مغاربة يعيشون في صراع مع أعباء المعيشة لكنهم لا يفرطون في المناسبات تشغلهم مصاريف شهر الصيام، وتؤرقهم أسعار كسوة "العيد الصغير"، ويهجر النوم جفونهم عند محاولة تدبير ثمن أضحية عيد الأضحى، ورغم ذلك يجدون متنفسا لقضاء العطلة الصيفية بعيدا عن الديار، ليعودوا للتشكي من ضيق ذات اليد عند اقتراب الدخول المدرسي وما تفرضه واجبات التمدرس والكتب المدرسية من تكاليف. هكذا تعيش فئات عريضة من المغاربة في صراع دائم مع الأعباء التي تتطلبها جل هذه المناسبات، ورغم التشكي فإن الغالبية لا تفرط في عيش كل مناسبة حسب ما تفرضها العادات من تقاليد مكلفة ماديا، وكأن لسان حالهم يقول: "ما مفاكينش"... في ما يلي شهادات لأرباب أسر من تطوان تنفق وتعيش حسب منطق "كل نهار ورزقو"، و"الخير ما يخطى"... "ما عندناش وما خاصناش" عاد للتو من رحلة استجمام رافق خلالها جميع أفراد أسرته إلى الشواطئ الخلابة التابعة لمدينة الشاون، بعد أن فضل التمتع بمناظر ومنتجعات تجمع بين البحر والجبل. كانت حمرة وجنتيه وتغير لون أطرافه التي مالت من البياض إلى الاسمرار توحي بأنه قضى فترات مهمة مستلقيا تحت أشعة الشمس، الأمر الذي غير لون بشرته. عاد (يونس.ح) من السفر ليجد لائحة الكتب المدرسية للأبناء وواجبات التسجيل في المؤسسة الخصوصية التي يتابع فيها أبناؤه دراستهم في انتظاره. يونس ممثل لإحدى الشركات التي يوزع منتوجاتها على مدن الشمال مقابل راتب شهري، وعمولات تحفيزية ترتفع بارتفاع السلع التي ينجح في توزيعها. صرح ل "الصباح" أن مجموع ما يحصل عليه شهريا يتجاوز 12 ألف درهم، وكلما بذل مجهودا إضافيا ارتفعت مداخيله. ورغم ذلك، فإنه ما لبث أن أشار إلى أن مداخيله، بالكاد تغطي احتياجات أسرته، مؤكدا أن مصاريف بعض فترات السنة، تصيب ميزانيته بالعجز، فيضطر إلى تدبير ما ينقصه من مصاريف بمضاعفة العمل، رغم ارتفاع تكاليف المعيشة، والزيادات الكبيرة التي طالت الكثير من المواد الاستهلاكية، مجتهدا في أن لا يحرم أبناءه من أي شيء يستطيع تحقيقه، ومعترفا في الآن ذاته بأنه لا يستطيع توفير بعض النقود لوقت الشدة، مفضلا العيش بمنطق "ما عندناش وما خاصناش". زبون دائم لـ "الكريدي" على عكس حياة عيش يونس، تلخص الحالة الثانية نموذجا لشخص اختار التعايش مع الاستدانة حتى صارت بالنسبة إليه "نمط عيش"، فما يكاد ينهي أداء قرض مالي يحصل عليه، سواء من البنك الذي يتعامل معه، في إطار ما يعرف بقروض الاستهلاك، أو من بعض المؤسسات الأخرى المشتغلة في مجال القروض، حتى يدخل في مغامرة جديدة وسلفة جديدة. لذلك صار يعرف بين أصدقائه وأقاربه بـ"هشام الكريدي"، في إشارة إلى احتياجه الدائم للاقتراض، لكي يتدبر مصاريف أسرته، خاصة خلال المناسبات الاجتماعية التي تتطلب مصاريف مضاعفة وتستلزم حاجيات لا قبل لراتبه الشهري بتحملها. يعترف هذا الأب لثلاثة أبناء، أكبرهم سنا تجاوز عمره 16 عاما، والذي يشتغل أستاذا بإحدى مؤسسات التعليم الثانوي العمومية بالمدينة، أنه "لا يلجأ إلى الاقتراض اختيارا"، وإنما "يكون في كل مرة مدفوعا بضائقة مالية، لم تترك أمامه من وسيلة غير الإذعان للشروط المجحفة والزيادات الكبيرة التي يؤديها عند استرجاع المبالغ الأصلية للدين ونسب الفائدة المترتبة عنها". وفي كل مرة يلجأ للاقتراض يردد العبارة المشهورة: "مكره أخوك لا بطل". لم يستطع هشام، الذي قضى في سلك التدريس أزيد من 15 عاما، امتلاك سكن خاص به، حيث ما زال يعيش في شقة يستغلها على سبيل الكراء. ولعل ما جعله لم يقدم على خطوة اقتناء "قبر حياة"، هو أن الشقة التي يكتريها، تتوفر على كثير من المواصفات تجعله في غنى عن تغييرها، أولا لقربها من مقر عمله، فهو لا يحتاج في تنقله إلى أي وسيلة نقل، كما أنه طالما افتخر في مجالسه بأن "سكنه فسيح"، ويوفر له نوعا من الراحة. ورغم ذلك، فإنه لا يتوانى عن الإنفاق خلال كل مناسبة دون تقشف، لهذا فإن "راتبه المحدود"، حسب وصفه، "لا يسدد جميع مصاريفه، فيلجأ إلى الاقتراض"، ممنيا نفسه بأن "أوضاعه في يوم من الأيام ستتحسن وأنها ستفرج". يوسف الجوهري (تطوان)