أصوات يهودية من الذاكرة : ليلي بونيش… عراب المزج الغنائي

ينتمي الفنان ليلي بونيش إلى رعيل الفنانين الجزائريين، الذين أسسوا لأسلوب المزج الغنائي بين أكثر من نمط موسيقي، متأثرا في ذلك بطبيعة نشأته في وسط كان زاخرا بألوان مختلفة تجاور فيها الأنماط التراثية التقليدية المتمثلة في الرصيد الغنائي الأندلسي والحوزي، إلى جانب أنماط غربية انتشرت بالمنطقة المغاربية خلال أربعينيات القرن الماضي.ولد إيلي بونيش، المدعو ليلي بونيش، سنة 1921 وسط أسرة يهودية حطت رحالها في العاصمة الجزائرية قادمة من منطقة "آقبو" القريبة من مدينة بِجايَة (شرق الجزائر).كان والد ليلي بونيش هاويا للغناء الأندلسي وعازفا ماهرا على آلة الموندولين، ما ساعد الابن على إتقان العزف على هذه الآلة منذ الثالثة عشرة من العمر. وسعد الوالد كثيرا باكتشاف الحس الموسيقي المبكر لدى ابنه منذ الطفولة، فدأب على تشجيعه على المضي قدُما في هذا الاتجاه إلى درجة أنه وضعه وهو في العاشرة من العمر بين يدي الفنان اليهودي الوهراني، الذائع الصيت آنذاك، سعود المديوني ليلقنه أصولَ الغناءِ العربي الأندلسي والغناء الحوزِي بشكل خاص وأصول العزف على العود.خلال هذه المرحلة تعرف ليلي بونيش على الفنانة رينيت الوهرانية التي كانت متخصصة في نمط الحوزي، وهو أحد الألوان الغنائية في الجزائر المستلهمة من الطرب الأندلسي، وكانت هي الأخرى من تلاميذ "المْعلَّمْ" سعود، وتعلَّم عنها الكثير من فنيات وأسرار آلة العود التي أصبحت من أعز الآلات الموسيقية وأقربها إلى قلبه. بعد استيعابه للطرب الحوزي وتمكنه من العزف على آلة العود، ترك الشاب ليلي بونيش سعود المديوني ليلتحق بجمعية "المطربية" التي كان يقودها الفنان محي الدين بشترزي، بعد وفاة مؤسسها اليهودي إيدمون يافيل، ثم بجمعية "الموصلية".على مقاعد الدراسة في جمعية "المطربية"، تتلمذ بونيش على محي الدين بشترزي في مجال الغناء الأندلسي بنوباته (مقاماته) الكلاسيكية، ثم على يد محمد الشيطان في جمعية "الموصلية" التي كانت تضم في الغالب عازفين ومنشدين مسلمين.وعندما بلغ ليلي بونيش الخامسة عشرة من عمره، استدعاه مدير "راديو الجزائر" آنذاك لتنشيط برنامج أسبوعي خاص بالطرب الحوزي والطرب الأندلسي الكلاسيكي. وفي الوقت الذي كان المتتبعون لشؤون هذا التراث يتوقعون له مستقبلا لامعا في مجال النوبات الأندلسية الكلاسيكية ومواصلة مسيرة الشيوخ اليهود والمسلمين في هذا المجال منهم عبد الرحمن المنمش وبن فراشو ومحمد بن علي سفنجة وموزينو ومحمد بن التفاحي، فاجأ ليلي بونيش الجميع باقتحامه عوالم موسيقية أخرى لم تكن متوقعة له على الإطلاق.انفتح بونيش على أنماط موسيقية غربية منها الرومبا والباسو دوبلي والتانغو والبولِيرو والمامْبو، وأخذ يقتبس منها ومن الموسيقى الغربية أجملَ وأشهرَ الألحان ليُعرِّبها أو يُلبسها لغة عربية – فرنسية تستقطب الفرنسيين والجزائريين على حدِّ سواء، فأصاب بذلك شهرة واسعة وأصبح ليلي بونيش منذئذ إيقونة فنية من أشهر نجوم الفن والطرب في الجزائر وحتى في فرنسا التي التحق بها أواسط الأربعينات، وصار اسما معروفا في الأوساط الفنية، بعد اشتغاله بأحد الملاهي الليلية الباريسية المعروفة. في هذه الفترة التي شهدت قمة نجاحه وهو يتنقل بين باريس ومدينة الجزائر، تعرَّف على كُونْتِيسَة ألمانية أحبها وأحبته فتزوجا وعاشا حياة مستقرة ترك من أجلها الغناء ليتحول إلى عالم الأعمال الذي لم يكن قد خلق له. وكان وقتها يمتلك أربع من أجمل قاعات العرض السينمائي في الجزائر العاصمة سرعان ما كسدت مداخيلها نهاية الخمسينات بسبب اندلاع الثورة الجزائرية.بعد رحيله إلى فرنسا في أعقاب استقلال الجزائر، فتح مطعما في باريس ليؤسس بعد سنوات شركة لبيع الأدوات المكتبية في باريس بعد استقلال الجزائر، لكن دون أن يبتعد كليا عن نشاطاته الفنية وعن آلة العود والقيثارة وإحياء حفلات وأفراح العائلات، يهودية كانت أو مسلمة، التي تهوى الغناء العربي الأندلسي وغناء بونيش بالذات. مر بونيش بأزمة مالية حادة عندما كسدت أعماله التجارية في فرنسا، واضطرته الظروف إلى العودة إلى الغناء خلال الثمانينات والتسعينات، توجها بإحيائه حفلا تاريخيا في قاعة الأولمبيا البريسية نهاية التسعينات. كما اقتحم بونيش حتى عالم الفن السابع إذ شارك كممثل في فيلم Le Grand Pardon (يوم الغفران الأكبر) للمخرج الفرنسي، الجزائري روجِيه حنين، قبل أن يعيد تسجيل مجموعة أسطوانات خلال المرحلة الأخيرة من عمره قبل وفاته في مارس 2008. عزيز المجدوب

أصوات يهودية من الذاكرة : ليلي بونيش… عراب المزج الغنائي

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الصباح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

نفائس فاس العتيقة : وضع حجر أساس بناء مسجد القرويين في أول رمضان

التشرميل...رسائل مشفرة لاسترجاع الأمن : مراسلة فيسبوك عن طريق الأنتربول

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات