محكيات أحمد الطالبي : في قبضة الأمن العسكري الجزائري

من جحيم أوفقير إلى زنازين البرواكية بالجزائر كان المسؤولون الجزائريون والمخابرات العسكرية على علم بمجمل هذه التحركات، وعلى علم بأن البيان التاريخي الصادر عن قدماء المقاومين وجيش التحرير، والذي نشرته الصحافة المغربية وخصصت له جريدة '' البيان'' افتتاحية خاصة، ونشرت جريدة ''لوموند'' و''لومانيتي'' مقتطفات منه، هو من تحضير عناصر ضمنها: أحمد الطالبي باريس ، محمد التوزاني، وامبارك بو درقة المقيم وقتها في الجزائر.كان البيان باختصار ينتقد تجربة النظام مع الأراضي المحتلة، بما في ذلك التآمر على جيش التحرير، وينتقد مسار الديمقراطية في المغرب ويحسم في موضوع الوحدة الترابية ومغربية الصحراء ...ويثير قضية سبتة ومليلية والجزر الجعفرية.هذه المقدمات لم تكن لتجعل الأمن العسكري الجزائري يرتاح لاختياري ممثلا للحركة في الجزائر.استمرارا في القول، أضيف أن الأمن العسكري ظل يترقب تحركاتي التي لا تهدأ، وبجرأة نادرة.أول ما فعلت حين حللت بالجزائر، عقد لقاءات مع كل تنظيم حزبي، وفردا فردا على المستويات القيادية الموجودة هناك: منظمات فلسطينية وعربية ومن أمريكا اللاتينية، سفارات البلدان الاشتراكية، بما فيها الاتحاد السوفياتي، تنظيم لقاءات دورية مع لجنة حركات التحرر العربية وبالاندماج في تأسيس لجنة التحرر الدولية، بتنسيق مع الأخ الحسن زغلول، ممثل منظمة 23 مارس وقتها.ألقيت عرضا تاريخيا عن قضية الصحراء شرحت فيه وجهة نظرنا، واستغرقت النقاشات أسابيع.وفي آخر اجتماع قامت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين بمناورة، إذ غيرت مكان الاجتماع الذي كان بمقر المقاومة الشيلية لتدعو لعقد اجتماع في مقرها...و بمجرد دخولنا وجدنا ممثل بوليساريو في الاجتماع ، ففهمنا اللعبة. قدمنا احتجاجنا وانسحبنا من الاجتماع .هكذا ستحسم الجهات الجزائرية وجودها في هذه اللقاءات وبدأت أشم شيئا يعد في الأفق، إذ كان التنظيم بالخارج متتبعا للموقف الجزائري اتجاهي، و قد اتصل بي الأخ إبراهيم أو الشلح ليقول لي بأن الفقيه البصري ينصحك بمغادرة الجزائر في أقرب وقت.بينما أنا منهمك في عملي النضالي، أي تنظيم اللاجئين والاجتماع الدوري بهم وعقد لقاءات مع الأحزاب، ضمنها جبهة التحرير الوطني، انتابني إحساس غريب. أخبرت عائلتي أني متابع. أخبرت مسؤول الجبهة عن انزعاجي، وأخبرني المسؤول بأن هذا قد يكون مجرد مراقبة روتينية لصالحك.وفي عتمة ليلة من أكتوبر، سأدخل إلى بيتي وابنتاي كانتا تتهيآن للنوم: بثينة وأميمة. وجدت بيتي في حالة طوارئ، يستقبلني ثلاثة أشخاص داهموا بيتي من قبل، واستنطقوا الزوجة، وفتشوا كل الغرف، وحتى القمامة وسلة المهملات..لم ينفع معهم الحوار، اقتادوني وأنا لم أتناول لا الغذاء ولا العشاء، انطلقت بنا السيارة في اتجاه مجهول، خفضوا رأسي، وضعوا عمامة سوداء على وجهي، وصلنا إلى مكان ما. أزالوا العمامة، وجدت نفسي أمام أبواب زجاجية مقعرة، ذات اتجاهات متعددة في انعكاسها أحدثت بداخلي دوارا خاصا من نوعه، ممر طويل جدا في شكل منحنيات يعطي صورا مشوهة عن الإنسان لتقعر الزجاج، لا يعرف مبتداها من منتهاها، ولا يمينها من شمالها، لا أكاد أنتهي إلى أجوبة حتى أحسست ببداية حياة جديدة، يترامى في أذني صراخ وعويل المعتقلين، ألبسوني بذلة عسكرية قصيرة وسأبقى منحنيا مقوس الظهر طيلة الإقامة. وضعت في زنزانة على كيس فارغ من القنب دون وسادة ولا غطاء، ضوء قوي ينعكس بشدة في الزنزانة الشديدة البياض، ضيقة و طويلة، ومن ثقبها أعيش الحركة والمراقبة وأسمع شتم الآخرين من حين لآخر. لم أعرفهم بعد. كان السؤال عن حياتي بتفصيل، وعن أنشطتي وعلاقاتي في المغرب وعلاقاتي بالمخابرات المغربية والليبية والمصرية والفرنسية وبالمعارضة الجزائرية.بعد فترة التحقيق اعتقدت جازما أن كل شيء انتهى، وأنه سيطلق سراحي، وأن كل شيء انتهى، هكذا أكرر في قرارة نفسي ولا تفصلني إلا لحظات لكي أتوجه إلي بيتي، لكن سرعان ما أتوا بتسجيل صوتي لي أقرأ فيه إحدى قصائدي الشعرية، لكنهم قاموا عبر عملية "ميكساج" بتحويل التسجيل إلى شيء فريد من نوعه، قراءات شعرية ممزوجة بعملية جنسية. مع من ؟ مع زوجة الجار؟جف حلقي، ولم أستطع الكلام. منذ بداية التحقيق وأنا أطالب بجرعة الماء تبلل حلقي، في النهاية، أعطوني قنينة ماء، وأرغموني على شربها كاملة. مباشرة أحسست بالإسهال.أخيرا استقر بهم الأمر إلى الدوش، للحلاقة، استبشرت خيرا، واعتبرتها علامة للتهيئ للمغادرة.مُدت إلى أدوات غير مألوفة للحلاقة، كانت العملية متعبة لنوعية الآلة ولكثافة اللحية، وعسكري ظهر أمامي في المرآة كان يقف وراء ظهري يتابع العملية.كان الدوش ساخنا، أنعشني، فلأول مرة أتمتع بالسخونة وأحس براحة مفرطة، لأن التحقيق الروتيني قد انتهى.بعد الخروج من الحمام، بدل أن يتجهوا بي إلى الزنزانة، اتجهوا بي إلى قاعة التعذيب....وخاطبوني "لدينا الأدلة القاطعة ضدك"، وسأبقى عاريا طيلة التحقيق أمامهم. وضعوا "خنشة" سوداء ضيقة على وجهي وأحسست باختناق شديد منقطع النظير. بدأت ألهث أملا في الحياة...قادني ثلاثة جنود، الى طابق آخر، بدأ الجلاد برمي نفايات السيجارة فوقي، لا يستعمل المطفأة، أنا مطفأته، ثم شاء أن يؤلمني أكثر، أطفأ إحدى سجائره في وجنتي اليمنى، ونفث دخانه على وجهي.التحقيق لم يخرج عن إطاره السابق، لكن أضيف إليه سؤال فرعي عمن يمول الحزب و كل أحزاب المعارضة في المغرب..الأسئلة تلقى والسياط ترفع، عاريا أمامهم حتى أخمص قدمي، كيف يمكن لي تغطية أعضائي الجنسية أمام فوج من الرجال، واستعمال يدي للدفاع عن نفسي.أحضر عاشور مجموعة قيود، ووضعها فوق الطاولة، وألقيت عليَ الأسئلة، الأجوبة السابقة نفسها كررتها على مسامعهم. إعداد: يوسف الساكت

محكيات أحمد الطالبي : في قبضة الأمن العسكري الجزائري

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الصباح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

نساء يضللن العدالة : أم تدس مخدرات في "الدلاح"بسجن بسلا

نفائس فاس العتيقة/المختار السوسي: فاس "الأستاذة أمس واليوم"

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات