كفى غوغائية

سنكسب كثيرا إذا وضعنا الغوغائية و"الشعبوية المقيتة" في حقيبة ممزقة، ورميناها في أقرب مجرى للواد الحار، يؤدي مباشرة إلى البحر. فما يفرمل تقدم الشعوب والمجتمعات والأمم، هو كثرة الكلام المطلوق على عواهن الأمزجة والرغبات، والمفصل على مقولة "الجمهور عايز كده». في جميع بقاع الأرض، يتحرك المسؤولون والأجهزة ومؤسسات القرار والبرمجة والتنفيذ، وفق أجندة شديدة الدقة، في فترات الكوارث، كأنما يسير الواحد منهم فوق حقل ألغام: الخطوة الواحدة غير المحسوبة تكلف حياة، أو مآسي أخرى، وتفاقم الوضع، وتزيده سوءا. هذا بالضبط، ما حدث في المغرب، منذ اليوم الأول للزلزال العنيف الذي هز مجالا ترابيا شاسعا في مناطق جبال الأطلس الكبير، إذ بدأت الأجهزة والمؤسسات والقطاعات "تتحرك"، في الميدان أو تعطي التعليمات من غرف القيادة والتنسيق، وفق برنامج متحكم فيه، بهامش قليل من الخطأ، يقتضي الانتهاء الكلي من محور، قبل الانتقال إلى المحور الذي يليه، والتأكد من تنفيذ إجراء، قبل المرور إلى الآخر. ووفق هذا المنطق، لم يكن ضروريا أن "ينزل" عدد من الوزراء إلى الميدان إلا بعد انتهاء أسبوعين من الفاجعة، والتأكد من تنفيذ الخطوات السابقة، في الإنقاذ والإسعاف والإغاثة، وإيصال المساعدات وأشكال الدعم الاجتماعي والنفسي إلى أبعد نقطة بالمناطق المتضررة. واحتكاما إلى العقل أيضا، ماذا كان سيفيد وجود رئيس للحكومة وسط الركام والأنقاض، في الوقت الذي تقتضي وظيفته، أن يجلس في مكتبه ويجمع مستشاريه، والتفكير، على نحو عاجل، في المحاور الكبرى لخطة ما بعد الفاجعة؟ وماذا كان سيستفيد سكان المناطق المتضررة من وزير، أو مسؤول حكومي يحصي معهم عدد الموتى وأرقام المنازل المدمرة، إذا كان دوره المحوري، هو البحث عن صيغ للتأمين، وتعويض ذوي الحقوق مستقبلا، وأخرى لتمكين الناجين من إعادة البناء والتنمية؟ إن المسؤول الحكومي المؤتمن على مصلحة شعب، ليس مطلوبا منه أن يشتغل بقلبه في مثل هذه الأزمات، بل بعقله ومجهوده الفكري وتركيزه الذهني لإيجاد الحلول والعثور على المخارج، والبحث عن السبل لما بعد النكبة، وهو ما فعلته الحكومة بالضبط التي هيأت، بتوجيهات من جلالة الملك، برنامجا استعجاليا للإعمار والتنمية لخمس سنوات بتمويل يصل إلى 120 مليار درهم. هذا هو الإنجاز الكبير الذي ينبغي أن يحفظ للدولة والحكومة في التعاطي الجدي والمسؤول والسريع مع كارثة الحوز، وهو تعاط نوهت به الأمم المتحدة ومنظماتها الإنسانية، وحظي بإعجاب كبار زعماء الدول، وليس الصغار. أما أن يختزل الموضوع برمته (من قبل البعض) في نزول رئيس حكومة ووزرائه إلى المنطقة، بعد أسبوعين، والحديث عن ذلك بكثير من الادعاء والتعالي "تاأوستاذيت»، فلن يزج بأصحاب هذا الخطاب، إلا في متاهات التغليط ودغدغة العواطف وبث الكراهية والحقد، والإساءة إلى الضحايا قبل غيرهم. فما سيحاسب عليه أي مسؤول غدا، ليس ظهوره من عدمه في مسرح المشاكل، بل نجاعته وجديته في إيجاد حلول سريعة وفاعلة لها. حلول ذات أثر على المواطنين. أما غير ذلك، فمجرد "تعاويد المعطي للمعطي".

كفى غوغائية

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

"الأولى" تحضر "لوف ستوري" للموسم الجديد

مناسبة لتصحيح أخطاء فرنسية

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات