذي كشف فيه أيضا رأيه في العديد من القضايا المتصلة بمجالي الفن والثقافة في المغرب. جمعت في شريطك السينمائي الجديد "بولنوار" بين التاريخ والرواية كيف دبرت هذه المسألة فنيا؟ انشغالاتي في السينما منصبة بالأساس في اتجاه الاهتمام بالتاريخ، وأحاول ما أمكن أن أنفذ مشروعي الثلاثي المتمثل في تاريخ المغرب المعاصر، والذي حددته عبر ثلاث مراحل أولها يبتدئ نهاية القرن التاسع عشر من خلال شريط "خربوشة"، ثم المرحلة الثانية تبتدئ من النصف الأول من القرن العشرين إلى حدود نهاية الأربعينات، وثالثا لحظة خطاب الملك الراحل محمد الخامس بطنجة سنة 1947، إلى حدود استقلال المغرب، وقد تطرقت في شريط "بولنوار" للمرحلة الثانية وتناولت فيها جانبا من تاريخ القطاع المنجمي في منطقة "بولنوار" وسلطت الضوء على أبعاده السياسية والاجتماعية، وطرق مواجهة المغاربة للمد الاستعماري المرتكز على مشاريع التحديث القسري المعتمدة على استغلال العنصر البشري على نحو بشع.هذا في ما يتعلق بالجانب التاريخي، أما الجانب الأدبي، أود أن أحكي لك واقعة جرت لي قبل أسابيع، وهي أنني راسلت إدارة اتحاد كتاب المغرب بهدف الحصول على دليل الكتاب المغاربة، ولم أتلق أي إجابة بل علمت في ما بعد أن دليل اتحاد كتاب المغرب الموجود لم يتم تحيينه منذ أزيد من عشرين، وهذا يكشف التقهقر الذي وصلت إليه هذه الهيأة، وهذا جانب من مشكل التواصل الذي يعانيه المخرجون المغاربة مع زملائهم الكتاب، الشيء الذي يكشف الهوة التي تفصل الأدب عن السينما في المغرب على مستوى الأشخاص والهيآت. قلت إنك تشتغل على التيمة التاريخية ضمن مشروع ثلاثي، لكن هل اشتغالك على النص الروائي "بولنوار" ومنه موضوع المناجم كان مخططا له من قبل؟ لا لم أكن أفكر في هذا الموضوع إلا بعد أن اطلعت على رواية "بولنوار" للدكتور عثمان أشقرا، حينها انتهيت للتو من شريط "خربوشة" وبدأت تتبين لي ملامح المشروع السينمائي المرتكز على المواضيع التاريخية، حتى إن أحد الممثلين وهو بلعيد أكريديس هو الذي سلمني هذه الرواية، وتوسط لدى مؤلفها لتحويلها إلى عمل سينمائي، واستغرق تحضير العمل سنتين من البحث والتنقيب والتجريب، وكان من الممكن أشتغل على موضوع آخر ينتمي للحقبة نفسها، إلا أنني اقتنعت بفكرة الرواية بمجرد اطلاعي عليها ووجدت موضوعها مناسبا لما أبحث عنه. بالنسبة إلى الأصداء الأولى التي أعقبت خروج الفيلم إلى القاعات السينمائية قبل أسابيع، هل هناك تجاوب للمشاهدين مع هذه النوعية من الأفلام؟ في الحقيقة عندما كنت أشتغل على الفيلم لم يكن الهاجس التجاري حاضرا، لكن يهمنا الانتشار والوصول إلى أكبر عدد من المشاهدين بأي طريقة، بدأنا الآن بالطريقة العادية أي وضع الفيلم في القاعات السينمائية وإذا لم تؤت أكلها سنحاول بوسائل أخرى، خاصة أن مستوى تفاعل المشاهدين مع العمل في القاعات السينمائية لم يكن بالمستوى المطلوب، إذ ما زال الإقبال ضعيفا عليه. اعتمدت في الفيلم على طاقم فني مغمور هل يتعلق الأمر بإكراهات إنتاجية مادية أم باختيار فني ضمن العمل؟ أولا الممثلون النجوم في المشهد الفني المغربي معدودون على رؤوس الأصابع، لكن بالنسبة إلي هؤلاء الممثلين تجدهم يشتغلون على أكثر من واجهة فنية سواء في السينما أو المسرح أو التلفزيون، وهذا من حقهم، حتى أصبحوا مستهلكين كثيرا، من جهة أخرى أفضل الاشتغال على عنصر المفاجأة بالنسبة إلى المشاهد، كما أن المغرب لا ينحصر فقط بين الدار البيضاء والرباط، فلله الحمد كل المدن والمناطق المغربية تزخر بطاقات ومواهب في مجال التمثيل من حق المتلقين اكتشافهم في مثل هذه الأعمال السينمائية. خلال اشتغالك على "بولنوار" هل استحضرت تجربتك الأولى مع فيلم "خربوشة" والملاحظات التي وجهت إلى هذا الشريط خاصة في ما يتعلق بمسرحة الأداء السينمائي واللقطات الطويلة والاعتماد على الحوار في شرح الأحداث؟ من المؤكد أنني أخذت بعين الاعتبار تجربتي الأولى في الإخراج السينمائي بإيجابياتها وسلبياتها، وإلا فما جدوى مواصلة الاشتغال في المجال الفني إذا لم يكن المرء يستفيد من أخطائه، ثم إنني أود أناقش معك مسألة "الأداء المسرحي في السينما"، إذ رغم أنني مارست التمثيل المسرحي منذ سنة 1967، إلا أنني حريص على استبعاد هذا النوع من الأداء في السينما، خاصة أن هناك فرقا كبيرا بين المجالين، إذ يعتمد المسرح على المبالغة في كل شيء فيكون الممثل مضطرا إلى فعل ذلك نظرا لطبيعة العرض المسرحي، أما بالنسبة إلى السينما فلا يحتاج الممثل لكل هذا، لأن الكاميرا تكون قريبة منه بشكل يجعله مطالبا بالتصرف بكل تلقائية وعفوية، وهاته المسائل أخذتها بعين الاعتبار في شريطي "خربوشة" و"بولنوار"، وحرصت على أن يكون الأداء طبيعيا. ما دمت تحدثت على محدودية انتشار الأعمال السينمائية، لماذا لم تلجأ إلى التلفزيون؟ أود أن أخبرك بشيء، وهو أن مشروع "بولنوار" وضع في التلفزيون المغربي بقناتيه لمدة تجاوزت ثلاث سنوات دون أن نتلقى أي رد سواء بالإيجاب أو السلب، علما أن القناة الثانية سبق لها أن ساهمت في إنتاج شريط "خربوشة"، ثم إن قطاع التلفزيون في المغرب يتخبط حاليا في مشاكل لا حصر لها، إذ منذ مجيء الحكومة الحالية لاحظنا الصراع القائم بين وزارة الاتصال والقنوات التلفزيونية والضحية الأول والأخير في كل هذا هم الفنانون المغاربة ومعهم المنتجون، كما أن هذه البدعة المسماة "دفاتر التحملات" جنت على القطاع الفني، إذ كيف يعقل إخضاع الأعمال الإبداعية لمنطق المقاولات والشركات الصناعية، كما أن الغموض يلف كثيرا تنفيذ هذه بنود هذه الدفاتر. رغم أنك بدأت مسارك الفني منذ أكثر من 45 سنة إلا أن دخولك مجال الإخراج السينمائي جاء متأخرا شيئا ما؟ بالفعل فقد أضعت أزيد من 10 سنوات خلال التسعينات، وأنا في حرب مع إدارة الضرائب، ففي تلك الفترة أسست شركة للإنتاج الفني كنت أريد أن أقتحم بها مجال السينما، لكن واجهتني عراقيل كثيرة بسبب أخطاء ارتكبناها لأن الفنان في الأصل ليس خبيرا في مجال تسيير المقاولات، لكن في هذه الفترة انشغلت أيضا بمسائل أخرى منها الاشتغال في المسرح والتلفزيون والإشراف على المجموعات الغنائية، كما أن ظروف الدعم السينمائي لم تتحسن إلا في السنوات الأخيرة. في الوقت الذي انتعشت فيه السينما خلال السنوات الأخيرة تراجع المسرح، في نظرك ما السبب؟ فعلا تراجع المسرح بشكل مهول، فحتى المشاهدون لم يعودوا يذهبون إلى المسرح ولو بالدعوات المجانية، وهذا يكشف أن المسرح تم الإجهاز عليه وبطريقة مقصودة، وأنا أتحدى كل وزراء الثقافة الذين تعاقبوا على المغرب أن يقدموا لنا مشاريعهم الثقافية في هذه البلاد على المدى البعيد، فما جدوى تكوين الشباب في المعاهد المختصة في مجال المسرح وفي الأخير ينتشرون بدون عمل، كما أن بنيات العرض المسرحي والفني ككل في تراجع خطير فالقاعات السينمائية تنقرض الواحدة تلو الأخرى، كما أن المؤسسات التعليمية تغيب فيها النوادي السينمائية والمحترفات المسرحية، فالمخططات التعليمية تكشف أيضا عن أزمة بنيوية يعانيها قطاع الفن والثقافة في بلادنا.أجرى الحوار: عزيز المجدوب

“بولنوار” يفضح الاستغلال الاستعماري للمغاربة

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

فنانو وكتاب المهجر في ضيافة "دوزيم ماغ"

فكيـك ... واحـة تقـاوم مـن أجـل البقـاء

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات