القائد “الزرنكي” و42 نبيلا

تادلة في تاريخ ليون الإفريقي 4 زور خطاب الملك لخداع "الخونة" واتقى غضب السكان الذين ينبذون الخداع شكلت منطقة تادلة أحد أهم أقاليم المملكة المغربية عبر التاريخ، إلا أنها لم تحظ باهتمام كبير من قبل المؤرخين، كما هو الأمر بالنسبة إلى فاس أو مراكش، ويعتبر كتاب وصف إفريقيا، للحسن بن محمد الوزّان الزناتي الفاسي، والمشهور بليون الأفريقي، أحد أهم المصادر التي تناولت مجال تادلة، بوصف مدنها وقبائلها وصناعات أهلها، وحكايات رجالها وفرسانها، والحياة الاجتماعية والسياسية لسكانها، وعلاقة كل قطر منها بالسلطة السياسية للوطاسيين ملوك فاس، في القرن السادس عشر. في هذه السلسلة، نروي على لسان "ليون الإفريقي"، قصصا من الجزء المخصص لتادلة. وهو الديبلوماسي والمؤرخ الذي عمل في إدارة الوطاسيين، وصال وجال في رحاب وأقطار المغرب، تاركا لنا وثيقة تاريخية وزنها ذهب. عصام الناصيري استدعى القائد مستشاريه تلك الليلة، وقال لهم، «كيف يمكننا أن نستخلص مالا آخر من هؤلاء الخونة دون أن يتهمنا السكان بالخداع وإخلاف الوعد؟"، فدبر كاتب هذه السطور (الحسن الوزان) مكيدة، وقال «سيدي القائد تظاهر غداة بأنك تلقيت رسالة من الملك يأمرك بقطع رؤوس هؤلاء القوم، وتظاهر في الوقت نفسه بالشفقة عليهم، وعدم الرغبة في ارتكاب حماقة قتلهم، وقل إنه يبدو لك من الأفضل، والحالة هذه، أن ترسلهم إلى فاس». وكتبنا في الصباح رسالة زعمنا أنها بخط الملك، وأمر القائد بإحضار جميع السجناء، وعددهم 42 رجلا، وقال لهم مبديا تأثرا عميقا، «أيها السادة النبلاء، وصلني خطاب الملك حاملا خبرا سيئا. وأرى أن جنابه لا يعرف حقيقة ما قمتم به، ويعتبركم ثوارا ضد التاج، وهذا هو السبب الذي من أجله أمرني بأن أضرب أعناقكم، وإني لا آسف على ذلك، لأن الجميع سيظن أني قد أخلفت وعدي، لكنني لست سوى خادم، ولا يسعني إلا أن أمتثل لما أمرت به». أخذ البؤساء يبكون ويطلبون العفو من القائد، وتظاهر هو أيضا بالبكاء وقال لهم، لا أرى أفضل لكم ولي، ولأتخلص من جميع المسؤوليات المتعلقة بأعمالكم، من إرسالكم إلى فاس، فقد يعفو عنكم الملك، أو يرى رأيه فيكم، وسأرسلكم بعد حين مع 100 فارس. زاد حينئذ انتحاب الأسرى، وتضرعهم إلى الله والقائد، وإذاك تقدم شخص ثالث إلى القائد وقال له، «مولاي إن صاحب الجلالة الملك، أوفدك إلى هنا نيابة عنه، بحيث يمكنك القيام بما تراه أنسب، فتريث قليلا لترى ما هي إمكانيات هؤلاء النبلاء، وهل يستطيعون أن يدفعوا شيئا من المال لإنقاذ أرواحهم، ثم أخبر الملك بأنك وعدتهم بألا تقتص منهم، وتوسلت إلى جلالته، أن يعفو عنهم كرامة لمنزلتك عنده، فربما مال الملك لصالح المال». أخذ السجناء التعساء يتوسلون إلى القائد أن يعمل بهذه النصيحة، ويقولون إنهم سيدفعون عن طيب خاطر إلى الملك ما يشاء، ويزيدون على ذلك هدايا عظيمة للقائد. تظاهر القائد بأنه قبل ذلك عن كره، ثم فاجأهم بقوله، ماذا يمكنكم أن تدفعوا إلى الملك، فقال أحدهم ألف مثقال، وقال آخر 500، وثالث 800. وأجاب القائد بأنه لا يريد أن يكتب إلى الملك بمثل هذه المبالغ الضئيلة، «ومن الأفضل أن تذهبوا إلى فاس، فربما قبل الملك اقتراحاتكم»، تضرعوا إلى القائد وما زالوا يستعطفونه، إلى أن قال لهم، أنتم 42 نبيلا في غاية الثروة، فإذا قبلتم أن تؤدوا ألفي مثقال عن كل فرد، كتبت بذلك إلى الملك ورجوت خلاصكم، وإلا أرسلتكم إلى فاس. قبل السجناء عن طيب خاطر أن يجمعوا المبلغ كاملا، شريطة أن يشارك كل واحد حسب مقدرته، فأجابهم القائد، "افعلوا ما شئتم"، وطلبوا مهلة 15 يوما. وتظاهر القائد بالكتابة إلى الملك من جديد، وبعد مرور 12 يوما صرح القائد بأن الملك عطف عليه، وقبل الصفح عنهم، وأطلعهم على خطاب مزور. وفي الأيام الثلاثة التالية حمل أهل السجناء المبلغ ذهبا، وقدره 84 ألف مثقال، فأمر الملك بوزن هذا الذهب، وعجب كثيرا من وجود مثل ذلك العدد في مدينة صغيرة كهذه، عند 42 شخصا، وأطلق سراح السجناء في الحال، وكتب إلى الملك بتفاصيل كل ما جرى، طالبا منه أن يأمره بما عليه أن يفعل.

القائد “الزرنكي” و42 نبيلا

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

جريدة الصباح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الطالبي العلمي ينسق مع الأمن

فرس... الأسطورة الحية

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات