دراسة في القانون

بقلم: حسن مالكي* ثمة إشكاليتان جوهريتان عدتا بمثابة الكرة الحارقة التي قذفها مشرع لمشرع آخر، أثناء نظره في قانون المسطرة المدنية: التبليغ والتنفيذ، وهما في الواقع إشكاليتان تختصران إلى حد بعيد مشكلة " الأمن القضائي والقانوني" ببلادنا، ذلك أن جزءا كبيرا من العوامل التي ساهمت في تآكل وتصدؤ"ماكنة العدالة بالمغرب" تعود لهذين العاملين. في هذه المقالة سنقتصر على مقاربة جد مختصرة وعامة لمشروع قانون المسطرة المدنية في موضوع التبليغ، على أساس أن نرجئ فصل الحديث في ما يخص إشكالية التنفيذ لمقالة مستقلة. التبليغ في مشروع المسطرة... الجرأة في الإصلاح المحكمة الرقمية أصبحت ضرورة ملحة في اتجاه تقليص الورقي (3/3) بناء على ما سلف يمكن التقعيد للقواعد التالية: الأولى : أنه يعتبر التبليغ قائما في حال تبليغ الأشخاص الطبيعيين في عنوانهم الواردة في بطاقة تعريفهم الوطنية، ويعد التبليغ قائما ولو رجعت شهادة التسليم بأن المحل مغلق أو أية إفادة تفيد عدم التوصل، بعد تعليق إفادة بالتبليغ بموطن المبلغ له و إشعار المبلغ له برسالة نصية على هاتفه الشخصي أو بريده الالكتروني عند الاقتضاء من طرف كتابة ضبط المحكمة المختصة بالإجراء موضوع التبليغ، مع تضمين ذلك بالسجل الممسوك لدى هذه الأخيرة. الثانية : يعتبر التبليغ قائما في حال تبليغ الأشخاص المعنوية في عنوانها المقيد في السجل التجاري، إذا تعلق الأمر بالشركات التجارية أو عنوانها المقيد في السجلات المعدة لذلك قانونا بالنسبة لباقي الأشخاص المعنوية، ويعد التبليغ قائما ولو رجعت شهادة التسليم بأن المحل مغلق أو أية إفادة تفيد عدم التوصل، بمجرد تعليق إفادة بالتبليغ بموطن الشخص المعنوى المبلغ له وإشعار ممثله القانوني برسالة نصية على هاتفه الخاص الذي تجب الإشارة إليه لزوما في السجل التجاري، أو توجيه رسالة على بريده الالكتروني من طرف كتابة ضبط المحكمة المختصة، كما تم تدوينه في السجل المعني. ويجب إقرار الإجراء نفسه بخصوص تبليغ الأشخاص المعنوية العامة التي يجب إلزامها هي الأخرى بتحديد مخاطب محدد بخصوص إجراءات التبليغ، التي ستتوصل بها والتي تفرض هي الأخرى أن تكون لها عناوين الكترونية يقع تبليغ الإجراءات المذكورة بها. الثالثة: أن يتم التخفيف ما أمكن من الحالات الموجبة للتبليغ، واللجوء إلى ما يمكن تسميته التبليغ المفترض، بمعنى أنه في كثير من الحالات يقع حضور المحامي للأول جلسة، فإنه في هذه الحالة لا محل لإعادة تبليغ المذكرات، والجلسات، وتبليغ إجراءات التحقيق المحكوم بها، إذ بمجرد التعيين الأول للجلسة يفترض أن المحامي و أطراف الخصومة محاطون بما يتلو هذه الإجراءات وما يعقبها إلى نهاية صدور الحكم، إذ يفترض على المحامي في هذه الحالة تتبع إجراءات الدعوى أولا بأول، ولا يمكن إعمال قواعد التبليغ كما هي مفصلة في القاعدتين سالفتي الذكر إلا بعد ثبوت تنازل المحامي عن نيابته، والتي يتعين إخبار المحكمة بها تحت طائلة إثارة مسؤوليته المدنية، عدا ما يتعلق بإجراءات الاستدعاء التي يباشرها الخبير. وحيث في إطار توسيع دائرة « التبليغ المفترض»، يمكن التفكير في هذا الإطار أن يكون التبليغ متحققا من تاريخ تسليم كتابة الضبط للمحامي نسخة عادية من الحكم، إذ تكون هذه النسخة هي نفسها النسخة التبليغية، وتفاديا لأي إضرار بحقوق أطراف الخصومة، يمكن اشتراط ألا يقع تسليم هذه النسخة إلا بعد إدلاء المحامي بوكالة خاصة تسمح له بتسلمها، لأنه بمجرد تسلم هذه النسخة من طرف المحامي الموكل بوكالة خاصة أو الطرف الوارد اسمه في الحكم نفسه يكون التبليغ قد حصل ويتم تدوين ذلك بسجل خاص بالتبليغات الممسوك لدى المحكمة المعنية، سواء تم ذلك لمحامي المدعي أو أحد اطراف الخصومة، الذي يواجه فور تسليمه نسخة الحكم ، بالأثر القانوني المترتب عن هذا التسليم على حقوقه في التقاضي بموجب وثيقة يوقعها تفيد إحاطته علما بهذا الأثر القانوني. الرابعة: توسيع دائرة التعاقد في مجال التبليغ: صحيح أن عملية التبليغ هي مسألة مرتبطة بحقوق الدفاع، ولا أحد ينكر صفتها وصبغتها النظامية، لكن هذه الصبغة النظامية يجب التخفيف من غلوائها ما أمكن، من خلال فتح نافذة لأطراف العقد / أطراف الخصومة المستقبلين، لكي ينظموا كيفية تبليغ الإجراءات القانونية بينهم، إذا كانت أيسر مما نص عليه النص القانوني ، ولا مجال هنا لفرض تدخل للمشرع عدا في بعض الحالات، التي يمكن فيها منع ذلك كما هو الحال بالنسبة للعقود الاستهلاكية والتي يمكن فيها تصور أن لا تكون قواعد التبليغ متفاوضا عليها على قدم المساواة بين أطراف العقد. الخامسة: إيجاد قواعد خاصة بتبليغ الأجانب غير المقيمين بالمغرب، تراعي من جهة حقوقهم في الدفاع وفي الوقت نفسه ألا يكون عدم إقامتهم بالمغرب، عائقا في إتمام إجراءات التقاضي بكيفية سلسلة ومنتظمة وسهلة، من قبيل أن يفرض عليهم محل للمخابرة يقع فيه تبليغهم بكل إجراءات التقاضي. على الجملة، إذا لم تكن لنا الجرأة على القطع مع بعض أساليب التبليغ التي عفا عنها الزمن، فإننا سنكون قد حكمنا على بلادنا بالتأخر، وعلى منظومتنا القضائية بالاندحار والعتاقة، وهو ما من شانه أن يزيد أزمة العدالة في بلادنا سوءا، وأزمة كورونا إن أعطت درسا لنا، فهو درس أن الإصلاحات التي تهم المحكمة الرقمية أصبحت ضرورة ملحة في اتجاه تقليص الورقي، والقطع مع البطء في المحاكم، وتقليل الاتصال المباشر بين المتقاضي ومرفق العدالة. وهذه الثورة الرقيمة يجب أن نخوضها بكل جرأة وبلا خوف. * باحث في القانون بكلية الحقوق الرباط

دراسة في القانون

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

جريدة الصباح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

تعيينات جديدة في مناصب المسؤولية الأمنية

قالوا

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات