نفائس فاس العتيقة/المختار السوسي: فاس “الأستاذة أمس واليوم”

فاس أول عاصمة ملكية وثاني أقدم عاصمة للمغرب بعد وليلي الرومانية استقرت بها الحضارة بعد النبش في تاريخ وأدوار ساحات فاس العتيقة وأسوارها وأبوابها وقصباتها، نستأذن القارئ لولوج دروبها الضيقة الموغلة في عمق التاريخ، لكشف ما حبلت به من نفائس، في رحلة رمضانية نتمناها ممتعة ونستهلها ببعض ما قاله علماء ومفكرون ومبدعون في مدينة من قلب التاريخ ، وأوردته مراجع لامست آراءهم في مفاتن تخفيها أسوار مدينة المولى إدريس وعاصمة العلم والثقافة. وتحقق لهذه المدينة ما تمناه مؤسسها، في حفل وضع حجر أساسها، بعدما رفع يده إلى السماء وهو يأذن بانطلاق أشغال البناء، داعيا "اللهم اجعلها دار علم يتلى بها كتابك، وتقام بها سنتك وحدودك، واجعل أهلها متمسكين بالسنة والجماعة ما أبقيتها"، قبل أن يقول "باسم الله الرحمان الرحيم، والحمد لله، والأرض لله يورثها من يشاء من عباده، والعاقبة للمتقين" كما روي فن كتب لامست التأسيس.ولم يخب ظنه بعدما بلغته مدينة فاس أول عاصمة ملكية وثاني أقدم عاصمة للمغرب بعد وليلي الرومانية، من شأن وشهرة وسمعة وما عرفته من تميز حضاري ذكره علماء زاروها وقطنوا بين دروبها وعايشوا أهلها، ووقفوا على حسن طباعهم وما تزخر به من نفائس دينية وعمرانية وصناعية وبشرية وثقافية وتجارية تختصر حقبا من تاريخها والهوية الثقافية والحضارية والسياسية المغربية.شهادات هؤلاء وكل الكتابات الشاهدة على فاس ورونقها وجماليتها وما حبلت به، جعلتها تبدو "مدينة الناس جميعا، وحاضرة العالم كله، سكنها التاريخ بكل مراحل تطوره، واستقرت بها الحضارة بكل أبعادها الجمالية والإبداعية" يقول الكاتب محمد معنى السنوسي ابن إقليم مولاي يعقوب الذي نشأ وتعلم بفاس واشتغل واستقر بالبيضاء، في كتابه "نبضات من قلب فاس.. سيرة مدينة وتاريخها"."يا فاس منك جميع الحسن مسترق.. وساكنوك أهنيهم بما رزقوا" بيت شعري جميل يؤرخ لعلاقة حميمية بين هذه المدينة التي تحوي غرائب الأشياء، والشاعر الجزائري أبي الفضل النحوي، كما أورده عبد الهادي التازي في "جامع القرويين"، كما شعر آخر أورده المصدر ذاته، لشاعر غير معروف يؤكد في أحد أبياته "إن فاخر الشرق يوما بدمشق فقل.. ناهيك ليس كفاس من اليوم من بلد". ويعتبر العلامة المختار السوسي، واحدا ممن أشهدوا على مدينة كتب عنها الكثير، لكن "تاريخها لم يكتب بعد كما يجب أن يكتب"، إذ أن "فاس الماجدة العظيمة التي هي فاسنا كلنا لا فاس سكانها وحدهم، لأن فاس العلم والحضارة، لا فاس شيء آخر"، و"تاريخ المغرب الثقافي العام ليكاد يكون كله كجوانب الرحى حول قطب فاس" فهي "الأستاذة أمس واليوم، وكل أنحاء المغرب تلاميذ لها". وحسب ما ورد في كتاب "الحضارة المغربية" للحسن السايح، فكابريال شارم وصف فاس باعتبارها "أول مدينة مقدسة بعد مكة"، فيما جاءت في مؤلف "فاس مقام العابدين" لمحمد العلوي البلغيتي، شهادة الأديب الإسباني خوان غويتيسولو، حين زيارته لها، بقوله "لم أعد أعرف حقا إن كنت بالمغرب أو الأندلس. وشعرت أمام الأسوار التي تخفي عني العرصات والفسقيات التي تشتهيها نفسي".ومدينة فاس العظيمة برأي المؤرخ ابن سماك العاملي، "قاعدة بلاد المغرب" و"كثيرة الخصب والرخاء كثيرة البساتين والمزروعات والفواكه وكل الثمار"، فيما قال عنها المفكر الأديب لسان الدين بن الخطيب، إنها "الحشر الأول والقطب الذي عليه المعول والكتاب الذي لا يتأول، بلد المدارك والمشايخ والفهارس، وديوان الراجل والفارس، أم القرى ومجمع الورى"، كما أورد ذلك التازي. وأبدع الرحالة الحسن الوزان "ليون الإفريقي"، في وصف المدينة التي قال عنها إنها "مدينة كبيرة جدا تحيط بها أسوار متينة عالية" فـ"الدور مبنية بالآجر والحجر المنحوت بدقة، ومعظم هذا الحجر جميل ومزدان بفسيفساء بهيجة، وكذلك الأفنية والأروقة مبلطة بزليج مربع قديم مختلف الألوان على شكل أواني مايورقة الخزفية"، مؤكدا أن الناس اعتدوا صباغة السقوف بألوان زاهية كالذهب. وقال فيها العالم الشهير ابن خلدون، إن "فاس مدينة غنية فيها أزقة مبلطة بالحجار... تستعمل مياه النهر يوميا في فصل الصيف، لغسل وتنظيف هذه الأزقة المبلطة"، قبل أن يغادرها مضطرا بعد صراع مع الوزير عمر بن عبد الله، حيث نظم شعرا حبا في فاس قال فيه "ووالله ما رمت الترحل عن قلى.. ولا سخطة للعيش فهو جزيل.. ولا رغبة عن هذه الدار إنها.. لظل على هذا الأنام ظليل". ويورد الرحالة المغربي الشهير الشريف الإدريسي، وصفا خاصا لفاس التي قال إنها "قطب ومدار لمدن المغرب الأقصى"، متحدثا عن "ضياع ومعايش ومبان سامية ودور وقصور" و"فواكهها كثيرة وخصبها زائد، وبها في كل مكان منها عيون نابعة ومياه جارية، وعليها قباب مبنية ودواميس محنية ونقوش وضروب من الزينة، وفي أهلها عزة ومنعة" و"عليها تشد الركائب وإليها تقصد القوافل". نفائس فاس العتيقة

نفائس فاس العتيقة/المختار السوسي: فاس “الأستاذة أمس واليوم”

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الصباح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

محكيات أحمد الطالبي : في قبضة الأمن العسكري الجزائري

المرأة في مغرب زمان... شعوذة وعنف وخيانة : الشيخة التي ألغت الحدود مع الجزائر

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات