الشواطئ “الملوثة”… السياحة قبل الصحة

تقارير رسمية تحذر والسلطات تتغاضى وصحة المصطافين ملف مؤجل يتمتع المغرب بشريطين بحريين طويلين، أسست على سواحلهما مدن تضم عشرات الشواطئ، وتستقبل سنويا آلاف المصطافين، إلا أن المعطيات الصادرة أخيرا عن جهات رسمية، تؤكد أن 27 شاطئا منها غير صالحة للسباحة، ويمكن أن تسبب ضررا على صحة المصطافين، إلا أن رهان السياحة وعادات الاصطياف لدى المغاربة، حالت دون تطبيق السلطات لتوصيات قطاع التنمية المستدامة بوزارة الانتقال الطاقي، سواء تعلق الأمر بمنع السباحة فيها، أو على الأقل الشروع في معالجة الملوثات، التي حولتها إلى مراكز اصطياف غير صديقة لصحة الإنسان. إنجار: عصام الناصيري الملاحظة الأولية التي تتبادر إلى ذهن الشخص، عندما يزور أحد الشواطئ المصنفة على أنها غير صالحة للسباحة، هو أن تقارير المختبر الوطني للدراسات ورصد التلوث، للاستئناس فقط ولا يمكن تطبيقها. ويعتبر شاطئ النحلة بالبيضاء، أحد هذه النماذج، إذ نجد فيه لوحة باللون الأحمر كتب عليها "ممنوع السباحة"، لكن الشاطئ مليء بالمصطافين، والأدهى أنه يتوفر على بعض المرافق ومكاتب ممثلي السلطات، من أمن وطني وسلطة محلية، ومكتب للصحة تابع للجماعة، ولا يحتاج مرتادو هذا الشاطئ لأي تقرير يخبرهم بتلوثه، لأن لون مياهه المتسخة ذات اللون الأخضر، تغني عن أي تقرير أو تحذير. صرخة في واد يكشف تلوث مياه بعض الشواطئ، واستمرار أعدادها في الارتفاع، أزمة تدبير حقيقية لا تعيشها الشواطئ فقط، بل قطاعات أخرى أيضا، إذ أن حماية الشواطئ من التلوث لا توجد بيد سلطة معينة أو مؤسسة ما، بل هناك متدخلون بالجملة، الأمر الذي جعل تحمل المسؤولية في هذا المجال شيئا هلاميا تصعب الإحاطة به، إذ تشترك فيها وكالات الأحواض المائية والجماعات المحلية والمياه والغابات ووزارة التجهيز والماء، وغيرها من السلط. وبما أنه ليست هناك جهة يمكن محاسبتها على ما يقع، فإن الجميع ينظر بعين الريبة إلى تقارير المختبر الوطني للدراسات ورصد التلوث، التابع للوزارة، ويحاول تجاهل توصياته، بدليل أن الوضع يزداد سوءا حسب تقارير المختبر، بل إن البعض اعتبرها في حديثه مع "الصباح" مؤامرة افتعلتها جهات مجهولة للإضرار بالقطاع السياحي بمدينته، وأن ما ورد في التقرير غير دقيق. هذا الأمر سيعبر عنه بشكل صريح رشيد فاسح، رئيس جمعية "بيزاج" النشيطة في مجال حماية البيئة بأكادير، إذ قال في حديثه مع "الصباح"، عندما أجاب عن سؤال مفاده "ألا يستفزكم ورود 3 شواطئ ضمن قائمة الشواطئ الملوثة بأكادير، وهي مدينة سياحية بدرجة أولى، وشهرتها قائمة على شاطئها؟"، إذ قال إن الوضعية غير عادية، لكن كل جهة ترمي بالمسؤولية على الأخرى، وهناك كثرة المتدخلين ولا أحد يريد تحمل المسؤولية وحده، سواء تعلق الأمر بالمنتخبين أو بالإدارة، ونحن الجمعيات نكتفي بمتابعة الوضع، إلى درجة أنه لم يسبق تنظيم يوم دراسي، أو ما شابهه لمناقشة هذا الأمر". وأضاف أن المجتمع المدني ليست لديه سلطة فعل أي شيء، "مكاينش معامن تهضر"، مشيرا إلى أن "مهمتنا تتلخص في متابعة الوضع، والتصريح للإعلام، لأنه سبق أن قدمنا مراسلات وشكايات دون نتيجة، إذ أن كل جهة تقول لنا هذه الأمور فوق طاقتنا، ولا يمكننا فعل شيء، أو أن يقال لنا هذا ليس تخصصنا وليس مجالنا". يبدو أن المختبر الوزاري يطلق صرخة كل سنة، لكن لا أحد يعير اهتماما لأرقامه وتوصياته الدقيقة، كما أن لا أحد يريد الاقتراب من الموضوع، ويحاولون قدر الإمكان ترك أزمة تلوث مياه الشواطئ، سؤالا يجيب عنه المستقبل. مؤامرة الحسيمة من بين الأسباب التي دفعتنا إلى الاشتغال على هذا التحقيق، إعلان للعموم أصدرته جماعة الحسيمة، ووقعه رئيسها نجيب الوزاني، وهو طبيب جراح، وأستاذ للتعليم العالي في كلية الطب والصيدلة بجامعة محمد الخامس بالرباط، ينفي فيه معطيات التقرير، ويؤكد أن ما روج لا أساس له من الصحة، وأن الشواطئ الثلاثة الواردة في قائمة الشواطئ غير الصالحة للسباحة، مطابقة لمعايير الجودة، حسب تحاليل العينات، التي أخذت من المكان في 18 يونيو 2023. وشكلت جماعة الحسيمة استثناء في هذا الموضوع، إذ لم تعلق أي جماعة أخرى، حسب اطلاعنا، على التقرير، خاصة أن الجماعات لا تتوفر على مختبرات ومحطات رصد للإفتاء في تلوث مياه الشواطئ من عدمها. اتصلت "الصباح" بالرئيس، من أجل فهم وجهة نظره في الموضوع، في بداية المكالمة طرح علينا سؤالا "ماذا أصدرت الوزارة؟"، وكان جوابنا "أنها أصدرت تقريرا حول تلوث الشواطئ بمدن المملكة، من بينها أربعة شواطئ في الحسيمة"، ليرد "لماذا الحسيمة الوحيدة التي أثارت الجدل". ومن الواضح أن رئيس الجماعة اطلع على محتويات على مواقع التواصل الاجتماعي، تحذر من السباحة في بعض شواطئ المدينة، واعتقد أن هناك حملة ما تستهدف المدينة، إذ كان يبدو من كلامه أنه متأثر بـ "نظرية المؤامرة"، وأن الحملة استهدفت مدينته فقط، في حين تم التغاضي عن باقي المدن. وأشرنا في المحادثة إلى أن الجدل أثير بعد "البلاغ الذي أصدرتموه، لأن كثيرين فوجئوا بمجلس جماعي يكذب تقريرا رسميا"، ورد بالقول "نحن أصدرنا إعلانا نؤكد فيه على جودة مياه الشواطئ، لأننا وجدنا 27 شاطئا ذكرت أيضا، وأن هناك تقريرا ما، ونحن لم نتوصل به بشكل رسمي، لأننا نتعامل مع الدولة، لا مع المواقع، ونحن في البلدية لم نتوصل بأي شيء، بل قرأنا الخبر في الصحافة، مفاده أن 27 شاطئا لا تتوفر على جودة المياه، وليست ملوثة، والتقرير لم يتكلم عن التلوث، بل عن جودة المياه، والتي لا تخول الحصول على اللواء الأزرق". رئيس جماعة الحسيمة وبرر الوزاني توقيعه للإعلان سالف الذكر، الموجود إلى حدود كتابة هذه السطور، على صفحة الجماعة بفيسبوك، بالقول "أصدرنا الإعلان، وقلنا إن هذه الشواطئ صالحة للسباحة، وليست ملوثة، للرد على بعض الإشاعات التي كانت ستحرم الحسيمة من السياح"، مضيفا "تصوروا لو لم نصدر الإعلان، سيعتقد الناس أن هناك تلوثا ولن يزوروا المدينة". ويصعب استيعاب أن شاطئي "كيمادوا" و"كالابونيطا" ملوثان، خاصة أن رؤية العين تبين مياها صافية ورمالا أكثر صفاء وجمالا، لكن هذا لا يكفي لأن العينات المأخوذة خضعت للتحليل العلمي، ولا مجال للتشكيك فيها، إلا بخبرة مضادة، يشرف عليها علماء وليس سياسيون. وأكد لنا الوزاني أنه أجرى خبرة، ووعد بموافاة "الصباح" بنسخة منها، لكنه لم يلتزم بإرسالها. أما شاطئ "صباديا" الوارد في التقرير بأنه غير صالح للسباحة، والذي ادعت الجماعة أنه صالح، فإن الوزاني أكد لنا عكس ما وقع عليه في الإعلان، إذ قال إن "الناس لا تسبح في هذا الشاطئ، لأنه صخري"، خاصة بعد أن واجهناه بمعطيات توفرت لدينا من مصادر بالمكان، تؤكد أن بعض المقاهي والمطاعم تتخلص من نفاياتها في الشاطئ، وأصبح في وضعية رديئة، ولم يعد يصلح للسباحة. معيار مغربي للقياس وضع التقرير الصادر حديثا عن وزارة الانتقال الطاقي والتنمية المستدامة، بعنوان "رصد جودة مياه الاستحمام ورمال شواطئ المملكة"، 27 شاطئا موزعة على 6 جهات، و11 عمالة، حصة الأسد منها سجلت بطنجة تطوان الحسيمة، بـ 12 شاطئا غير مطابقة لمعايير الجودة. ويعتمد المغرب في قياس جودة مياه الشواطئ على المعيار المغربي "199.7.03 NM "، الخاص بتدبير جودة مياه الاستحمام، وتم تطبيق هذا المعيار بشكل تدريجي منذ 2014، وعمم في 2019 على جميع الشواطئ التي تستوفي شروط التصنيف. خطوات إلى الوراء إذا كانت السياسة العامة للدولة تراهن على السياحة، باعتبارها قطاعا إستراتيجيا، ينعش الخزينة بملايير الدولارات من العملة الصعبة، ويطمح في العقود الثلاثة المقبلة إلى مضاعفة السياح خمس مرات، والدخول في صفقة لمضاعفة الأسطول الجوي ثلاث مرات، فإن النظافة والبيئة عاملان حاسمان في استقطاب السياح. ولا تخرج جودة مياه شواطئنا عن هذا الإطار، ففي الوقت الذي كان حريا بالجهات المعنية بنظافة الشواطئ الرفع من مستوى الجودة، حدث عكس ذلك، إذ بالمقارنة مع السنة الماضية فقط، نجد أن الشواطئ ضحايا التلوث في ارتفاع. وأضيف إلى قائمة الشواطئ غير الصالحة للسباحة هذه السنة، أربعة شواطئ جديدة، إذ سجل التقرير الوزاري للسنة الماضية 23 شاطئا غير صالح للسباحة، في حين أن العام الجاري سجل 27 شاطئا، ويتعلق الأمر بالنسبة إلى الشواطئ الجديدة المدرجة، بشواطئ معروفة ومهمة، من قبيل شاطئي "كيمادو" و"كالابونيطا" وهما الشاطئان الرئيسيان بالحسيمة، ويوجدان في قلب المدينة، ويستقطبان سنويا سياحا من الداخل والخارج، وتمارس فيهما الكثير من الأنشطة الترفيهية المدرة للدخل، ما مس بسمعتهما وشهرتهما. ودخلت هذه السنة أيضا جهة جديدة في التقرير، ويتعلق الأمر بمراكش أسفي، بسبب شاطئ "بحيباح" الموجود بإقليم الصويرة، وبالمقابل فإن بعض المدن تمكنت من الخروج من لائحة الشواطئ الملوثة، ويتعلق الأمر بشاطئ تمارة. أكادير تلعب بالنار في نسخة 2022 من تقرير المختبر، كان الشاطئ الوحيد غير الصالح للسباحة في أكادير هو "أغرود 1"، لكن هذه السنة أضيف له شاطئان آخران، ويتعلق الأمر بـ "أفتاس" و"أكادير"، وهنا يطرح السؤال على مسؤولي المدينة، ماذا سيبقى لعاصمة سوس إذا فقدت جودة شواطئها، وهي المدينة التي يعرفها المغاربة والعالم بأنها قائمة على السياحة؟. قبل أسابيع فقط، وجد سكان أكادير أنفسهم أمام أكوام من النفايات لفظها البحر بالشاطئ. وقال جواد أبو وليد، أستاذ باحث بجامعة ابن زهر بأكادير، في تدوينة على حسابه "فيسبوك" إن الأمر يتعلق بـ ""صوف" كثيف أدى إلى تغير لون الشاطئ إلى الأحمر، وأثار الكثير من المخاوف بسبب شكله الذي يشبه كثيرا صوف الأغنام"، موضحا أن الأمر يتعلق بإزدهار طحلب يدعى سيغاميوم، ينتمي إلى شعبة الطحالب الحمراء. وأشار الباحث ذاته، إلى أن الظاهرة تعرفها أغلب شواطئ العالم بسبب الأنشطة البشرية والتغيرات المناخية، وطرح السؤال هل يتعلق الأمر بطحلب محلي أو غازي، وما السبب المباشر في ظهوره في منطقة محددة بشاطئ أكادير؟. وفي هذا السياق، قال رشيد فاسح، رئيس جمعية "بيزاج" بأكادير، إن تلوث بعض شواطئ المدينة ليس حكرا عليها، بل إن هذه الإشكالية تعانيها مجموعة من الدول، لأن الموانئ و"المارينا" دائما نجد فيها بعض المخلفات، خاصة إذا كانت لا تتوفر على قنوات للصرف الصحي. وأشار المتحدث ذاته إلى أنه في مرات كثيرة ضبطت بعض المطاعم تتخلص من نفاياتها السائلة في مياه البحر، وتحملها التيارات إلى جنبات حوض الميناء، مضيفا أن هناك أيضا المخلفات المرتبطة بالأحواض التي تركن فيها باخرات الصيد وسفن التجارة، كما أن الأودية تحمل النفايات إلى البحر، الأمر نفسه بالنسبة إلى الألعاب البحرية الميكانيكية، من قبيل "جيت سكي"، التي ترتكب بعض التجاوزات. ضحايا التلوث يصعب الجزم بوجود ضحايا لتلوث مياه الشواطئ، في غياب دراسات علمية تطرقت للموضوع، وفي إطار ضعف الثقافة الصحية لجزء كبير من المغاربة، إذ هناك العشرات ممن يصابون بأمراض جلدية كل سنة، ولا يتوجهون للطبيب، إلا إذا كان الأمر خطيرا ومستعجلا. وبالمقابل، حاولنا التطرق للموضوع من زاوية طبية، مع أحد المتخصصين، ويتعلق الأمر بالدكتور الطيب حمضي، الباحث في السياسات والنظم الصحية، والذي أكد أنه عندما تقوم السلطات العمومية بتقييم جودة الشواطئ، هل صالحة للسباحة أم لا، فهدفها هو الحفاظ على صحة المواطنين. وأوضح حمضي، أنه عندما لا يحترم الشخص المعطيات والتوصيات الواردة في التقرير، ويذهب للاصطياف في شاطئ معروف بأنه غير صالح للسباحة، فهو يعرض صحته للخطر، لأن الماء يمكن أن يحتوي على الباكتيريا التي تأتي من المياه العادمة للمنازل، أو مخلفات المعامل، أو فيروسات في المياه، أو بعض المواد السامة. وأشار المتخصص ذاته، إلى أنه بعد الاستحمام في تلك المياه غير الصالحة، فإن جلد الشخص يمكن أن يصاب ببعض الالتهابات، الأمر نفسه بالنسبة إلى العين والأذن، وفي بعض الحالات يمكن أن يصاب بالإسهال أو القيء. ولا ينتبه الكثير من الأشخاص لهذه المخاطر، إذ هناك من يعتقد أن القيء نتيجة لتسمم غذائي ما، حسب حمضي. ويمكن أن تحتوي الشواطئ غير الصالحة للسباحة، على مواد أكثر خطورة، خاصة تلك التي تأتي من المعامل، والتي يمكن أن تنفذ من جلد الإنسان إلى داخل الجسد ومنه إلى الدم، لهذا وجب تجنب هذه الشواطئ، لأن الجهات الرسمية التي تراقب الجودة، تقوم بعمل احترافي، وفي مطلع كل صيف تصدر تقريرها ليطلع عليه المواطنون والسياح.

الشواطئ “الملوثة”… السياحة قبل الصحة

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

"فوكيد" يعتدي على سائحة بمراكش

"عين الدياب"... ملتقى الهاربين من "الصهد"

مقالات ذات صلة