الصحة بالبيضاء… “مغارة علي بابا”

مستشفيات تحتاج زيارات مفاجئة لمعاينة سوء الخدمات وتعطل التجهيزات وطول مواعيد السكانير والعمليات مشاكل القطاع الصحي بالبيضاء، النافذة التي يمكن أن يطل منها الباحث عن حقيقة وضعية تسيير العاصمة الاقتصادية للمملكة، وهي الوضعية التي تجعلها تعاني التأخر على جميع المستويات المرتبطة بالخدمات المقدمة للسكان والزوار، وتحصر المدينة المليونية في صورة مشوهة، باعتبار اعتلال القطاع الصحي بأكبر مدينة بالمغرب يجعل محاولات إعدادها لتضاهي أكبر الحواضر العالمية حلما بعيد المنال. إنجاز : محمد بها / تصوير : (أحمد جرفي وعبد اللطيف مفيق) وصف القطاع الصحي بالبيضاء، بـ"الحلقة المفقودة" لم يكن اعتباطيا أو نعتا ذا حمولة قدحية، وإنما واقع مزر يمكن معاينته بالعين المجردة، قبل تحويله إلى حقيقة يمكن الاستعانة بها لمواجهة الوعود الكاذبة ضمن الشعارات المرفوعة، من قبل مسيرين للشأن المحلي ومنتخبين ومسؤولي القطاع الصحي بأكبر الحواضر بالمغرب، من أجل القيام بالعمل الجدي والتخلي عن "الغربال» الذي لا يمكن أن يخفي شمس حقيقة الوضع الكارثي، لمستشفيات تحتاج إلى عملية مستعجلة، حتى تكون في مستوى تطلعات البيضاويين وباقي المرضى الباحثين عن فرصة للعلاج. ولأنه من طبيعة البشر كرهه للنصح، حتى لو كان من باب النقد البناء، فإن "الصباح"، اختارت القيام بجولات تفقدية لعدد من المستشفيات بالعاصمة الاقتصادية، لتسليط الضوء على الخدمات الصحية المقدمة بها، الأمر الذي مكن طاقمها من الوقوف على مشاكل بالجملة، تقتضي نقلها بأمانة لعل المنتخبين والمسؤولين يستيقظون من سباتهم لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، وفاء بوعودهم التي من أجلها تم اختيارهم لتقلد مسؤولية التسيير باعتبارها تكليفا وليست تشريفا. مستشفى ابن رشد...نافذة الحقيقة لتسليط الضوء على وضعية المستشفيات والمراكز الصحية بالبيضاء وجودة الخدمات من عدمها، كان لا بد من اختيار المركز الاستشفائي الجامعي ابن رشد باعتباره أكبر مستشفى بالمدينة، وأحد الأقطاب الصحية بالمغرب التي تعرف توافد المرضى والحالات المستعصية من مختلف مدن وأقاليم المملكة. وإذا كان الأمل معقودا على مستشفى ابن رشد ليكون في مستوى التطلعات، فإن الواقع سرعان ما يصدم الزائر لمرافق فضاء صحي يعتبر مدينة طبية قائمة الذات، فرغم كبر مساحته وتعدد تخصصاته وتوفره على أكبر الأطر الطبية المتميزة بالكفاءة والنزاهة، فإن المستشفى الجامعي يجعل المرضى والمرتفقين يُصابون بالاكتئاب، تأثرا بزيارة «سبيطار» يحمل بين طياته العديد من المشاهد الدرامية. وتنطلق المشاكل، ابتداء من قسم المستعجلات الذي ينم عن فوضى عارمة، ويستعرض فيه حراس الأمن الخاص عضلاتهم إلى حد تحولهم إلى أطباء وإداريين يفتون في كل شيء، مرورا بارتباك المرتفقين وتخبطهم في التنقل بين الأقسام الطبية المتعددة التخصصات وقسم الفحص ب»السكانير»، وانتظار طويل لإجراء عمليات مستعجلة لحالات تواجه شبح الموت. ويمكن الانتهاء من المشهد الدرامي بصورة تلخص مستوى الخدمات المقدمة بمستشفى ابن رشد وباقي المستشفيات بالبيضاء، والتي تتمثل في مرضى يفترشون الأرض، سواء على مقربة من باب المؤسسة أو وسط مرافقها المتعددة، بحثا عن التفاتة إنسانية لإسعافهم وإنقاذهم من موت محقق. مستشفى الحي الحسني... ارتباك وتخبط بالمستشفى الإقليمي الحي الحسني بالبيضاء، وبالضبط بقسم المستعجلات، الوضع شبيه بساحة حرب وضعت أوزارها، حيث تجمعات بشرية تتكون من نساء ورجال وشباب وأطفال، أتوا من ليساسفة وقصبة الأمين والألفة والحي الحسني ومختلف المناطق المشكلة لأحياء المقاطعة، التي تعد الأكبر بالعاصمة الاقتصادية من ناحية الكثافة السكانية، ينتظرون فرصتهم للاستفادة من إسعافات أولية أو علاجات ضرورية أو لإجراء فحوصات لتشخيص حالاتهم المستعجلة. ورغم الانتقال إلى قسم آخر، فإن وضعية التخبط والفوضى تتشابه باختلاف تفاصيلها، حيث يتجمع أفراد في انتظار دورهم في إجراء الفحوصات، وهي مدة قد تطول في مكان تصبح الدقائق ساعات، والموارد البشرية تكاد تختفي بين عشرات المرضى المتوافدين على المستشفى. وفي انتظار اكتمال أشغال التهيئة والتوسعة التي تسمح بالرفع من الطاقة الاستيعابية للمستشفى وزيادة مرافق وتخصصات أخرى، مازال الضغط سيد نفسه بمستشفى الحسني الذي يعاني خصاصا مهولا في العنصر البشري وتجهيزات في مستوى تطلعات كثافة سكانية كبيرة. مستشفى سيدي عثمان... الداخل مفقود «الداخل مفقود والخارج منه مولود"، عبارات صارت متداولة على ألسنة المرتفقين المغلوبين على أمرهم بتراب عمالة مقاطعات مولاي رشيد، تعليقا على تردي الخدمات الصحية والوضعية الكارثية التي يعيش على إيقاعها مستشفى سيدي عثمان. زائر مرافق هذا الفضاء الصحي يمكن أن يعيش حقائق أقرب إلى الخيال، والبداية من قسم المستعجلات الذي تحكمه الفوضى والإهمال، انتقالا إلى باقي الأقسام التي يجد فيها المريض أو المرتفق نفسه في دوامة يصعب الخروج منها وهو يبحث عن فرصة للعلاج يتعذر تحققها، نتيجة اللامبالاة وقلة الموارد البشرية وضعف التجهيزات. وبلغت سمعة مستشفى سيدي عثمان الحضيض، نتيجة العشوائية التي تعرفها مرافقه، وقلة العنصر الطبي والخصاص المهول في التجهيزات الطبية، مقابل توافد حالات معقدة والعدد الكبير من المواطنين الذين يقبلون عليه لتلقي الإسعاف والعلاج، إلى درجة أن هناك مرتفقين يتفاجؤون لغياب الأوكسيجين في المستعجلات، دون الحديث عن لازمة "السكانير خاسر". مستشفى مولاي يوسف... نقطة ضوء بعيدا عن العدمية والسوداوية، كان لا بد من الإشارة إلى المركز الاستشفائي الجهوي مولاي يوسف بالبيضاء، الذي يمكن اعتباره نقطة الضوء وسط عتمة المشاكل التي تعرفها باقي المراكز الصحية بالعاصمة الاقتصادية. وحسب ما هو ظاهر للعموم، فإن المركز الاستشفائي مولاي يوسف، يتميز بنظافته وحسن تنظيمه، سواء في ما يخص الاستقبال والتوجيه، أو ما يتعلق بتسريع خدمات إسعاف المرضى. المستعجلات... الانتظار القاتل «خلص وتسنى الأجل» من بين العبارات التي تضمنتها أحاديث عدد من المرتفقين الذين كانوا يبثون شكواهم، فرغم اختلاف وضعية المستشفيات الموجود بالبيضاء، فإن القاسم المشترك بينها، يتمثل في سوء الخدمات المقدمة بقسم المستعجلات والبطء في تقديم الإسعافات الأولية حتى لا تتفاقم الأمور إلى الأسوأ. ويكفي الدخول إلى قسم المستعجلات لعيش ساعات من الجحيم، بسبب الاكتظاظ الكبير، والحالات التي لا يستطيع ذوو القلوب الضعيفة والإحساس المرهف تحمل معاينتها. موظفون معدودون على رؤوس الأصابع في استقبال جحافل المرضى، وكراس مملوءة عن آخرها، يعطي الانطباع على أن الأمور ليست على ما يرام بأقسام المستعجلات بالبيضاء. ويشكل الاكتظاظ والفوضى والارتباك الوجه البشع لقسم المستعجلات بمختلف تراب مقاطعات البيضاء، خاصة حينما تتم معاينة مرضى على أسرة متحركة بين الموت والحياة، وأفراد من عائلاتهم يحاولون التخفيف من آلامهم بمواساتهم بعبارات "ماتخافش قربات نوبتك دخل عند الطبيب اشوفك"، في حين يلجأ مرتفقون للاحتجاج والصراخ للإسراع بمريض حالته لا تحتمل الانتظار وسط طوابير المنتظرين، ومرضى يضعون أيديهم على قلوبهم ويمسحون على وجوههم أو يعضون أيديهم في انتظار اقتراب موعد إجراء الفحص، الذي قد يأتي أو لا يأتي. "السكانير" والعمليات الجراحية... تاريخ مؤجل «اللي بغى السكانير والعمليات الجراحية خاصوا صبر أيوب»...عبارة يتداولها المرضى وتكشف الوضع الذي يسود فضاءات قسم «السكانير» وباقي أقسام التخصصات، التي يتجمع فيها مرتفقون ينتظرون دورهم للاستفادة من الفحص بالأشعة، أو للحصول على فرصة لإجراء عملية جراحية مستعجلة. ويعرف قسم الفحص بالأشعة بالمراكز الصحية بالبيضاء، ازدحاما كبيرا، حيث المرضى يحملون أوراقا بين أيديهم، في انتظار ساعة الفحص أو الحصول على موعد قريب، سرعان ما ينتهي بصدمة كبيرة مضمونها "السكانير خاسر" أو "سير خود رونديفو"، وهو الإجراء الذي يصير فيه موعد الاستفادة من الفحوصات موعدا مؤجلا إلى ما لا نهاية، بفعل التواريخ البعيدة المحددة التي تجعل المريض يصرف النظر عن المستشفى العمومي ويضطر للاقتراض لعلاج نفسه بالمصحات الخاصة، التي يمكن وصف مشاكلها ب"مغارة علي بابا". العنصر البشري والآلات الطبية..."كلشي معطوب" لا بد لزائر المستشفيات والمراكز الصحية المتمركزة بمختلف مقاطعات البيضاء، أن يقف على المشاكل التي يعانيها المرضى والمرتفقون مع فضاءات، يفترض فيها تخفيف الضغط عن المستشفى الجامعي ابن رشد بالبيضاء. ولعل أكبر عقبة تواجه المرضى وتضاعف محنتهم، الخصاص الكبير في الموارد البشرية، خاصة في صفوف الأطباء المختصين والممرضات، وانعدام بعض الآلات الطبية المهمة التي تعاني أعطابا مستمرة، وهو ما يعمق جراح المرضى ويثقل كاهل عدد من الأطباء والممرضين والمستخدمين، الذين يقومون بمجهودات جبارة. الروائح الكريهة... تأزيم الوضعية بمجرد ولوج المرتفق إلى أقسام المستعجلات بمستشفى سيدي عثمان والمستشفى الإقليمي الحسني والمستشفى الجامعي ابن رشد وباقي المستشفيات والمراكز الصحية الموزعة على مختلف المقاطعات البيضاوية، حتى يجد نفسه محاطا بمشاهد مؤلمة تزيد من فظاعتها الروائح الكريهة، التي تزكم الأنوف. وتعاني المرافق الصحية بعدد من مقاطعات البيضاء، تلوثا فظيعا رغم جهود عاملات وعمال النظافة، الذين يجدون أنفسهم مغلوبين على أمرهم أمام الإقبال الكثيف للمرتفقين، وكذا الحالات التي تنزف دما أو تتقيأ، دون ذكر انتشار الفضلات والبول بفعل تدهور صحة مريض أو نتيجة سلوكات مرتفقين حولوا المرافق الصحية ومحيطها إلى مراحيض. نداء استغاثة «هاد السبيطار ولات فيه السيبة والفقير ليه الله"...من بين العبارات التي يتداولها المرضى وعائلاتهم بمستشفى سيدي عثمان، تعبيرا عن سخطهم على وضعية الفوضى والإهمال، التي تطبع السير العادي لمستشفى سيدي عثمان وباقي مرافقه. وإذا كان عدد من المرتفقين بمستشفى سيدي عثمان قد بدؤوا في الصراخ بأعلى صوتهم، احتجاجا على الوضعية الكارثية بأحد المرافق الصحية، التي تتميز بكثافة سكانية مهمة، مطالبين بزيارات فجائية من قبل كبار مسؤولي الوزارة، فإنه في باقي مستشفيات العاصمة الاقتصادية فالمشهد بات مألوفا، وهي المشاكل التي تزيد من تأزيم وضعية المرضى المنتمين إلى فئات معوزة وهشة ويحتاجون إلى التفاتة إنسانية وضمير مهني لإسعافهم وخدمتهم، لا لترك الحسرة في نفوسهم بسبب التراخي والإهمال وغياب الأطر الطبية وشبه الطبية وضعف في الخدمات. وطالب عدد من المرتفقين بمستشفى سيدي عثمان وباقي المرافق الصحية، خالد أيت الطالب وزير الصحة، بالقيام بزيارة مستعجلة وفجائية، بعيدا عن عدسات المصورين وكاميرات التلفزيون، من أجل الوقوف على حقائق صادمة لقطاع يحتاج تدخلا جراحيا مستعجلا لإنقاذه من "السكتة القلبية"، وتفعيل آليات المراقبة لمعالجة الاختلالات ومحاسبة المتورطين، إعمالا بمبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة.

الصحة بالبيضاء… “مغارة علي بابا”

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

جريدة الصباح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

شكرا سيداتي

تسجيلات تطيح بعصابة "الطوبا"

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات