صفقات في مهب الريح

متهمون في ملفات جهروا أمام المحكمة بجهلهم دفتر التحملات والشروط الخاصة للعتاد كشفت مناقشة ملف أكاديمية التربية والتكوين أمام غرفة الجنايات الابتدائية بفاس، عيوبا شابت ظروف ومراحل تنفيذ وتسلم معدات ديداكتيكية تخص 10 صفقات، قبل وقوف قضاة المجلس الأعلى للحسابات، على حقيقة عدم صلاحيتها للتدريس وعدم مطابقتها لمعايير الجودة المدرجة في دفتر التحملات الذي لم يطلع عليه أعضاء لجن التسلم، ما كبد الأكاديمية خسائر كبيرة.محامي الأكاديمية حدد في مذكرة طلباته المدنية، المبلغ المختلس والمبدد في تلك الصفقات، في أكثر من 6.5 ملايين درهم، ملتمسا مليون درهم تعويضا مدنيا لجبر الضرر جراء عيوب شابت صفقات اقتناء مختبرات متنقلة للتعليم الابتدائي والإعدادي ووسائل تعليمية لتدريس الفيزياء والكيمياء وعلوم الحياة والأرض للإعدادي وسبورات تفاعلية ومعدات ديداكتيكية أخرى. إعداد: حميد الأبيض (فاس) تحديد اللجن التقنية لتسلم معدات الصفقات، جر إليها أعضاء تنقصهم الخبرة والتكوين التقني للحسم في جودتها من عدمها، وتوقيعهم على محاضر التسليم، خضع لأوامر كما كشفوا في اعترافاتهم في سائر المراحل، مقرين بخطئهم، وكثير منهم لم يطلع على الصفقات ودفتر التحملات والشروط الخاصة، والنتيجة صفقات بعيوب و20 متهما يتابعون لأجل الاختلاس والتبديد والتزوير. صفقات وتحملات 10 صفقات ضخمة الميزانية، بدفاتر تحملات لم تحترم. ومعدات تقنية مختلفة وردتها شركتان، وفق شروط خاصة لم تحترم بدورها وحتى بعض أعضاء لجن التسليم يجهلونها. أغلهم أكدوا خلال استنطاقهم، أن دورهم انحصر في عدها دون التثبت من مطابقتها لمعايير الجودة. والنتيجة 20 مسؤولا جروا للمساءلة القانونية أمام جنايات فاس في أضخم ملف مالي. مفتشية وزارة التعليم وقضاة المجلس الجهوي للحسابات بفاس، وقفوا على حقائق صادمة لعتاد ديداكتيكي ووسائل تربوية ومختبرات متنقلة، تسلمتها أكاديمية فاس بلجنها المشكلة، وتبين أثناء البحث أنها غير صالحة للتدريس وغير مطابقة لمعايير الجودة المدرجة بدفتر التحملات الخاص بتلك الصفقات العشر التي تقارب ميزانيتها الإجمالية 8 ملايين درهم. خلال مناقشة الملف في 5 ساعات، زوال الثلاثاء الماضي، ساءل رئيس الهيأة، أعضاء لجن تسلم هذا العتاد بمديريات فاس وصفرو وبولمان ومولاي يعقوب، فأكد جلهم أن توقيعهم لمحاضر بذلك جاء بطلب من رؤسائهم وبعد عد الوسائل التربوية والمختبرات فقط، لعدم اطلاعهم على الشروط الخاصة المفروض احترامها والحرص على ذلك بكل أمانة. «هل تيقنت من جودة العتاد المتسلم ودرجة احترامه للشروط؟»... سؤال طرحه رئيس الهيأة على كل أعضاء اللجن، فجاء النفي عنوانا مشتركا في جواب الجميع، إلا عينة قليلة من بولمان أكدت اعتراضها على معدات أرجعت للمورد، فيما تبين من الردود أن بعض الأعضاء لا يتوفرون على الخبرة التقنية اللازمة حتى تتيسر لهم المراقبة والتثبت من الجودة. أوامر بالتوقيع مدير أكاديمية فاس بين 2009 و2013، أكد أن تسلم العتاد بالأكاديمية أو المديريات، يتم من قبل لجنة تقنية، لمعاينة مطابقته بعد التوصل بنسخة من دفتر التحملات، لتراقب كل ما يتعلق بالشق الإداري وآجال التسليم والضمانات المتعلقة بالعتاد، مؤكدا أن رئيس قسم الشؤون الإدارية والمالية يتتبع إداريا مآل كل الصفقات. مفتش تربوي بمديرية فاس، أكد أن دوره في لجنة تسلم معدات مودعة بملحقة الأكاديمية قرب ثانوية مولاي سليمان، المعين فيها بمكالمة هاتفية من رئيس قسم بالأكاديمية، اقتصر على المعاينة والتوقيع على التسلم دون الرجوع إلى ملف صفقتي اقتناء وسائل التعليم لتدريس الفيزياء والكيمياء وعلوم الحياة والأرض لمؤسسات التعليم الثانوي الإعدادي، أو الاطلاع على بنودهما. واقتصر دوره على التأشير فقط على إن كان العتاد صالحا للتدريس أو غير صالح، دون الاطلاع على كل ما هو تقني. وأقر في اعترافاته، بخطئه بسبب توقيعه على محضر تسلم معدات الصفقتين دون توفره على أي خبرة تقنية بها، مؤكدا اعتماده معيارا وحيدا يتعلق بصلاحية العتاد من الناحية البيداغوجية، كما الحال بالنسبة إلى معاينة محتوى مختبرات دون تجريب أي واحد منها. وتحجج لتبرير ذلك، بضيق الوقت وغياب مكان للتخزين، مؤكدا اتصال رئيس قسم الشؤون التربوية بالأكاديمية به للتحقق من عدد التوريدات و»ليس من مدى مطابقتها» مع دفتر التحملات الذي ليس له دراية به، مشيرا إلى أنه «رضخ لأمره بالتوقيع على محضر تسلم المعدات موضوع 3 صفقات»، ما تجلى أيضا في اعترافات أعضاء آخرين في لجن تقنية أخرى. جهل بالشروط القاسم المشترك في اعترافات أعضاء لجن تسلم المعدات والمختبرات والوسائل التربوية، تمهيديا وأمام قاضي التحقيق وهيأة الحكم، تعيينهم بطلب من مسؤوليهم وعدم توفرهم على التكوين والمؤهلات التقنية للتثبت من جودة المستلم، وتوقيعهم على المحاضر بطلب أو أوامر، والاكتفاء بالمعاينة وتعداد العتاد دون العلم بمكونات وشروط الصفقة ودفتر تحملاتها. في أحسن الأحوال اكتفي بالاستنجاد بأساتذة المواد العلمية المعنية بالمعدات، لإجراء معاينة تقنية لها حتى من دون التوفر على خبرة تقنية بها، بشهادة رئيس سابق لمكتب التجهيز بمديرية ميسور وزميل له بمولاي يعقوب، أكد أن رئيسه أحضر لائحة بعدد وأسماء العتاد الديداكتيكي المسلم من الأكاديمية، لتعدادها فقط دون إبداء أي ملاحظة بشأن جودته وصلاحيته. خلال عملية تسلم المعدات في الصفقات العشر، اكتفي بالعد والمعاينة والتوقيع على محضر التسلم دون الرجوع إلى ملفاتها أو الاطلاع على بنودها والاستئناس بدفاتر تحملاتها والشروط المطلوبة في العتاد، ما كشف عنه كل المستمع إليهم من أعضاء اللجن بصفرو وفاس وبولمان ومولاي يعقوب، من المتابعين في ملف اختلالات تدبير صفقات أكاديمية التربية والتكوين بفاس. إقرارهم جاء عكس تشبث مسؤولي شركتين نائلتي الصفقات العشر ب»نقائها» وجودة المعدات واحترام للشروط ودفتر التحملات، لحد إطناب مسؤولة إحداهما نالت 7 صفقات، في الحديث عن تاريخها ونقائها وعلاقاتها النافذة، وتأكيد زميلها نالت شركته 3 صفقات، على أن «الصفقات واضحة وضوح الشمس»، ليتمم مازحا، رئيس الهيأة عباراته ب"فنهار جميل". تبرئة الذمة مسؤولة شركة نالت حصة الأسد من الصفقات، قالت إن وثائق أدلت بها لنيلها، «كلها سليمة»، و»سلمت كل التوريدات» وفق ما تضمنه دفتر التحملات، معززة شهادة حسن سيرتها بتسلمها شهادات الإيداع والتسليم والتحقق والتنفيذ، مشيرة إلى توفرها على شهادة التسليم النهائي و»لم يسبق لها أن توصلت بأي ملاحظة من أي أكاديمية تخص نقصا أو ملاحظة بتوريداتها». وأوضحت أن التوريدات المسلمة لأكاديمية فاس، نفسها المشار إليها في البيانات الوصفية، عكس ما كشفه تقرير المجلس الأعلى للحسابات من عدم توفر ملفات الصفقات على الوثائق الوصفية والبيانات الموجزة للعتاد، وفقا لما نص عليه نظام الاستشارة ودفاتر الشروط الخاصة، ومن عدم توفر أدوات بشكل حال دون استغلال العتاد ومنها لواقط خاصة بمعدات التجريب بواسطة الحاسوب. مسؤولة الشركة دافعت عن نفسها، ب»انفعال» أحيانا، مؤكدة سلامة كل مراحل تنفيذ الصفقات بشهادة شهادات تملكتها، فيما دافع مديرا الأكاديمية المتابعان عن «نقاء» تفعيل بنودها، أحدهما أكد أن المواصفات التقنية للعتاد محددة ضمن دفتر تحملات فقط و»لا يجوز قانونيا اعتماد الكراسات الوصفية»، مؤكدا أنه لم يسبق له التوصل بأي ملاحظة كتابية أو شفوية تخص هذا العتاد. المعني أكد أن دوره اقتصر على تعيين اللجنة التقنية لمعاينة العتاد، «المسؤولة عن كل خلل أو نقص فيه» وأن «توقيعه على التسلم كان بغرض المصادقة الإدارية فقط»، مضيفا أن الإشراف على كل الصفقات من اختصاص رئيس قسم الشؤون الإدارية والمالية، ما سار في اتجاهه خلفه وكل مديري مديريات التربية والتكوين المسرحين بكفالات متفاوتة، كما أحدهم توفي في مرحلة التحقيق. فرق كبير بين الاختلاس والتبديد والاحتجاز قال حسن شرو، محام بهيأة فاس وباحث في العلوم الجنائية، إن القانون الجنائي نص على أن كل قاض أو موظف عمومي بدد أو اختلس أو احتجز بدون حق أو أخفى أموالا عامة أو خاصة أو سندات تقوم مقامها أو حججا أو عقودا أو منقولات موضوعة تحت يده بمقتضى وظيفته أو بسببها، يعاقب بمقتضياته خاصة إذا ارتكب هذه الأفعال بسوء نية أو بقصد الإضرار. والعلة في تجريم الاختلاس الذي يرتكبه الموظف العمومي، بنظره، تكمن في خيانته للأمانة والثقة الموضوعة فيه حينما عهدت إليه حيازة المال، مؤكدا أن صفة الموظف تلعب دورا هاما في نطاق جريمة الاختلاس، إذ أن الفعل المادي يتكون من التبديد أو الاختلاس أو الاحتجاز بدون حق أو الإخفاء، مع وجود اختلاف بين كل حالة على حدة. التبديد «يقصد به تصرف الموظف العمومي في الشيء الموجود في حيازته بمقتضى وظيفته تصرفا ماديا أو قانونيا كأنه صاحب هذا الشيء، كأن يستهلكه أو يبيعه أو يرهنه أو يقرضه، فيما يعتبر الاختلاس فعلا يعبر في صورة قاطعة عن تحويل الحيازة الناقصة للجاني على المال أو الشيء، إلى حيازة كاملة و"يعني أنه استعمال أو تصرف في المال، لا يتصور أن يصدر إلا من المالك". وذكر المحامي حسن شرو، صورة أخرى في هذا المجال، وهي الاحتجاز الذي يتحقق بإبقاء الشيء المؤمن عليه تحت يد الموظف مع وجود قصد اختلاسه أو تبديده، والاحتجاز، برأيه، يمثل مرحلة تتوسط بين النية الإجرامية والتبديد والاختلاس. أما الإخفاء فيتحقق من صور الفعل المادي في الاختلاس وإخفاء الجاني للأشياء المعهود لديه بمقتضى وظيفته والادعاء بعدم وجودها. إن مجرد اكتشاف نقص في هذه الأموال أو الأشياء، يعتبر في حد ذاته قرينة على قيامه بالإخفاء أو الاختلاس، مضيفا "لتوضيح الركن المعنوي في هذه الجريمة العمدية، فقوامها القصد الجنائي، إذ يتعين أن يتعمد الجاني (الموظف) تبديد الأشياء أو اختلاسها أو احتجازها بدون حق أو إخفاءها مع علمه بأن هذه الأشياء ليست مملوكة له وأنه تسلمها بمقتضى وظيفته أو بسببها". ويؤكد أن القانون الجنائي نص على عقوبات الاختلاس في المادة 41 من القانون الجنائي وتصل إلى السجن من 5 سنوات إلى 20 سنة متى كانت قيمة الأشياء المبددة أو المختلسة أو المحتجزة أو المخفاة تساوي أو تزيد عن 100 ألف درهم، مشيرا إلى أن تقدير قيمة الأشياء المختلسة، يحدد ما إذا كانت الأعمال المقترفة جنحية أو جنائية، وذلك متروك للسلطة التقديرية للمحكمة. ضرورة تشديد العقاب لتحقيق الردع الدعوة لتشديد العقاب في حال ثبوت الفعل بقرائن وأدلة واقتناع المحكمة بالإذناب، قاسم مشترك في تدوينات وتعقيبات كل المتفاعلين مع جرائم هدر المال العام وتبديده أو اختلاسه بسوء نية، لأن «العقاب المشدد يحقق الردع العام والخاص» ويعطي العبرة لكل متجرد من ضميره المهني ومن سولت له نفسه بنية أو بدونها، التطاول على المال العام لتحقيق منافع شخصية. «لا يعقل أن تصرف ميزانية ضخمة في صفقات، ويقصر المشرفون على تنفيذها، في التتبع والمراقبة والتثبت من الجودة» يقول علي مدون تفاعلا مع خبر محاكمة مسؤولي الأكاديمية، مؤكدا أن الجميع مطالب بالحرص على الاحترام التام لدفتر التحملات والشروط الخاصة بكل صفقة، وإلا «فتح المجال للتلاعب والغش في الجودة والنوعية والخصائص والمميزات وغيرها من شروط». وطالما أن «المتهم بريء إلى أن تثبت إدانته بالدليل»، فإن إدريس دعا في رده على تدوينة أخرى، إلى ضرورة التريث وعدم إصدار الأحكام المسبقة قبل حسم القضاء في الملف الرائج الذي دخل مرحلته النهائية بالمرافعات قبل إدراجه في المداولة والنطق بالحكم، مؤكدا أن القضاء وحده من يحكم، و»لا حق لأحد في توجيه الاتهامات على عواهنها حتى من دون التوفر على ما يفيد». تفاعل أثار زميلا له باسم مستعار، دعاه لقراءة ما ينشر وما رافق انكشاف الملف من ضجة إعلامية، عوض الاصطفاف بجانب المتهمين دفاعا عنهم، لأنه «لو أن قاضي التحقيق شم رائحة براءتهم، ما كان ليصدر قراره بالمتابعة»، ليحسم «أبو ندى» النقاش بالدعوة لتحكيم العقل وانتظار حسم القضاء في ملف ضخم إعلاميا وبعدد المتابعين فيه، و»يبدو عاديا كبقية الملفات».

صفقات في مهب الريح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

جريدة الصباح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

المغرب يبعثر حسابات إسبانيا والبرتغال

غسل أموال آسيوية في عقارات ويخوت

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات